العلاقة المضطربة بين الأستاذ و الطالب – الجزء 1

بعد تشخيص بعض الحالات الشائعة في عملية الاحتكاك التعليمي والسلوكي بين الأستاذ والطالب، يجب أن نسعى إلى التقريب بين العنصرين؛ لتأسيس قاعدة من العمل المشترك في سبيل تحقيق خدمة مجتمعية

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/08 الساعة 08:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/08 الساعة 08:09 بتوقيت غرينتش

الجامعة ذلك الحلم الذي يكبر داخل التلميذ من أول مرحلة في تعليمه، ويستمر بالنضوج ليصل إلى مرحلة متقدمة من عمره، وما يلبث أن يتحقق حتى تأتيه الصفعة القاسية من أستاذه الجديد، فتضع حلمه في مرحلة الشيخوخة قبل ولادته؛ لتجرف مصرع الطالب في المجتمع الدراسي الجديد نحو حافة الانكسارات النفسية، ما يخلق فجوة تعليمية واضحة المعالم تؤثر على الإنتاج المستقبلي للأجيال القادمة.

تتكون الحلقة العلمية من أربعة مكونات رئيسية هي: المادة المنهجية، والقاعة الدراسية، والأستاذ، والطالب، ويربط هذه المكونات آصرة تغذية عكسية وثيقة، وموضوعنا يركز على مكونين مؤثرين ألا وهما الأستاذ والطالب، والاحتكاكات العلمية والسلوكية بينهما في طريق لسرد المشكلات الازدواجية لمعالجتها بطرق حكيمة ضمن سلسلة منظمة من التقريب الفعال.

المادة المنهجية وعقلية الأستاذ:
ابتداءً من المادة المنهجية النابعة من قناعات الأستاذ، فأزمتها لا تنتهي كونها ما زالت قديمة قدم العصر الحجري، ولا تستطيع استيعاب التغييرات الحديثة في العلوم والثقافات، وتفتقر للمرونة اللازمة والانسجام المطلوب مع البيئة التي يُدرس فيها المنهج الدراسي، ما يخلق فجوة واضحة مختلة التوازن، والمسؤول هو الأستاذ الذي لا يتعدى حدود علمه المادة التي اقتبسها من كُتاب آخرين، ولا علاقة له بتأسيس منهج دراسي جديد رصين المعلومات والحقائق والفرضيات، ما يضعف ثقة الطالب بالأستاذ ويثبت عجزه في الجانب العملي والمعرفي، وفي الركن الآخر تتجسد الأزمة في طرق التدريس المتبعة عند الأستاذ فهي بدائية ومتأخرة، وتقتصر فقط على قراءة مفردات المادة وسرد مضمونها كنشرة الأخبار اليومية، ومعاملة الطالب كالآلة التي تكتب وتكتب وتستمر بالكتابة فقط.

الأستاذ والرأي الآخر:
لا مجال للنقاش وطرح رأي يخالف رأي الأستاذ حتى وإن كان صحيحاً، فالغرابة أنه لا يوجد في كوكب عقلية الأستاذ مجال للخطأ، وكأنما كلماته تنزل من السماء، فهو لا يعترف بخطأ معلوماته أبدا ً، وعندما تتم مخالفة رأيه وتكون النتيجة الحقيقية إثبات خطأ رأيه بجدارة الطالب، عندها يكافئ الطالب بالتوبيخ شديد اللهجة مع عقوبة خصم درجات من معدله، بدلاً من تكريمه على تصحيح رأي الأستاذ وإضفاء معلومة ودراسة لمنهجه، بالتالي تطبيق الرأي العكسي تماما ً لقول الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".. والمحصلة بعثرة الثقافة المشتركة، وتسليم مصير الطالب بقبضة الأستاذ الحديدية بلا مبرر.

الطالب وفلسفة الحضور إلى الدروس:
أما مسألة حضور الطالب وارتباطها الوثيق بالدرجات، فالطالب يُرغم على الحضور إلى القاعة الدراسية خشية ً من طرح درجات من معدله، علماً أنه لا يكترث لما يحدث في القاعة؛ لأنه تربى أساساً على الإرغام والشدة لا حب الدراسة، وتوطيد علاقة جيدة مع الأستاذ على عكس الجامعات الأخرى في أميركا وأوروبا، فهي تهتم بمدى فهم الطالب لبنود المادة، والنقطتان الفاصلتان هما الاختبار الذي يقرر مدى فهمه من عدمه، إضافة إلى تقييمه على أساس آرائه في أيام حضوره، فبعض الأساتذة -وللأسف- لا يفهمون الظروف العامة للطلبة، ويحملونهم سبب التقصير وعدم حضور الدروس دونما أن ينصتوا قليلا ً لما في قلوبهم وحالاتهم وأسبابهم.
الاختبار والتجميد الفكري للطالب:
المسألة الأخرى الحساسة التي تتضمن إلزام الطالب بكتابة حروف المنهج المقرر دونما زيادة أو نقصان في مرحلة الاختبار، أي لا يحق له عرض فكرة ورأي آخر من مصدر آخر تتمحور فيه نفس المفاهيم والبنود المقررة في المنهج، بالتالي تجميد عقل الطالب والتحكم المطلق به، وحرمه من سرد الأفكار والمعلومات الجديدة والمختلفة، فضلا ً عن تقييده بكلمات المادة المقررة من الأستاذ وعدم فسح المجال لطرح الفكرة والمفهوم الشخصي للطالب، وهذا ما يؤدي إلى خسارة إبداعات فكرية من شأنها تجديد الأصول التعليمية وتغيير البوصلة العلمية نحو الحداثة والتخطيط للمستقبل على أساس تشاركي فعال.

العلاقة السلوكية بين الأستاذ والطالب:
انتقالا ً من الجوانب العلمية إلى السلوكيات وآلية معالجة سوء تصرف الطالب، فالأستاذ الشرقي هنا وللأسف يقابل خطأ الفعل بردة فعل خاطئة أكثر، فيقوم باستخدام المصطلحات المهينة لكرامة الطالب والتجريح بكيانه، بدلا ً من احتواء التصرف الخاطئ بتقويم الانحراف التصرفي وتصحيحه بطريقة هادئة، وامتصاص سوء أدب الطالب بحلمه، بالتالي معالجة الأمور بحكمة وعقلية تربوية سليمة، علماً أن الأساتذة هم من يتحكمون بنوع العلاقة، فيجب أن يوازنوا بين الشدة والرخاء؛ ليؤسسوا علاقة وسطية، فأساليب القسوة التي ينتهجها بعض الأساتذة في تعاملهم مع طلابهم، لا تزيد الوضع إلا سوءاً، كما تعمل على قطع العلاقات الاتصالية الفعالة بجميع أشكالها.

كل هذه الممارسات يجب أن لا تكون وساما ً أسود يحرق الآخرين، فلا ننفي دور بعض الأستاذة الذين يتعاملون بطرق حضارية مستخدمين مصطلحات هادئة لمعالجة الأخطاء الواردة من الطلاب، ثم يفسحون المجال للانتقادات ويسمعونها فيناقشونها ثم يحاولون تجنبها إن صحت ساعين لعدم الوقوع فيها مرة أخرى، ذهابا ً إلى الجانب الآخر من شخصيتهم الإنسانية، فهم يتقمصون دور المربي القادر على احتواء جميع المستويات الفكرية والسلوكية، ويتعاملون معها جميعها بحكمة، فيدعمون المواهب، وينمونها ويشجعونها، ويعملون جاهدين على رفع المستويات الفكرية والأخلاقية للطلاب الذين تنقصهم بعض النصائح، بالتالي اكتمال الحلقة التعليمية والإنسانية.

بعد تشخيص بعض الحالات الشائعة في عملية الاحتكاك التعليمي والسلوكي بين الأستاذ والطالب، يجب أن نسعى إلى التقريب بين العنصرين؛ لتأسيس قاعدة من العمل المشترك في سبيل تحقيق خدمة مجتمعية، وهذا ما يحتاج إلى تقديم معالجات وحلول حقيقية سنوضحها في الجزء الثاني من المقال… إلى ذلك الحين سنخطط لتحويل الانتقادات البناءة إلى مشروع إصلاحي يهدف إلى التحسين المستمر في المنظومة التعليمية والتربوية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد