مع بدء إلزام الحكومة المصرية المواطنين باستخدام الكمامات في المواصلات العامة والمصالح الحكومية والأسواق الشعبية في إطار جهود مكافحة فيروس كورونا، بدأ المصريون يشتكون من أعبائها وسط المصاعب الاقتصادية التي يعانون منها.
الكمامة التي يشدد الخبراء على أهميتها للحد من انتشار الوباء تجيء في وقت مازال ملايين المصريين يعانون فيه من المصاعب التي جلبها تحرير سعر الصرف في أواخر 2016 وما رافقه من ارتفاع الأسعار وتحرير أسعار الكهرباء والمواد البترولية وغيرها.
إذ راح أحد المواطنين يتساءل: "نأكل ونشرب ولا نشتري كمامات؟" مضيفاً: "بصراحة، أنا بأغسل الكمامة الطبية وألبسها تاني. ميزانيتي ما تستحملش.. محتاج حوالي ألف جنيه في الشهر علشان أشتري كمامات لأسرتي. منين؟".
تتراوح أسعار الكمامات الطبية العادية بين 5 جنيهات (0.32 دولار) للقطعة و10 جنيهات، ولا يشمل هذا الكمامة من نوع N95 التي يصعب العثور عليها ويقترب سعرها من 200 جنيه.
عبء جديد: يقول جمال عبدالخالق، الموظف بجمعية زراعية في محافظة كفر الشيخ شمال مصر، ساخطاً: "كل اللي كان ناقصنا إننا نعمل ميزانية للكمامة اللي بخمسة جنيه ونستخدمها مرة واحدة في اليوم!".
في محافظة أسيوط بصعيد مصر يقول محمد حلمي: "إلزام المواطنين بشراء كمامة يومياً واقع مؤلم مادياً، بالإضافة إلى الإجهاد في البحث عنها لأنها غير متوفرة بشكل كامل".
عصام سعيد، مواطن آخر موظف بمديرية التربية والتعليم بمحافظة بني سويف، يقول: "محتاج أوفر يومياً 30 جنيهاً لأسرتي المكونة من ستة أفراد لشراء ست كمامات.. أي بمعدل 900 جنيه شهرياً، وأنا راتبي كله 2200 جنيه.. طيب إزاي؟".
على بعد 260 كيلومتراً إلى الجنوب من القاهرة، في المنيا قال منير زهير، وهو موظف: "بحسبة بسيطة وجدت أنه كي نتبع التعليمات الصحية الدقيقة مطلوب مني توفير نحو ألف جنيه من دخلي لشراء الكمامات شهرياً، وهو ما يفوق قدرتي بالتأكيد".
أما أحمد رمضان من مدينة الإسكندرية فيشكو من التكلفة، وأيضاً من عدم الثقة بأنواع الكمامات قائلاً: "الأمر أصبح مكلفاً خاصة في ظل تفاوت أسعار الكمامات واختلاف أنواعها.. أصبحت أشك في جدوى جميع أنواع الكمامات.. تخيل أن أسرتك مكونة من خمسة أفراد فكم سيتكلف ارتداء الكمامة شهرياً؟!".
فاطمة نور، بائعة خضراوات بكفر الشيخ، قالت إن مشكلتها محلولة لأنها تضع النقاب لكن زوجها عامل النظافة لا يُصرف له بدل عدوى ولا يستطيع شراء كمامة يومياً بخمسة جنيهات وإن كانت جهة عمله تسلمه واحدة من حين لآخر.
وتتساءل: "إيه الأحسن لنا؟ نشتري الكمامة ولا ناكل ونشرب؟".
وإلى أن تتوافر كمامة قماش يمكن استخدامها أكثر من مرة وبسعر في المتناول، يجد بعض المصريين العزاء في أن ملابسهم قد تعفيهم من استخدام الكمامة بصرف النظر عن المخاطر الصحية.
الكمامات القماشية هي الحل: بخلاف العبء المادي يواجه بعض المصريين صعوبة في الحصول على الكمامة، إذ لم تكن متوفرة في بعض الصيدليات عندما حاول مراسلو رويترز شراء كمامات في القاهرة الكبرى وأسيوط والمنيا.
قد يكمن الحل في الكمامة القماشية، إذ أعلنت الحكومة المصرية في وقت سابق هذا الشهر طرح كمامات مصنوعة من القماش بسعر خمسة جنيهات عبر مصانع الملابس بمواصفات قياسية من وزارة الصحة، بحيث تكون آمنة وصالحة للاستخدام لمدة شهر، لكن إنتاج تلك الكمامات لم يبدأ حتى الآن.
نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، قالت في بيان صحفي إن مصر تستهدف إتاحة نحو 30 مليون كمامة شهرياً لتلبية احتياجات السوق المحلي.
مضيفة: "سيتم خلال الأيام القليلة المقبلة البدء في عملية الإنتاج، حيث سيتم تصنيع 8 ملايين كمامة من القماش كمرحلة أولى".
فيما أوقف جهاز حماية المستهلك منذ أيام قليلة إعلانات عن كمامات قماش لواحدة من أكبر شركات الملابس الداخلية بمصر، قائلاً إن تلك الكمامات غير مطابقة للمواصفات القياسية.
مجدي غازي، رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية بوزارة التجارة، قال: "بعض المصانع كانت تصنّع بالفعل كمامات من الأقمشة قبل جائحة كورونا لكنها غير طبية وتُستخدم في الوقاية من الأتربة".
إلى أن يبدأ طرح الكمامات القماش سيضطر المصريون إلى استخدام الكمامات الطبية بتكلفة قد تصل إلى بضع مئات من الجنيهات للأسرة الواحدة شهرياً.
آية مجدي، المعيدة بكلية التربية بإحدى الجامعات الخاصة وتعيش بمحافظة بني سويف، تقول: "تكلفة الكمامات حالياً تشكل عبئاً على الميزانية الشهرية.. ننتظر إنتاج الكمامات المصنوعة من القماش نظراً لتكلفتها المنخفضة واستدامتها".
كما قال النائب عمرو غلاب، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب: "حاجة المواطنين للكمامات المطابقة للمواصفات تفوق الكمية الموجودة في السوق حالياً، وهو ما يعزز فكرة الاعتماد علي الكمامات المصنوعة من الأقمشة بمواصفات تحقق أعلى حماية من الفيروس".
الكمامة ستجبر الكثيرين على إعادة ترتيب أولويات الشراء التي خرجت منها سلع عديدة في الفترة الأخيرة بسبب الغلاء.
تداعيات كورونا الاقتصادية: كان البنك الدولي قال في تقرير صدر أبريل/نيسان 2019 إن حوالي 60٪ من المصريين إما فقراء أو منكشفون على مخاطر الفقر وإن التفاوتات الاقتصادية في تزايد.
وقد تسببت أزمة كورونا في تداعيات اقتصادية وخيمة في مصر، إذ توقف قطاع السياحة الحيوي للتوظيف وأثر سلباً على تدفقات النقد الأجنبي عموماً، فضلاً عن تقلص معدلات النمو.
في طريقها نحو إعادة فتح الاقتصاد في منتصف يونيو/حزيران، فرضت الحكومة المصرية غرامة 4000 جنيه (252.5 دولار) على من لا يستخدم الكمامة. وشنت وزارة الداخلية بالفعل حملات بأنحاء البلاد لضبط المخالفين ومنعت محطات مترو الأنفاق دخول من لا يضعها.
تشير أحدث البيانات الرسمية المتاحة إلى ارتفاع معدل الفقر بمصر في السنة المالية 2017-2018 إلى 32.5% من 27.8% في 2015، بحساب دخل خط الفقر عند 8827 جنيهاً في السنة للفرد.
كما تعاني الأسواق في مصر من مشاكل في الانضباط والرقابة، فتجد العديد من الباعة الجائلين أمام محطات مترو الأنفاق ومواقف حافلات المحافظات وعند البنوك والمصالح الحكومية يبيعون كمامات قماش مجهولة المصدر.