بين السحاب “23”| كُلنا قابيل

عدت للفندق، فوجدت رسالة أسفل باب غرفتي من الكابتن يدعونا لتناول العشاء في مطعم "بخارا" الموجود بالفندق، سعدتُ بالفكرة، استمتعت بدش ساخن وهبطت لاستكشاف الفندق قبل أن نجتمع للعشاء

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/11 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/11 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش

وصلنا كاتماندو، عاصمة مملكة نيبال، في وقت مبكر جداً. في المطار، كانت هناك إجراءات مشددة، وحضور طاغٍ للأمن، شعرت بأن هناك جريمة ما حدثت مما دعا لوجود هذا العدد من رجال الشرطة. بعد أن تسلّمنا حقائبنا وركبنا الباص متجهين للفندق، سألت بريا عن سبب الإجراءات الأمنية، فصدمتني بواقعة القتل التي حدثت منذ شهر تقريباً في المملكة والتي سميت مذبحة القصر الملكيّ.

فقد قام ولي عهد نيبال، الأمير "ديابندرا"، بقتل عدد من أفراد أسرته ومنهم والده الملك بيرندرا، وكذلك الملكة إيشواريا ونحو 7 من أفراد أسرة العائلة المالكة عن طريق إطلاق النار عليهم، وبعد ذلك قام بقتل نفسه.

أليست تلك هي أقدم جريمة في التاريخ، بدأت حياتنا وستنتهي بالقتل، نحاول أن نتحلى بالأخلاق ونَنْعَتُ مَن ظَلَمنا بالوحشية والانتهازية. ولكن، لو تفحصنا في ماضينا لوجدنا أننا جميعنا نحمل تلك الجينات التي تبرر لنا أذية وابتزاز الآخر لتحقيق ما نريده، سواء بالقتل أو الاستغلال أو الحب أو صلة الرحم، كلها طرق يبتز بها بعضنا بعضاً لكي يحصل على ما يريد، مهما تسبب ذلك في ضرر للآخر.
بدأت أشعر بأننا كلنا قابيل إذا أتيحت لنا الفرصة، إلا ما رحم ربي.

خارج المطار، كان ينتظرنا عدد كبير من الأطفال الشحاذين، طلب منا السائق غلق النوافذ لتفادي الاحتكاك بهم، أطفال لا يعلمون من الحياة سوى طلب كسرة الخبز ولا يجدون سوى استنكارٍ لجوعهم ولطلبهم. حزنت بشدةٍ وطلبت من السائق أن يقف حتى يتثنى لي إعطاؤهم بعض النقود، لكنه أصر على أننا سوف نجد حشوداً تلتهمنا إذا فعل ذلك. في طريقنا، تأملت حال البلدة التي بدت نضِرةً بجمالها، ما زالت بكراً بطبيعتها الساحرة وطرقاتها بين الجبال وجوها الجميل البارد قليلاً، يتحدث فيها الناس بلغات مختلفة؛ منها التيبت والأوردو، الهندوسية ديانتهم ولكن يوجد أيضاً بوذيون ومسلمون.

لفت نظري بساطةُ المنازل والحياة، وفوجئت بوجود القرود على أسطح المنازل وفي الشوارع، مثل الكلاب في بلداننا! نظراً لما أعانيه من فوبيا من كل الكائنات الحية، كنت قلقة جداً وخائفة من وجود قرود في الفندق، ولكن الحمد لله الفندق بعيد نوعاً ما عن وسط المدينة ولم أر فيه قروداً. اتفقت مع بريا على أن ننال قسطاً من النوم وأن نتقابل بعد ساعتين لزيارة أهلها. وبالفعل، اتجهت معها لمنزلهم وأنا في رِيبة من ظهور قرد متحرش في الطريق، ولكن ربنا سلم.

شعرت بالقرف وخرجت من المطعم دون أن أنطق، وجدت الكابتن أمامي، سألني لماذا أنا راحلة، ثم دعاني للدخول قائلاً: "الجميع قادمون حالاً"، فعدت معه للطاولة وتبعنا بقية الطاقم.. سألني الكابتن عن سبب ضيقي الواضح، فقلت له ما حدث فانزعج جداً وقال لي: "أحياناً، الأشخاص المنحطون يعتقدون أن كل الناس مثلهم، لا عليكي منه، اعتبريه حشرة"، وهكذا فعلت.

عرض الكابتن علينا أن يطلب الأطباق للجميع؛ لأنه جرب المطعم ويعلم جيداً الأطباق المميزة. وبالفعل، أحضر النادل أولاً العدس المخلوط بتوابل حارة -لم أذق مثله من قبل- في طبق موضوع على شمعة كي يبقى ساخناً، ثم أتبعه بطبق من سلطة الزبادي بالخيار والخبز "النان" والمغطى بطبقة من الزبدة والثوم، ثم وضع الطبق الرئيسي "فخذة الخروف" التي عبّأت رائحتها الشهية المكان كله، ما إن ذقت قطعة منها حتى ذابت في فمي كأنها زبدة، يا إلهي، كم استمتعت بتلك الأكلة اللذيذة!

بعد انتهائنا جميعاً، توجهنا إلى غُرَفنا استعداداً للنوم، وما إن دلفت غرفتي حتى تذكرت قصص الفتيات عن هذا الفندق، شعرت بالخوف وحاولت أن أهدّئ من نفسي، تركت الأضواء جميعها منيرةً، حتى التلفاز شغّلته على قناة HBO، وكانت ليلة لَيْلَاء.

يُتبع

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد