يحلم الكثيرون بالنوم على وسادة من ريش النعام، فقد اشتهرت في عالمنا العربي كرمزٍ للرفاهية والثراء، ولا يستطيع الحصول عليها إلا عدد قليل من الناس؛ نظراً لارتفاع ثمنها الذي يقدر بـ 100 دولار على الأقل للوسادة الواحدة.
ولكن.. هل حلمت يوماً بركوب النعامة نفسها؟ في ماليزيا لن يكلفك هذا أكثر من 2.5 دولار فقط!
"أُمي ريفهان"، ويمكنك أن تناديها بـ"أمي"، بحسب ما أخبرت "عربي بوست" مبتسمة وهي تعّرف عن نفسها. ورغم أنها في الثالثة والعشرين من عمرها، لكنك ربما تظنها لا زالت طالبة في المدرسة الإعدادية، بملامحها الطفولية البريئة وحجم جسمها الصغير، مثل غالبية الماليزيين.
تستقبلك "أمي" حاملة طفلها "محمد أويس"، الذي لم يتجاوز عامه الأول بعد، عند مدخل مزرعة "جاليتا" للنعام، ولاية "نيجري سامبلين"، وتعني بالماليزية "التسع ولايات".
تتلقى "أمي" 10 رنجت "وهي العملة الماليزية، ويساوي الدولار الواحد أربع رنجت"، وتمنحك مقابلها تذكرة دخول للمزرعة متضمنة ممارسة كافة الأنشطة داخلها، أما إذا أردت إطعام النعام بيديك فعليك أن تدفع واحد رنجت فقط ثمناً لهذا الكيس من الذرة الأصفر.
وفي داخل المزرعة تجد أكثر من 20 نعامة تتجول حولك على الجانبين، أما الأنشطة التي تتضمنها تذكرتك فتشمل إطعام النعامات، وركوبها، ومشاهدة سباق النعام.. فهل أنت مستعد للإثارة؟
كيف تفرّق بين أنثى النعام والذكر؟
تقول "أمي" وهي تراقب دهشتنا من تعامل صغيرها مع النعامات بألفة غريبة: "هو يألفهم؛ لأنني هنا منذ كنت حاملاً فيه، كنت أتدرب هنا وأنا في الكلية، ثم تخرجت، فعرض عليّ صاحب المزرعة عملاً".
وتتابع حديثها لعربي بوست عن النعامات قائلة: "جميعها من إفريقيا، ولدينا نحو 20 ناعمة، أصغرها عمرها 7 سنوات، والكبرى عمرها 40 عاماً"، مشيرة إلى نعامتين في طرف الحديقة بأن "هذين شيما وبوبوي، من بين كل النعامات هما فقط من منحناهما أسماء؛ لأنهما يلتزمان الأدب والهدوء ويتبعان التعليمات".
ورداً على سؤال حول كيف نعرف الذكر من الأنثى، تشير "أمي" إليهما قائلة: "الذكر لون ريشه أسود، ومنقاره أحمر أو وردي، بينما الأنثى لون ريشها رمادي، ومنقارها غامق أقرب للأسمر".
وتضيف "أمي": "يأتينا زوار من اليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا وأمريكا، ولكن ليس بشكل يومي، فقط خلال العطلات تكون الأعداد كبيرة، خاصة غير الماليزيين"، لافتة إلى أن غالبيتهم "يهتمون بركوب النعامات؛ لأنها تجربة جديدة ومثيرة، وغالباً آمنة، حيث درّبنا النعامات ونأخذ الاحتياطات اللازمة".
ركوب النعام وفارس النعامة
أما إذا أردت خوض تجربة الركوب فعليك أن تنتظر حتى يغطي ذلك الفتى الأسمر الماليزي ذو الأصول الهندية عيون النعامة، ثم يركبها بنفسه أمامك ليعلّمك كيف تفعل ذلك، وما الضوابط والمحاذير.
يقول "مطول" (31 عاماً)، الذي يعمل مساعداً في المزرعة: "لابد من تغطية عيني النعامة قبل الركوب؛ لأنها تستطيع الرؤية بزاوية 180 درجة، ويمكن أن تتشتت في الاتجاهات إذا رأت أي شيء يجذبها أو يفزعها، وبالتالي قد تضر مَن يركبها، خاصة لو كان مبتدئاً، بالإضافة إلى أن الطائر يشعر بحاجة إلى مَن يقوده؛ لأنه لا يستطيع الرؤية، فيصبح مطيعاً لقائده".
ويتابع وهو يركب ظهر النعامة بعد أن يرفع جناحيها الكبيرين ويضع ساقيه أسفلهما بطريقة ممتعة حقاً: "يجب أن تضم ساقيك بقوة صوب صدر الحمامة، وتمسك بجناحيها كما يمسك الفارس بلجام الخيل، ثم تلقي بظهرك للخلف حتى توازن خطواتها المتحدرة والمتهدجة".
ويضيف: "أهتم بمتابعة السائحين الذين يركبون النعامة والتأكد من أنهم لا يلمسون عنقها، فالطائر يصيبه الجنون إذا حدث هذا، ولا تضمن العواقب"، لافتاً إلى أنه لم يتلقَّ تعليماً نظامياً، لكنه يعشق الحيوانات، ولذلك أتى للعمل في هذه المزرعة لأنها تناسب اهتماماته.
زيت النعام دواء لكثير من الأمراض
أما مالك المزرعة الخمسيني "أبراهام"، الذي يعيش فيها مع زوجته الفلبينية "منيوس"، وطفلتهما "إليشيا"، فيفاخر بعمله قائلاً: "أنشأتها كمزرعة سياحية منذ 22 عاماً، حيث يستمتع زورانا كثيراً بركوب النعامات، فهي متعة آمنة؛ لأننا ندرّب النعامات، وكذلك تقوم الحكومة بالإشراف والمتابعة الطبية للطيور والحيوانات التي في المزرعة.. ولكن إمتاع السائحين ليس الشيء الوحيد الذي تقدمه النعامات هنا.. فهي أكثر من مجرد وسادة ينام عليها الناس، أو ظهر يركبونه".
ويردف: "هناك كثير من الأبحاث العلمية التي تجرى على النعامات، ونحن نسهم في أبحاث جامعية وممولة من الحكومة، من أجل علاج الإكزيما باستخدام مواد مستخرجة من النعامة، وخاصة زيت النعام".
وابتسم ضاحكاً من ردة فعلنا وأجاب عن سؤال لم تطرحه أسئلتنا ولكن نطق به كل جزء منا: "بالطبع نحن لا نعصر النعام لنحصل على الزيت، بل نأخذه من دهون النعامات، حيث يمثل علاجاً لتساقط الشعر وعدة أمراض أخرى، من خلال زيت النعام، وهو من دهون النعام".
وتابع: "وكما نقدم شهادات لمن يركب النعامة، فنحن كذلك نقدم ضماناً لمن يستخدم منتجاتنا ضد تساقط الشعر ولا يجد النتيجة المنتظرة فإننا نعيد له أمواله".
أما عن سباق النعامات فإنه يجري من خلال مساعدي مالك المزرعة فقط، كونهم مدربين، ولا يسمح للزوار بركوبها، وفق "أبراهام".
يُذكر أن حديقة جاليتا للنعام تقع على مساحة 4.2 هكتار، من أصل 75 هكتاراً، خصصتها الحكومة الماليزية لهذا النوع من الحدائق.