– خواطر من الأندلس
تعرفون النظرات الطويلة التي لا تفيق منها قبل أن تدخل في نوبة غرق أخرى؟ بمجرد ظهورها في شباك الطائرة، وقبل النزول فيها، كانت صحراؤها والتجمعات السكانية الصغيرة فيها التي تستطيع رؤيتها من الطائرة، كافيةً لإثارة السؤال، هل اختبأ في هذه البقعة من الصحراء "مورسكيون" بعد نقض الإسبان عهدهم مع آخر ملوكها؟
عند ظهور سواحلها الجميلة، التي لا يشغلك جمالها عن سؤال آخر، كيف كان شعور مئات الآلاف من سكانها عندما هربوا منها إلى المغرب العربي قبل "500 عام"؟!
كم من "علي" -"أحد أبطال رواية ثلاثية غرناطة" عاد من الساحل إلى داخل البلدة من جديد لأن "قبر مريمة" كان أكثر اتساعاً مما وراء البحر المتوسط"..
غرناطة وقصر حمرائها الضائع، وعبارات لا غالب إلا الله التي تملأه، وجنبات القصر غير المرممة التي تشعر، وكأنها ما زالت تحفظ استغاثات آخر ملك عربي سكنه، للإمارات والإمبراطوريات الإسلامية حينها، والتي لم ينجده منها أحد، وفي أيامه الأخيرة.. كان العثمانيون منشغلين بالهجوم على ما تبقى من أراضي المماليك في الشام ومصر، تاركين إرث المسلمين في أوروبا يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومحملين أبي عبدالله "الصغير" كل ما حدث!.. صغير لأنه سقط ولكن أين كنتم؟
"ملقا" بقصبتها التي ما زالت تناهز السماء، وتلتف أسوارها حول المدينة، ذات الأسوار التي ربما تجادلها وتصرخ عليها؛ لأنها لم تمنع سقوط المدينة قبل أكثر من خمسمائة عام، فضلًا عن مسجدها الحزين الذي لم يعد مسجداً على أي حال. الفلامنكو ذاته الرقصة "الإسبانية" الشهيرة.. يردد البعض أنها خرجت من رحم "العرب الخارجين من الأندلس" الذين بكت عليهم الكمنجات و"محمود درويش" في قصيدته الشهيرة. لا ينحنون، ويضربون أقدامهم بالأرض، ورغم تعبيرات وجوههم الحزينة إلا أنهم يحافظون على رفع رؤوسهم عالية.. من قد يكون ابتكر هذه "الرقصة" غير الهاربين من أهوال محاكم التفتيش ملعونة الذكر والأثر قبل 500عام، سواءً كانوا عرباً أو غجراً!
"قرطبة ومسجدها – الكاتدرائية" كما يسميها السكان، بأعمدته الباقية بفنها العربي كما هي ولكن تحت "الصلبان" التي أضيفت بعد رحيل العرب، مأذنته الضخمة التي بقت ولكن بدلاً من رفع الأذان ترفع صوت الأجراس، كعربي ستدخل "الملحمة" مضطراً بمجرد دخولك المكان بأصوات الموسيقى التي ترتفع من مكبرات صوت داخل "المسجد"!
عبدالرحمن الداخل صقر قريش وتاريخ توحيد العرب والبربر واليمنيين والحجازيين، ونصب تذكاري صغير في محيط "المسجد – الكاتدرائية" للشاعر ابن زيدون الأندلسي وولَّادة، مع أبيات شعره.. "إن غبت لم ألق إنساناً يؤانسني – وإن حضرت فكل الناس قد حضر".
وزاد محمود درويش في ذكرى مرور خمسمائة عام على سقوطها:
خَفتَّ الأَرْضُ إِذْ وَدَّعَتْ أَرْضها. خَفَّت الْكَلِمَاتْ
والْحِكاياتُ خفَّت على دَرَج اللَّيْلِ. لكنَّ قلْبي ثقيلْ
فاتْرُكيهِ هُنا حوْل بيْتك يعوى وَيَبْكي الزَّمان الْجميلْ
ليْس لي وَطنٌ غَيْرُهُ، في الرَّحيل أُحبُّك أُكْثَرْ
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.