قبل وقتٍ ليس بطويل، كان آدم غرانت، الطبيب النفسي، يتناول العشاء مع صديق له. أمتع هذا الصديق الحضور بحكايات عن مغامراته في القطب الشمالي، واستولى على اهتمامهم بتعليقاته حول كيف يمكن لصراع لانستر وستارك في مسلسل Game of Thrones أن يشرح الشؤون العالمية في عالمنا الحقيقي.
لكن غرانت -حسب ما ذكر في صحيفة New York Times الأمريكية- غادر يومها يصاحبه شعور بأن هناك شيئاً كان مزعجاً في هذه الجلسة. هنا، أشار أحد المرافقين إلى المشكلة قائلاً إن ذلك الصديق لم يسأل أحداً سؤالاً واحداً في أكثر من ساعتين.
وبعد ذلك ببضع أسابيع، في عشاء له مع صديقة أخرى، شعر غرانت وكأن الموقف يتكرر: فإنها لم تسأل سؤالاً واحداً لمدة ثلاث ساعات، رغم حديثها الطويل.
استغلال نقطة القوة بشكل مبالغ
ربما كان غرانت يتوقع هذا من شخصين نرجسيين مهووسين بأنفسهما، لكن صديقه الأول كان يخرج عن حديثه الأساسي للتحدث عن الآخرين، وإعطاء تقدير لمن يراه مناسباً. بينما الصديقة الثانية كانت تتخطى ذلك بكثير وتجعل نفسها رقيبة وتأخذ بالغرباء تحت وطأتها.
ما يشترك فيه هذان الصديقان هو أنهما متحدثان بارعان. ولكن، في مثل تلك العشاءات الصغيرة، تجعلهم هذه الميزة يبدوان غير مهتمين تجاه الآخرين.
لم يكن هذا بسبب ضعف مهاراتهما الاجتماعية، ولكن لأنهما أساءا استغلال نقطة قوتهما الكبرى.
نقطة القوة ترتبط بالوقت المناسب لاستغلالها
في العقدين الأخيرين، اكتسبت ثقافة استغلال نقاط القوة زخماً كبيراً في عالم الأعمال.
ومن المفارقات أن كثيرين يركزون فقط على إصلاح نقاط ضعفهم، ولا يحظون بالفرصة لممارسة ما يمتازون فيه كل يوم.
ولكن، المشكلة هي أن كثيراً من الناس لا يتفكرون في الوقت المناسب لفعل ما يمتازون في فعله.
قال أرسطو إن الفضيلة تكمن بين النقص والزيادة. وهناك دلائل متزايدة على أن النجاح لا يتأتى باستغلال نقاط القوة دائماً، ولكن باستغلالها في المواقف المناسبة.
سلوكيات قيادية بشكل مفرط
في دراسة مهمة، قيَّم المديرون من قبل أكثر من 1500 من زملائهم من حيث أربع مهارات قيادة أساسية؛ وهي: تولي المسؤولية، وتمكين الآخرين، وخلق رؤية، والتنفيذ.
سأل الباحثون: هل يقوم المدير بهذا أقل من اللازم، أو بالقدر المناسب، أو أكثر من اللازم؟
كان أكثر من نصف المديرين يقومون بواحدة على الأقل من تلك السلوكيات القيادية بشكل مفرط، وتنبأت نقاط قواهم بهذه السلوكية.
فالمديرون الطموحون كانوا حاسمين بشكل مبالغ فيه، ومُمكنين لغيرهم أقل من اللازم.
والمديرون الحساسون عانوا من عكس المشكلة، فكانوا مشجعين للآخرين بشكل مفرط، ولكن غير حاسمين بالشكل الكافي.
وكان المديرون الفضوليون يركزون على الابتكار ولا يهتمون بالنتائج.
في حين كان المديرون الذين تحركهم ضمائرهم على عكسهم، فقد انشغلوا كثيراً بالتفاصيل، ولم ينتبهوا للصورة الكاملة.
نقاط القوة مثل العضلات
إن نقاط القوة بمثابة عضلات: إن ركزت فقط على العضلات الثلاثية، ستعاني العضلات الثنائية.
وكما شرحت ميلاندا جايتس الأمر مؤخراً في مدونة صوتية باسم Worklife، قائلةً: "في كثير من الأحيان تكون أكبر نقاط ضعفنا هي الوجه الآخر لنقاط قوتنا".
فإن كانت إحدى نقاط قوتك هي الصراحة، فتذكر أن هناك خطّاً فاصلاً بين ما يمكن مشاركته مع الآخرين وما لا يمكن مشاركته.
فإن كنت تميل للجرأة للزائدة، فانتبه ألا يؤثر ذلك في الآخرين بشكل سلبي.
وإن كنت راوي قصص موهوباً فإنك تحتاج إلى التساؤل إن كانت حفلات العشاء هي الوقت المناسب لإظهار تلك الموهبة.
تأتي الثقة بالنفس من التعرف على نقاط قوتك. ولكن القوة الحقيقية تعتمد على معرفة متى تستخدمها وكيف.