تعتبر الجالية الجزائرية في الخارج قوة بشرية هائلة وطاقة علمية عالية تقدر حسب آخر الإحصائيات بستة ملايين(01) مُقسمة على عدة بلدان في أوروبا وأمريكا والخليج العربي بالدرجة الأولى وموزعة على ما يتبقى من بلدان العالم بنسبة أقل، ويعتبر هذا العدد مرتفع جدا مقارنة بعدد السكان الإجمالي داخل الجزائر مما يجعلها تحتل المرتبة 11 عالميا، فأين ترتكز هذه الكتلة البشرية؟ وما هي أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها على المدى البعيد؟ !
فرنسا الوجهة الأولى للجزائريين
تعتبر فرنسا الوجهة الأولى للجزائريين الذين قدرهم المعهد الفرنسي للإحصائيات (INSEE) عام 2012 بحوالي خمسمئة ألف نسمة (469.595)(02) وعدد المواطنين من أصول جزائرية (من أب أو أم جزائرية) يُقدر بأكثر من مليون وسبعمئة ألف نسمة (1.713.000) (03) وفي إحصائية لميشال تريبالاط لثلاثة أجيال (جد وأب وابن) تقدر عدد الجزائريين بحوالي مليون وتسمئة نسمة (1.9 مليون) (04) وعدد الطلبة الجزائريين لوحدهم يُقدر بثلاثة وعشرين ألف (23.000) جامعي وذلك لعدة اعتبارات.
أولها البعد التاريخي للتواجد الفرنسي بالجزائر من 1830 إلى 1962 م وطول قرن وإثنان وثلاثون سنة اعتبرت الجزائر ولاية فرنسية حتى أن الكثير من الجزائريين تجنسوا بالجنسية الفرنسية أثناء فترة الإستعمار كما يتكلم اللغة الفرنسية اليوم 26% من الجزائريين وأكثر من ذلك لا تزال الثقافة الفرنسية متجسدة في العائلات الجزائرية.
ثانيا: "البعد السياسي والإقتصادي"
فرنسا تمثل الشريك الثاني للجزائر سياسيا وإقتصاديا ووصلت نسبة المبادلات التجارية بين البلدين عام 2014 11.4% (12.08% في 2012)(05) وذلك بعد الصين (%12.4) وقبل إيطاليا (%10.3) وقد زار الجزائر 14 وفد فرنسي سنة 2015 و15 وفد سنة 2014 وكثير من الملفات الخارجية المتعلقة خاصة بالساحل الإفريقي تعتبر الجزائر ناطقا رسميا لفرنسا وتتبنى نفس مواقف باريس.
وقد لاحظناه أثناء حرب النيجر التي ساندت فيها الجزائر القرار الفرنسي الذي يقضي بالتدخل العسكري، فتحت الجزائر لفرنسا المجال الجوي لكونه أقصر مسافة للوصول للنيجر من فرنسا.
ومن جهتها أيضا فإن باريس أكبر عاصمة مساندة للنظام الجزائري وتحافظ عليه بلا هوادة فبمجرد تعليق فرنسوا هولاند على مكالمة هاتفية مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بقوله أنه يبدو مريض جدا وما أثير حولها من هالة إعلامية كادت تنقلب الموازين ظن الجميع أن المستعمر التاريخي تخلى عن النظام الحاكم للبلاد منذ 1999!
ثالثا: "الإعلام الفرنسي"
الذي يعتبر الثاني بعد المحلي في درجة المُشاهدة وتأثيره على كل المستويات أمر مسلم به خاصة في طبقة الشباب.
وماذا عن أمريكا الشمالية .؟!
للتأكد من أن التواجد الجزائري بفرنسا هجرة غير طبيعية لها أسباب وخلفيات خاصة يكفي الإطلاع على تواجدهم بشمال أمريكا إذ تقدرهم الجمعية الدولية للشتات الجزائرية (AIDA) (06) بمئة وأربعون ألف فقط جزائري، وتحتل كندا المرتبة الأولى ب مئة وعشرة آلاف جزائري على ترابها لتكون أكبر جالية إفريقية بكندا، ثم المكسيك بها ألفي جزائري.
لماذا الهجرة للخارج؟
إن حركة الأفراد ما بين الولايات والدول أمر طبيعي نظرا للتطور التكنولوجي الذي عرفه العالم في مجال النقل البري، البحري والجوي والأسلوب المعيشي الذي بدأ يتخلى عن الروابط الأسرية شيئا فشيئا، إضافة إلى انفجار ثورة المعلوماتية التي تنقل لنا أخبار العالم لحظة بلحظة كأنه مجرد قرية صغيرة، أيضا الاتصالات والإنترنت التي تسمح اليوم لأستاذ متواجد بكندا أن يلقي محاضرة على المباشر لألف طالب جامعي بجوهانسبورج وبإمكان رب عائلة بواشنطن التواصل مع عائلته في قرية نائية بجبال الشريعة بشكل يومي وفي أي وقت.
والجزائر حسب إحصائيات قام بها المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية (INED) (07) الفرنسي تحتل المرتبة 15 (2.1 مليون) من حيث عدد المهاجرين منها والمرتبة 11 (6.8%) من حيث نسبة المهاجرين مقارنة بعدد سكانها، وقبلها نجد بلدان متقدمة كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبلدان من العالم الثالث وأخرى نامية مثل المغرب والبرتغال.
وهناك ملاحظة مهمة تخص الجزائر بالذات أن عدد المهاجرين تزايد بشكل رهيب بعد 1999 أي بداية استرجاع الأمن والإستقرار بينما نجد السبب الرئيسي للهجرة في بلدان عديدة هي انعدام الأمن والإستقرار بسبب الحروب الداخلية الإثنية أو السياسية كما كان الحال بالجزائر من 1991 إلى 1999 !
يتبع …
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.