21 و22 مايو/أيار – من لندن إلى كولومبو
بدأت رحلتي حين سحبت نفسي بصعوبة من أمام التلفاز الذي كان يعرض مباراة فريق مانشستر يونايتد أمام كريستال بالاس، في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، كانت المباراة قد وصلت إلى الدقيقة 60 تقريباً، ولا تزال النتيجة "تعادل سلبي"، ولم تكن ثمَّة إشارة لمن سيربح، لكن للأسف نادتني سريلانكا ولم تكن الطائرة لتنتظرني؛ لذا ودَّعت كل شيء بقليل من العصبية ولبَّيت النداء، كانت هذه هي أول رحلة لي وحدي ودون إشراف من الأسرة (يبدو أنني أصبحت من الكبار الآن) وكان وقتها مناسباً تماماً.
بصرف النظر عن المباراة، جاءت الرحلة بعد أيام من إنهاء اختبارات السنة الأخيرة في الجامعة بعد عام مرهق؛ لذا كانت رحلة بعيداً عن المنزل أفضل ما يمكن أن يحدث.
تصبح لندن أحياناً كئيبة إذا لم تتركها لبعض الوقت حتى لا تنقل إليك كآبتها، وفي طريقي عبر المترو إلى مطار هيثرو كنت أتابع حساب فريق مانشستر يونايتد على تويتر أملاً في أن أشاهد خبراً جيداً، وللمفارقة، كانت المباراة تجري في استاد ويمبلي الذي يقع على مسافة قصيرة من منزلي.
من الحديقة الخلفية يمكنك رؤية القوس الشهير الذي يميز الاستاد، لكنني كنت متجهاً إلى الجانب الآخر لألحق بطائرتي.
فعلت الأمور المعتادة حين وصلت إلى المطار: وضعت حقيبتي في المكان المخصص للمغادرين، ومررت بالأمن لأذهب إلى البوابة المخصصة لرحلتي، اخترت الخطوط الجوية القطرية؛ ما يعني أن الطائرة ستهبط ترانزيت في مطار الدوحة قبل الوصول إلى كولومبو عاصمة سريلانكا.
وقبل أن أصعد إلى الطائرة جاءني خبر فوز مانشستر يونايتد بالكأس عبر صفحة تويتر التي كانت تضج بصور الاحتفالات، بينما تتصاعد حماستي كلما اقتربت من الرحيل إلى سريلانكا، لكنني لم أستطِع منع نفسي من الشعور ببعض الضيق؛ لأني لم أستطِع حضور المباراة واحتفالات "يونايتد" بنفسي.
أترى؟ بالنسبة لمشجعي الرياضة يكون أبسط تعويض عن عدم حضورك المباراة من الاستاد هو مشاهدة فريقك على التلفاز، ويكون لديك شعور مختلط بالفرحة والحزن حين يربح فريقك دون أن تكون موجوداً لتشجعه: الفرحة بسبب المكسب بالتأكيد، والحزن بسبب اعتقاد غريب بأنَّك إذا لم تشاهد المباراة بنفسك فإنك لم تربح المباراة مع فريقك.
من الطريف أنَّك، بمشاهدة المباريات، تشعر وكأنَّك ساهمت في فوز فريقك، وإذا لم تشاهدها فإنك تشعر بغصة تصاحب فرحة الفوز.
على أيَّة حال، حان الوقت لأترك كل ذلك ورائي وأركز في أن أستمتع بكل لحظة في رحلتي، غادرت لندن في يوم 21 مايو/أيار وكان من المخطط أن أعود في الثاني من يونيو/حزيران؛ فلم يكن هناك وقت لأضيعه، قضيت ست ساعات من لندن إلى الدوحة ثم أربع ساعات من الدوحة إلى كولومبو، استطعت أن أغفو مرةً فلم أشعر بطول الرحلة كما لو كنت قد بقيت مستيقظاً، كان هبوط الطائرة مزعجاً بالنسبة إليَّ كما هو دوماً، لكن حين نظرت من زجاج النافذة إلى المساحات الخضراء من حولي انقلب التوتر حماساً خالصاً.
إن هذا يحدث حقاً.. أنا في سريلانكا بالفعل.
شراء تذكرة طيران عبر الضغط على بضعة أزرار لا ينقل لك الإحساس ذاته الذي يغمرك حين تخوض المغامرة بنفسك؛ حينها فقط أيقنت أن كل هذا يحدث بالفعل، مرةً أخرى قمت بإجراءات المطار الرتيبة: المرور بالأمن، وختم جواز السفر، واستلام الحقائب، لكن في هذه المرة كان هناك شيء آخر لأفعله؛ فقد حذروني قبل المجيء من أن مكاتب تحويل العملات ليست متوافرة بكثرة؛ لذا حوَّلت العملات التي معي واشتريت خط هاتف وأنا في المطار.
وبعد أن فعلت ذلك واتصلت بوالديَّ بعدها، حان الوقت لأكتشف كيف يمكنني الذهاب إلى الفندق من المطار، كما تتصوَّر، كان هناك كشك وراء كشك لشركات السياحة التي تعرض عليَّ خدماتها، وبما أني لم أكن أعلم ما هو السعر المناسب للذهاب من المطار إلى الفندق، فقد ساومت السائق قليلاً ولم تكد تمر دقائق حتى كنت في السيارة متجهاً إلى فندق زمزم كولومبو. مرَّت ساعة ونحن نحاول أن نصل إلى المكان من شارعٍ إلى آخر؛ فقد كان موقعه صعباً قليلاً؛ لأنه شبه مختبئ، لكنه كان جميلاً وقريباً من البحر، ماذا كنت لأتمنى أكثر من ذلك؟
وطوال الطريق كنت أرى الأضواء والأعلام معلَّقة في الشوارع احتفالاً بمهرجان لم أكن أعلم أنه يقام في وقت زيارتي، كانت الشوارع تشبه تلك التي اعتدت عليها في مصر، حيث القانون الوحيد هو أنَّه ليس هناك قانون.
كانت الحافلات، والسيارات، و"التوك توك"، كلها تتسابق من أجل مكان في شارع مكوَّن من حارتين عادةً ما تجد بقرة تسير في إحداهما، كانت الكلاب الضالة أيضاً مشهداً مألوفاً في رحلتي؛ فكنت أتسلى بمشاهدتها يطاردون بعضها بعضاً لأتغلب على ملل الرحلة التي تمتد ساعة.
كان الفندق نفسه أنيقاً، ليس فاخراً جداً لكنه كان نظيفاً، وبه مكان للاستحمام ومكيف هواء؛ فلم يكن ثمَّة سبب للشكوى، استغرقت الرحلة أكثر مما توقعت؛ ولم أشعر بقدر تعبي إلا حين جلست على السرير، كانت تواجهني صفحة كاملة من الأنشطة التي يمكن القيام بها في كولومبو، لكني كنت قد خططت لفعل ما ليس متوقعاً على الإطلاق: النوم، والطعام، ثم مشاهدة فيلم، تاركاً عناء القيام بكل الأنشطة المذكورة في القائمة في نصف يوم فقط إلى الغد.
والآن مع فقرة تحديد ماذا سآكل، اقترح موظف الاستقبال بعض الأماكن التي تقدم طعاماً حلالاً، كان أحدها يقدم خدمة توصيل الطعام إلى الفندق فسمعنا رجل التوصيل ونحن نتحدَّث فعرض عليَّ توصيلي في طريقه إلى المطعم، لكننا كنا نريد أن نتجوَّل قليلاً لقضاء بقية اليوم، ورغم أنَّه وصف لنا الطريق فإن الشوارع كانت تبدو وكأنها متاهة، انحراف واحد خاطئ وستجد نفسك في فندق آخر تماماً.
ولكن على الطريق الرئيسي كانت الوصفة سهلة: استمر في السير على خط مستقيم. كان الهدف هو أن أصل إلى متجر يبيع بعض المسليات، والمياه، وطارد حشرات إن أمكن. لكن الأمر انتهى بنا في محطة وقود فاشترينا المياه والعصير دون أن نعلم أن المتجر الذي وصفوه لنا كان خلف المحطة مباشرةً، وفي طريق العودة توقفنا عند مطعم يبيع الشاورما فأخذتها إلى الفندق متعباً، وانتهت الليلة بموسيقى هادئة ونوم عميق؛ لأستعد ليوم حافل في الغد.
"يُتبع"
يمكن متابعة رحلة مروان حراز في سيريلانكا من خلال مدونته بالضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.