الملايين يتركون منازلهم، ويفرّون أملاً في الحصول على حياة آمنة، وغذاء أفضل، وفرصة تعليم جيدة.
يفرّون إما بسبب العنف وغياب القانون، أو الصراعات المسلحة، والتغيرات المناخية، ويُسمى الفرار هنا تشريداً قسرياً.
التشريد القسري ليس فقط تحدياً إنسانياً، بل أيضاً تحدياً سياسياً وإنمائياً، فبالإضافة إلى ما يواجه المشردين من صعوبات في الحياة تعود عليهم وأسرهم بآثار وخيمة.
تواجه المجتمعات والبلدان المضيفة للمشردين كذلك أعباء قد تفوق طاقتها لتلبية احتياجات أولئك المشردين قسراً.
ووفقاً لما قاله رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم، فالتشرُّد القسري يحرم ملايين الناس من الفرص الإنمائية.
وفق أحد تقارير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد أُجبر 68.5 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على ترك منازلهم، من بينهم حوالي 25.4 مليون لاجئ.
كما تشهد إفريقيا حوالي 15000 حالة نزوح يومياً، كما شهدت بداية عام 2017 نزوح 2.7 مليون شخص بسبب النزاع والعنف والكوارث، ولكنه نزوح داخلي دون عبور حدود دولية.
التشرد من الماضي إلى الحاضر
يطلق على كلمة التشرد بالإنجليزية "homelessness" ولطالما رُبطت بالنوم القاسي غير المريح. واتَّسع التعريف فيما بعد ليشمل مَن هم بلا سقف، ومَن يعيشون في أماكن مؤقتة وغير آمنة.
كما أُطلق على المتشرد عدة كلمات أخرى بالإنجليزية من بينها "vagrant"، و"vagabond"، ولها أصول لاتينية وتعني التجوال بلا هدف للمحرومين.
كذلك كلمة "tramp"، وتعني الانتقال في المواقع للبحث عن عمل بنشاط، وكان هذا المصطلح يُطلق في القرن التاسع عشر على العمال والحرفيين المهرة، الذين تنقَّلوا في جميع أنحاء البلاد، بدعم من حرفتهم أو نقاباتهم. ومع ذلك، في سبعينات القرن التاسع عشر، ارتبطت الكلمة بالعمال غير المهرة، الذين نزحوا واعتمدوا على المساعدات الحكومية والخيرية.
وخلال العصر الفيكتوري، أثار المتشرّدون التعاطف وعدم الثقة على حد سواء، فكان سعيهم للحصول على النقود مرة واحدة أمراً مقبولاً، ولكن إن كرَّروا السؤال فيُعتبرون بذلك متسولين محترفين.
وخلال العصر الفيكتوري أيضاً، بدأ تعليم وتدريب مَن يُطلق عليهم "tramp" ويحتاجون إلى عمل في مقابل توفير المأوى والعودة إلى معيشة مستقرة. واستمرَّ تدريبهم فيما بعد العصر الفيكتوري أيضاً.
وفي لغتنا العربية المعاصرة، تعني كلمة مشرَّد الطريد بلا مأوى، ومَن ليس له مورد رزق مع قدرته على العمل.
الصراعات المسلحة والحروب سببان للنزوح والتشرد
جاء في تقرير البنك الدولي لعام 2016، أن التشرد القسري أزمة تتركز في البلدان النامية، وخلص التقرير إلى أنه خلال الخمسة والعشرين عاماً السابقة.
يمكن إرجاع أغلبية اللاجئين والمشردين قسراً إلى بعض الصراعات في عدد من الدول، من بينها سوريا، والعراق، والسودان، والصومال.
المشردون قسراً يفرّون من الصراع والعنف، وغالباً ما يفقدون مواردهم وممتلكاتهم، ويعانون من قلة حقوقهم القانونية، وفرص العمل. وإذا تُرك هؤلاء من دون مساندة أو دعم فقد يواجهون التهميش، مما يؤثر بالسلب على المجتمع ويُعيق جهود التنمية.
وقد يَنتج التشريد القسري عن فشل الجهات الفاعلة في الدول في احترام القانون وحقوق الإنسان، وما يترتب عليه من إفلات المجرمين من العقاب.
غالباً ما يواجه المشردون داخلياً تحديات كبيرة بشأن حماية أنفسهم، كما قد يتعرَّض الأطفال للتجنيد القسري من الجماعات المسلحة.
وفقاً للقمة العالمية للعمل الإنساني عام 2016، تحت عنوان "لا أحد خلف الركب: التزام بالتصدي للتشريد القسري"، فقد بلغ العدد التقديري للمشردين -المشردين داخلياً واللاجئين وطالبي اللجوء- 60 مليون شخص.
وغالباً ما يواجه المشردون قسراً مخاطر البطالة، أو العمل بأجور منخفضة، كما لا يتمكنون من الحصول على الاحتياجات الأساسية من مسكن آمن، ورعاية صحية، وتعليم. كذلك يعيش العديد منهم على المساعدات الإنسانية في المخيمات.
واقترح تقرير البنك الدولي لعام 2016 ثلاث مراحل يمكن من خلالها تخفيف تكاليف أزمة التشرد القسري، وتتلخص في:
– مساعدة البلدان التي تستقبل النازحين والمشردين، وتعزيز قدراتها لتقديم الخدمات للمشردين. وكذلك تحسين مناخ الاستثمار، وتقديم الخدمات التعليمية والصحية لمواجهة أعباء الزيادة السكانية الناتجة عن التشرد القسري.
– وكذلك محاولة الحفاظ على طرق كسب العيش بالنسبة لمن يحاولون التكيف مع العيش في بلادهم دون المغادرة.
– مساندة العودة مرة أخرى، وتوفير الفرص والوظائف في المجتمعات التي تستقبل العائدين.
التغير المناخي ..الخطر القادم
يدفع التغير المناخي الذي تشهده الأرض إلى زيادة الكوارث الطبيعية كالفيضانات والأعاصير والتصحر، وربما غرق بعض المناطق في الفترة المقبلة، وهذا سيؤدي حتماً إلى تشريد عدد هائل من الأفراد.
وتعود أسباب الهجرة الداخلية إلى عدم الاستقرار السياسي، وانعدام الأمن، كما تسارعت الهجرة بسبب تغيرات المناخ، فبين عامي 2008 و2015، كان متوسط عدد المشرَّدين بسبب الكوارث ذات الصلة بالطقس حوالي 26 مليون شخص سنوياً.
في تقرير ممثل الأمين العام المعني بحقوق الإنسان للمشردين داخلياً، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورتها 64، ناقَشَ التقرير العلاقة بين تغير المناخ والتشرد داخلياً. جاء في التقرير أن عدد المشردين داخلياً بسبب النزاعات المسلحة أو انتهاكات حقوق الإنسان أو العنف في بداية عام 2009 حوالي 26 مليون شخص.
بالإضافة إلى المشردين بسبب العنف والنزاعات، بلغ عدد المشردين بسبب الكوارث الطبيعية آنذاك حوالي 36 مليون شخص.
ووفقاً لتقرير تابع للبنك الدولي في عام 2018، فإن الآثار الناتجة عن تغير المناخ قد تُجبر 140 مليون شخص على الهجرة داخل حدود بلادهم بحلول عام 2050.
وتتلخص هذه الآثار في ندرة المياه، ونقص المحاصيل، وارتفاع منسوب مياه البحر، وشدة العواصف.
وبحسب ما قالته المديرة العامة لمجموعة البنك الدولي كريستالينا جورجييفا، يعد هذا التقرير جرس إنذار، وفرصةً للبدء في اتخاذ بعض المدن خطوات لتتمكن من استيعاب عدد الوافدين.
وكذلك يجب أن تحدد الدول تأثيرات التغيرات المناخية عليها، وهل سيُمكنها البقاء، أم سيكون لزاماً الانتقال إلى مناطق جديدة أقل عرضة للمخاطر.
مواجهة الكارثة الإنسانية
أوصى تقرير البنك الدولي باتخاذ إجراءات رئيسية محلياً وعالمياً تتمثل في:
– محاولة الحد من التغير المناخي عبر تقليل انبعاثات الغازات الدفينة.
– إحداث تحول في خطط التنمية لتتناسب مع مراحل الهجرة الناتجة عن تغير المناخ (قبل وأثناء وبعد الهجرة).
– الاستثمار في فهم اتجاهات ومسارات الهجرة عن طريق جمع البيانات وتحليلها، لمعرفة الجهات الأكثر تضرراً من التغير المناخي، والجهات الأخرى التي سيقع على عاتقها استقبال المهاجرين داخلياً.