قد لا تكون هناك أزمة حقيقية تتسبب في شعورنا بالمعاناة والألم، أو حتى تجربة حياتية مؤلمة أو مَرض ما أو فقدان للوظيفة أو شخص عزيز. قد لا يكون هنالك أيٌّ مما سبق، ومع ذلك يهيمن شعور مستمر بالضيق والمعاناة.
باحثون وأخصائيون نفسيون رصدوا من خلال جمع التجارب الحياتية، بعض أسباب المعاناة التي تجعلنا نعاني دون أزمة حقيقية.
نتطرق في هذا التقرير إلى خلاصة أبحاثهم، لعلك تجد نفسك في سبب من الأسباب الموجودة في السطور التالية.
معاناة بسبب الماضي أو فقدان الأمل؟
يقول مارسيلو مانوتشي، الطبيب النفسي والمتخصص بالدراما النفسية والعلاج المنهجي: "في السنوات العشر الأخيرة، كرست نفسي لتحديد وتحليل أنماط التدمير الذاتي داخل النظم البشرية من مجموعات صغيرة إلى منظمات كبيرة".
السؤال الذي كان يحرك مانوتشي هو: لماذا يمرض الناس؟
وما وجده، كنموذج، هو أن الناس يقعون في فخ الألم والمعاناة، لأنهم يفقدون الأمل ووجهات النظر المستقبلية الإيجابية، والشعور بالإلهام الذي يعطيهم معنى لحياتهم.
يرى مانوتشي أننا لا نعاني بسبب الماضي، ولا نعاني بسبب التجارب الأليمة السابقة، نحن نعاني الجمود، بسبب استحالة وجود شيء ما جديد في حياتنا.
يعتبر أننا لا نعاني ما حدث بمقدار ما نعاني لأنه لا يمكننا إعادة إنشاء شيء جديد في الوقت الحاضر.
أسباب المعاناة دون وجود مشكلات حقيقية
بدورها ترى أليسيا م. رودريغيز، الكاتبة وأخصائية التنمية البشرية، أن هناك أسباباً محددة تقودنا إلى المعاناة دون وجود أزمة أو مشكلة حقيقية.
توصلت أليسيا من خلال استماعها للتجارب الحياتية المختلفة لدى الناس، أن المعاناة جزء من الحالة الإنسانية.
ورغم كونها مشاعر سلبية، فإنها وجدت أيضاً أن المعاناة قد تكون هي المدخل لتطوُّرك الشخصي والنمو والتوسع، إذا اخترت تغيير أفكارك وتصوراتك.
المعاناة دون أزمة حقيقية، تصعّب تحديد السبب الذي يدفعنا إلى اختبار هذه المشاعر، لكن من خلال التعرف على الأسباب المحتملة التي رصدتها أليسيا، يمكننا إيقاف معاناتنا.
ومن الأسباب الشائعة للمعاناة:
1- مقاومة التغيير والتطور
يبدو أن استمرار الأوضاع كما هي أمر مريح لكثير من الناس. البعض يريد أن يبقى كل شيء كما هو، لا يقبل أن كل شيء مؤقت، وأن الحياة تتحرك في دورات وتولد حياة جديدة، ولا شيء يوقف هذه الحركة العالمية.
قبولك أن كل شيء موجود مؤقتاً هو ما سيسمح لك بتحرير ارتباطك بالأشياء والأشخاص وحتى بتعريفك لنفسك، وهذه هي الطريقة التي تجعلك تستمر في التعلم والتطور.
2- انفصالك عما حولك
شعورك بالعزلة والانفصال عن مفردات الحياة من حولك يزيد من شعور المعاناة، وفي النهاية هذا غير حقيقي.
أنت وكُلُّ ما بالحياة حولك في النهاية مرتبطان، كل ما حولك يتكون من العناصر نفسها مثل الأرض والنجوم وجميع الكائنات الحية.
إذا كنت استوعبت مفهوم التغير وعدم الثبات، فيمكنك أن ترى كيفية انطباق هذا الأمر هنا أيضاً.
الحياة بأكملها متصلة ومتغيرة، لأن الذرات التي تتكون منها تتحرك دائماً وتعيد ترتيبها، وصولاً إلى التحلل/ الموت.
3- التشبث بهويتك
عندما تختار هوية، أيّاً كانت هذه الهوية تقول: "أنا…". بهذا التحديد تُنشئ قيوداً وتوقعات من هويتك فوراً؛ إنها عملية عقلية وليست بالضرورة حقيقة واقعة، فأنت أكثر من عنوان أو كلمة.
يمكنك أن تطلق على نفسك أسماءً سلبية تُقلِّلك مثل (ضعيف، كسول، غير كافٍ.. إلخ) أو قد تجد أن قيمتك الذاتية في الهوية التي تختارها (الرئيس التنفيذي، الإخصائي، الطبيبة.. إلخ).
فيصبح أي شيء يتحدى إحساسك بقيمة هويتك هذه تهديداً أو إهانة شخصية لك، أنت تعاني لأنَّ شخصاً ما قد يوحي بأنك لست ما كنت تعتقده عن نفسك.
4- الرغبة في أن تكون الحقيقة مختلفة عن الواقع
إذا كنت تطالب بأن يكون واقعك مختلفاً عما تعيشه، فأنت في هذه الحالة تقاوم ما أمامك، وهذا يدفعك إلى المعاناة.
عليك أن تتقبل ما لا يمكنك تغييره، لأن رغبتك في أن تكون مختلفاً عن واقعك تكون مفيدة فقط إذا كنت تعتبرها طموحاً.
أما إذا كان كل ما هنالك هو التذمر والسخط، فلن تجد إلا المعاناة.
5- الاستماع إلى الآراء الخارجية بدلاً من صوتك الداخلي
عندما تبني شعورك بالذات على ما يقوله الآخرون عنك، فلن تدرك أبداً إمكاناتك الحقيقية، ستستمد حقيقتك ومن يجب أن تكون وكيف ينبغي أن تعيش، فقط من آرائهم.
عندما توائم حياتك مع صوتك الداخلي، ورغباتك في الحياة وما عليك أن تفعله وما عليك أن تتجنبه، يمكنك أن تكون سعيداً.
6- حياة متناقضة
الحياة المتناقضة حياة تخفي فيها كلماتنا وأفعالنا أو حتى تتناقض مع الحقائق والمعتقدات التي نقتنع بها داخلنا.
أحياناً تضطرنا ثقافتنا إلى القيام بذلك، فإذا كانت الطريقة التي تقود بها حياتك لا تتوافق مع ما يهمك حقاً ومع ما تؤمن به، فستعاني.
7- عدم قضاء بعض الوقت مع نفسك
إذا كنت لا تقضي وقتاً في التفكير، وفي المحادثات العميقة مع نفسك، فلن تجد أبداً هدفك الحقيقي أو تُقِرّ بتفرُّدك وحالتك الخاصة جداً في الحياة.
عدم تواصلك مع نفسك سيجعلك تقضي معظم حياتك في مقارنة نفسك بالآخرين، وانتقاد نفسك دائماً لكونك غير كافٍ.
8- اختيار الخوف على الحب
لديك خياران حول الكيفية التي تقود بها حياتك، يمكنك اختيار الخوف أو الحب.
الخوف الزائد على الحدّ غالباً ما يؤدي إلى نتائج سلبية، فيُنتج الأفكار التي تقتل فينا الحياة.
لا توجد وسيلة لتحقيق الإنجاز والاستغلال الأمثل للإمكانات عندما تعيش من منطلق الخوف الزائد، لأنك ستكون مختبئاً باستمرار.
فقط عندما تختار العيش من منطلق الحب، يمكنك توليد التفاؤل والشجاعة والرحمة.
9- وهْم البحث عن الأمان
الحياة ديناميكية ومتغيرة باستمرار ولا يمكن التنبؤ بها، يجب أن تتعلم التعايش والتعامل الجيد مع كل ما يستجدذُ في حياتك.
ستعاني عندما تبحث عن وهْم "الأمان"، لأن ما تبحث عنه لا يمكن العثور عليه إلا في داخلك.
10- لعب دور الضحية
قد يحب الكثيرون لعب دور الضحية لأنه الدور الأسهل، لكن هذا ليس مفيداً بأي حال.
ففي كل مرة تلعب فيها دور الضحية أو تلقي باللوم على شخص ما أو أي شيء آخر، فإنك تتخلى عن قوتك لتعيش حياة أفضل، بها قدر أكبر من الوئام والسلام.
11- تُفضِّل الراحة على النمو
لا يحب البشر الشعور بعدم الارتياح؛ وعندما تختار الراحة أكثر من الارتقاء والنمو تصبح سجيناً لراحتك.
الحرية تأتي من أن تكون شجاعاً بما يكفي للعيش والتطور بشكل كامل، ولا تُفضل منطقة راحتك على بذل الجهد المادي والنفسي في سبيل التطور والنمو.
12- الاختيارات الخاطئة
عندما تختار أشياء تضعف صحتك ورفاهيتك ونموك النفسي، فإنك تنكر الأشياء التي تحتاجها لتكون سعيداً وصحيحاً.
أنت تعرف ما تحتاجه عند الاستماع إلى صوتك الداخلي والحدس الذي يخبرك بكيفية الاختيار، لكنك بشكل متكررٍ ترفض هذا الصوت وتختار بدلاً من ذلك متعة أو راحة مؤقتة.
استمِع إلى صوتك الداخلي وقم بتحويل فعل الاعتناء بنفسك إلى شيء مهم عليك القيام به، عندها فقط تستطيع تبنِّي الاختيارات الصحيحة، وستنجح في محاولة رعاية الآخرين.