شيء ما في عينيه جذبني لم أكن أعلم أن الحب يتسلل إلينا بهذه السهولة فيجعلنا في متاهة يكسوها الضباب؛ حيث تصبح الرؤية منعدمة، كنت سعيدة بهذا الشعور الغريب الذي لأول مره أشعر به، لم أكن أعلم أنها بداية قصة لن أنساها، ولكن سأتناساها ما حييت.
كنت بالنسبة له صيدا ثمينا، يعلم جيدا أن قلبي بكر، ويريد أن يحصد براءته بيديه، يرى الفتيات مثل الجاتوه، حلوات ويجب تذوقهن جميعا إن أتيحت له الفرصة، لم أكن أعلم أنني صيد ثمين لصائد يرمي شباكه ويرضى بأي شيء يخرج منها، لم أكن أعلم أن ذلك الصياد سيصبح سلطان قلبي في يوم ما.
أحيانا يرسل الله لنا رسائل تحذيرية، ولكن نفشل في فهمها، وتتجلى واضحة، ولكن لا ندركها إلا بعد فوات الأوان، وتلك القاعدة الثالثة للغباء.
قال حيدر حيدر في (وليمة لأعشاب البحر): الحب يبدأ بالولع والدهشة ثم سرعان ما يتبدد بالملل والعادة والرتابة، الهمس الحار والحكايا الجميلة وأصداء الشعر تصدأ بتقادم الوقت، فتتبدد الدهشة والأسطورة، ليبدأ البحث عن أساطير أخرى وأصداء جديدة.
وأتفق معه تماماً، لقد استمتعت بتلك البدايات التي تجعل دقات القلب في تسارع معلنة عن حالة من الهيام التي تشرق معها شمس السعادة، ثم رويدا رويدا ينطفئ الشعاع وتغيب الشمس.
معظم الرجال إلا ما رحم ربي لا يفكر في المرأة ككيان له قلب وروح واحتياجات، هم فقط يرونها أما حاضنة حتى يكبر، أو حبيبة حتى يمل أو زوجة كي يصير أبا، وكلها لإرضاء حاجة في نفسه "الأنانية المفرطة" التي لم أكن أعلمها حينها، وكانت تلك إحدى قواعد الغباء.
استمتعت بتجربتي الجديدة، كنت أذهب رحلاتي وأعود في شوق لملاقاة سلطاني، لم أكن بعد فهمت قانون الدنيا، وأن السعادة غير دائمة، وأن أقنعة الوجوه تتبدل بدون إنذار، بعد سنتين من الحب والأمل والحلم ببيت وعائلة ومستقبل، وبعد مناقشات وحوارات ومحايلات مع والدي رحمه الله كي يباركني بموافقته للزواج من سلطاني، أفقت على صفعة قوية من الدنيا، وكأنها تريد إفاقتي قبل أن تزل قدمي للأبد..
اكتشفت خيانة سلطاني، اكتشفت أنه ليس بسلطان ولا أمير، ولكنه من عبيد الدنيا، يلهث خلف كل ما هو مؤنث، مثله مثل الكثير، لا أعلم هل ألومه أم ألوم نفسي على سذاجتي المفرطة!
تيقنت أن من توجته سلطاناً لقلبي ما هو إلا سفاح اقتلع روحي من صدري بكل بشاعة وقبض عليها لتختنق، لازمني شعور بعدم القدرة على الحياة، تمنيت الله أن يموت فهو أهون أن أفقده لله من أن أراه أمامي مستمتعاً بحصد قلوب الأخريات.
بعد مرور فترة من الفراق، كنت على متن رحلة متجهة لجدة، وفي درجة رجال الأعمال جلست سيدة وابنها شاب في مثل سني، ظل يبتسم لي وكأنه يعرفني، الفضول دفعني لسؤاله، أجابني أنه ابن عمة سلطاني، وذكرني بنفسه، وعرفني على والدته مذكرا إياها بي، نظرت لي وقالت: (كله قسمة ونصيب وربنا أكيد كتبلك الخير) لم أستوعب الكلمات، تلاحقت ذكرياتي التي كانت مؤلمة بقدر صدق مشاعري، أفقت على كلمة الابن وهو يعلمني بموعد زفاف سلطاني الذي كان…
لم أكن أعلم أن دموعي سبقت كلماتي، احتضنتني عمته وقبلت رأسي، دخلت الحمام مسرعة للاختباء من الدنيا ومن قسوتها، ومن ذكريات أحمد الله أني تغلبت عليها وتناسيتها.
بعد الفراق تظل المشاعر غير مفهومة، تتصارع مشاعر الحب مع الحقد، وتتولد كراهية بقدر الحب الذي كان، وفي النهاية عندما تموت كل المشاعر، تصبح كلها ذكرى بحلوها ومرها، قصة نحكيها لأبنائنا ونسطرها في رواية معلنين أننا تخطيناها ولم تعد لها قيمة.
أذكر نفسي أنني مشتركة في الجريمة بقدر صدق مشاعري، وأن الحب الأعمى هو غباء قاتل، وتلك كانت أهم قاعدة من قواعد الغباء الأربعين..
يتبع
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.