23 مايو/أيار – من كولومبو إلى أوناواتونا
لم تساعدني الشاورما التي تناولتها بالأمس؛ فاستيقظت في الساعة السابعة والنصف صباحاً بعد ليلة مؤرقة. لكني بطريقةٍ ما كنت أشعر بالانتعاش، ربَّما بسبب حماسي لاستكشاف المدينة. كان الوقت قد حان لتعويض كسل الليلة الماضية والانتقام من نفسي، لكن قبل كل شيء: لنتناول الإفطار، سأستمد طاقتي اليوم من التوست البني، والبطاطس، والسجق.
كان يجب أن أتخلَّص من أوَّل إحراج يمكن أن أواجهه في يومي؛ لذا سألت موظف الاستقبال في الفندق، فندق زمزم بمدينة كولومبو، إذا كان الطعام حلالاً. مرةً أخرى أقول إن اسمه "زمزم". ردَّ عليَّ الموظف بارتباك قائلاً إن الطعام كان حلالاً بكل تأكيد؛ لأنَّ مالك الفندق نفسه مسلم، وبعد أن اطمأننت لهذا الأمر، ملأت بطني بالكثير من الطعام، دون أن أعلم أنَّ هذا الإفطار سيكون آخر إفطار مميز في هذه الرحلة.
تساءلت قبل الرحيل عن مكانٍ يمكنني أن أجد "توك توك" فيه في وسط هذه المتاهة، وبمجرد خروجي من الفندق، وجدت واحداً بدا وكأنه ينتظرني، كان أول شيء على قائمتنا في كولومبو "حديقة فيراما ديفي"، كنت متشوقاً لأعرف لماذا قد تكون حديقة في قائمة الزيارات في مدينة تغطيها المساحات الخضراء؛ لكني عرفت السبب حين وصلت إلى هناك.
كانت الحديقة، بكل بساطة، جميلة ومُعتنى بها، في كل رقعة من الحشائش كان هناك رجل يعتني بها ويتأكد من أنها في أفضل حال، في كل مكانٍ حولنا كانت تقف أشجار تبدو وكأنها ظلت في مكانها منذ قرون، ومع أن الحديقة لم نكُن تحمل أي بعدٍ ديني على الإطلاق، إلا أن التماثيل كانت في كل مكان، الناس في سريلانكا يولون أهمية كبرى للدين؛ فالمعابد كانت في كل طريق بقدر انتشار المساجد في دبي.
وبينما كنت أمشي في الحديقة، كانت الغربان تتبعنا من بعدٍ، يجذبها لمعان كاميراتنا، وربما كانوا يتحينون اللحظة المناسبة لسرقتها من أيدينا. عند قاعدة كل شجرةٍ كان هناك مقعد يجلس عليه الأحبة الذي يتجوَّلون في الحديقة في الصباح، كانت الحديقة زاخرة بأنواع مختلفة من الحيوانات: الغربان، والأحصنة، والبط. ولم يمضِ وقت طويل حتى وجدنا أنفسنا في آخر الحديقة على الطريق الرئيسي منتظرين "توك توك" ليأخذنا إلى "غال فيس".
كان "غال فيس" "كورنيش" رائعاً، مثل التي كنت أذهب إليها مع أسرتي في مصر ودبي، وبما أنه كان "كورنيش"، فقد كان من المعتاد أن تجد الأحبة عليه يتهامسون ويستنشقون الهواء المالح. كانت اللافتات تحذرنا من خطر السباحة هناك، ومن الكائنات السامة التي تسكن الماء أيضاً. سِرنا في ممر بجانب الماء، وعلى الجانب الآخر أكشاك تبيع المنتجات ذاتها: الفشار، ورقائق البطاطس، والمياه، تساءلت حينها كيف ينافسون بعضهم البعض بمنتجات متماثلة كهذه؟
كان هناك مرسىً في منتصف الممر، مكانه مختارٌ بعناية كي يستطيع الزوار مشاهدة زرقة البحر ومراقبة أمواجه الحالمة وهي ترتطم بالصخور واحدة بعد أخرى، وبعد زيارة "غال فيس"، ذهبنا لنركب "توك توك" آخر. كانت الخطة هذه المرة هي أن نجد واحداً يعمل بعدَّاد؛ لأن حساب الأجر العادل دون عدَّاد أمر مستحيل تقريباً.
وبعد أن أشرنا إلى "توك توك" على الطريق اكتشفنا إن السائق لم يكن يعرف أي شيء عن الوجهة التي كنا نريدها.
وفجأة وجدنا سائقاً آخر أمامنا يسألنا إذا كنا نريد مساعدة.
"سوق بيتا العائم؟".
"أجل، أجل.. اركبوا".
"لديك عداد؟"
"أجل، أجل.. اركبوا".
قررت أن أختبر معرفته بـ"كولومبو" وسألته عن الأماكن الأخرى التي نخطط لزيارتها، وكان يعرفها جميعاً، بل أضاف اقتراحات لأماكن أخرى يعرفها، مشيراً إلى الأماكن السياحية والمباني الشهيرة في طريقنا إلى السوق، لم يكن يكذب حين قال إنه يعرف كل شبر في سريلانكا.
حين وصلنا بدت السوق مهجورةً، لكن الظهيرة كانت قد اقتربت والحرارة جنونية؛ لذا لم يدهشني فراغ السوق، لكن، وبحسب ما قاله لنا السائق، كانت هذه المنطقة مزدهرةً سابقاً، لكن المحال كانت تغلق أبوابها واحداً بعد الآخر بسبب غلاء أسعار الإيجارات، كانت هناك بحيرة رائعة ومراكب جميلة يمكنك قيادتها في الجوار، لم يكن من الصعب علينا أن نعرف لماذا كان هذا المكان مزدهراً في وقت ما.
سِرنا من أول السوق إلى آخرها مارين بمحالٍ لم يدخلها أحد بعد، وعرفنا من أصحاب المحال هنا أنَّهم يؤمنون بأنَّ أول مشترٍ يدخل إلى متجرك في الصباح هو من يحدد حظك في بقية اليوم: إذا اشترى شيئاً سيكون يوم بيع جيد، أمَّا إذا لم يشترِ فسيكون يوماً سيئاً. إنهم يؤمنون بذلك لدرجة أنهم قد يخفضون الأسعار إلى النصف إذا كنت أول من يدخل إلى محالهم وبدوت غير مهتم بشراء أي شيء.
كاد العطش يقتلني؛ لذا سألت عن مكانٍ يمكنني أن أشتري الماء بجوز الهند منه، أكَّد لي مرة أخرى أنه يعرف كل شبر في "كولومبو"؛ فبدأنا رحلة البحث عن مكان يقدم ماءً طازجاً بجوز الهند، وبعد ساعات قليلة كنت ممتناً لأننا مررنا بمساجد ومعابد بوذية وهندوسية، وبفندق في "كولومبو" إلى فيلا في "أوناواتونا" في سعينا إلى الماء بجوز الهند.
* فندق "زمزم" سمي تيمناً ببئر زمزم في المملكة العربية السعودية، التي يؤمن ملايين من المسلمين في العالم بقدسية مائها.
"يُتبع"
يمكن متابعة رحلة مروان حراز في سيريلانكا من خلال مدونته بالضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.