على مدى الأيام الـ11 الماضية، يتلقى محمد سكجها خدمة غرف في فندق 4 نجوم، متناولاً وجباته في شرفة مطلة على حمام سباحة ونخيل وإطلالة رائعة للبحر الميت.
ومع ذلك، لا يقضي محمد عطلة، فهو واحد من 5800 شخص محتجزين في فنادق في أنحاء الأردن بعدما قررت السلطات في 14 مارس/آذار، وضع جميع القادمين إلى الدولة في حجر صحي لمدة 14 يوماً لكبح تفشي جائحة كورونا المستجد في الأردن، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وجاء القرار قبل 24 ساعة من تعليق عمّان جميع الرحلات الجوية من الدولة وإليها؛ خوفاً من تفشي الفيروس المُسبِّب لمرض "كوفيد-19" في الأردن.
وبالرغم من صدمة العزل غير المتوقع، يستفيد الأشخاص داخل الحجر الصحي من الوضع بأفضل طريقة ممكنة، إذ يدركون أنهم يقضون فترة الاحتجاز الذي تفرضه عليهم الجائحة في ظروف استثنائية، ويحاولون الوصول لطرق مبتكرة للتغلب على الوحدة والملل.
تدابير احترازية
قال المتحدث باسم وزارة الصحة الأردنية الدكتور نذير عبيدات، في تصريح لموقع Middle East Eye، إنَّ الأردن وزَّع آلاف المسافرين الذين هم بحاجة للعزل على 34 فندقاً في أنحاء الدولة.
وإجمالاً، يمكث في الحجر الصحي 3104 أشخاص في 23 فندقاً 4 أو 5 نجوم في العاصمة عمّان، و1923 شخصاً في 10 منتجعات مطلة على البحر الميت، و23 آخرين في فندق بمدينة العقبة. ويخضع جميعهم لقيود أمنية على مدار الساعة.
وقال عبيدات: "عُقّمَت الفنادق قبل وصول الأشخاص إليها، وستُعقَّم بعد خروجهم"، مضيفاً أنَّ وزارة الصحة الأردنية ستطلب من الناس عزل أنفسهم في منازلهم لمدة 14 يوماً إضافية في إجراء احترازي عقب مغادرتهم الفنادق.
وفي حديث للتلفزيون الأردني، قال وزير الصحة الأردني سعد جابر إنَّ تكاليف إبقاء الأشخاص في الحجر الصحي تتراوح بين 169 إلى 253 دولاراً في اليوم؛ لتوفير الإمدادات المناسبة لهم، وكذلك معدات الحماية الطبية للعاملين.
وفي المقابل، قال جابر إنَّ تكلفة علاج المريض المصاب بفيروس كورونا المستجد قد تصل إلى 1690 دولاراً في اليوم الواحد.
وحتى مساء الخميس، 26 مارس/آذار، وصل عدد الإصابات المؤكدة بـ "كوفيد 19" في الأردن إلى 212 حالة، وأغلبهم انتقلت لهم العدوى خلال حفل زفاف في إربد، حيث أصيب والد العروس بالفيروس مؤخراً بعد السفر إلى إسبانيا.
ولم يسجل الأردن حتى الآن أية وفيات ناجمة عن الفيروس.
التكيف مع الحجر الصحي
تشرف الخدمات الطبية الأردنية على أولئك الذين يخضعون للحجر الصحي، من بينهم 44 شخصاً توقفوا مؤقتاً "ترانزيت" في عمّان، و4243 أردنياً و1513 أجنبياً.
وكان محمد سكجها، الذي يدير شركة إنتاج في دبي، عائداً إلى الأردن بسبب حالة طوارئ عائلية في 16 مارس/آذار حين خضع للعزل.
وقال محمد، لموقع Middle East Eye، "عدت إلى الأردن بسبب وفاة زوج شقيقتي. كانت حالة طارئة وأردت أن أساند عائلتي".
وأضاف: "أخبرتني زوجتي أنَّ الوضع ليس مستقراً، وأنني قد أوضع تحت الحجر الصحي، لكنني لم أكترث. وسافرت إلى الأردن مرتدياً قناعاً واقياً ومعي معقم".
لكن عند وصوله إلى مطار عمّان في العاشرة صباح ذلك اليوم، اعتقد سكجها أنه سيخضع لفحص طبي بسيط عقب الانتهاء من الإجراءات الجمركية.
وعلَّق محمد: "فوجئت بعدها بنقلي إلى فندق في البحر الميت في حافلة للجيش الأردني".
وكان محمد سكجها من بين أول مجموعة أشخاص اصطُحِبَت إلى الفندق.
ويتذكر ما حدث قائلاً: "أُرسِلنا إلى غرف مختلفة في فندق مطل على البحر الميت. وفي البداية، كنت في حالة نكران لفكرة الحجر الصحي، لكن مع مرور الأيام، صرت مقتنعاً بأنَّ ذلك يحدث حفاظاً على سلامتي وسلامة المجتمع. ومنذ تلك اللحظة بدأت اعتاد على الوضع الجديد وقررت أداء عملي عن بعد".
ومن بين الخاضعين للحجر الصحي أيضاً شخصية الإذاعة الأردنية المعروفة يزن حامد، الذي يقدم برنامجاً على محطة "مزاج إف إم".
وبعد عودته من رحلة إلى إسطنبول في 16 مارس/آذار، نُقِل يزن إلى فندق خمس نجوم في عمان. ومن غرفته في الفندق، واصل بث نشراته الإخبارية اليومية باستخدام هاتفه وخاصية Facebook Live.
وقال في تصريح لموقع Middle East Eye: "مرت 10 أيام ولدينا كل شيء. الطعام متنوع ويجرب الطاهي كل يوم وصفات جديدة لذيذة. وهناك أيضاً فريق طبي يتفقدنا بانتظام".
وعلى الرغم من أنَّ يزن يبقى إيجابياً، اعترف بأنَّ العزلة أصبحت ثقيلة في بعض الأحيان.
وتابع يزن: "إنها مرهقة ومملة لأننا لا نتواصل مع أي شخص. تلقينا رسالة من وزير الصحة سيد جابر التي أعطانا فيها تعليمات بالبقاء في غرفنا طوال فترة الحجر وعدم التفاعل مع الآخرين؛ لأنهم إذا اكتشفوا أننا فعلنا ذلك، فسنخضع للحجر لمدة 14 يوماً أخرى لضمان أننا لم نُصَب بالفيروس".
كتب وأطعمة وأصدقاء خياليون
في حين أعرب الأفراد الذين تحدثوا إلى موقع Middle East Eye عن امتنانهم للرعاية التي تلقوها في الحجر الصحي، تحدثوا جميعاً عن الطرق التي توصلوا إليها للبقاء منشغلين أثناء العزل؛ سواء عن طريق تنظيف غرفهم أو إيجاد طرق تقليدية ومبتكرة لقضاء الوقت.
هنا يزبك هي مواطنة أردنية أخرى خضعت للحجر عند عودتها من أبوظبي. ومنذ ذلك الحين وهي توثق تفاصيل إقامتها مع أصغر بناتها.
وقرأت من مذكراتها: "أستيقظ في الصباح، وأحتسي قهوتي، ثم ألعب مع ابنتي، وأبذل قصارى جهدي لكسر الرتابة التي أشعر بها. هنا، يحضرون لنا الإفطار في حوالي الساعة 8 صباحاً، ثم أخرج إلى الشرفة وأستمتع بالهواء النظيف. وأحضر ابنتي معي للاستمتاع بأشعة الشمس قدر الإمكان".
وأضافت: "أحاول إيجاد طرق للتغلب على حقيقة أننا لا نتحرك ونقضي ساعات طويلة من دون الكثير من الحركة؛ لأننا إذا لم نفعل ذلك فقد تحدث لابنتي مشكلات في النمو، وبالأخص إذا امتدت فترة الحجر الصحي".
ومن أجل التغلب على الشعور بالملل، كشف محمد سكجها لموقع Middle East Eye إنه توصل إلى أنشطة مختلفة يمكنه ممارستها بجانب العمل للبقاء منشغلاً.
وقال: "بدأت أقضي وقتي في القراءة. أستيقظ وانظر إلى البحر واستمتع يومياً بثلاث وجبات متنوعة وبجودة عالية".
واختلق سكجها صديقاً وهمياً يُدعَى رباح، ورسم له وجهاً على صندوق وألبسه قميصاً وسترة، وقال إنه وجد من المفيد ابتكار شخص يتحدث إليه أثناء حبسه في غرفته المطلة على البحر.
وقال لموقع Middle East Eye إنَّ السلطات الأردنية قدَّمت الدعم النفسي للأشخاص المعزولين بمساعدة متخصصين في هذا المجال.
وعلى الرغم من منعهم من الاجتماع شخصياً، قال ضيوف الفندق المعزولون إنهم تمكنوا من التواصل مع بعضهم البعض من غرفهم وشرفاتهم الخاصة.
وقال يزن حامد، مقدم البرنامج الإذاعي: "صحنا من شرفات الفندق إعراباً عن دعمنا للفريق الطبي والأردن. هذا جعلني أبكي".
وتمكث بنان قطوس مع والدتها وخالتها في منتجع على البحر الميت بعد عودة النساء الثلاث إلى الأردن من الإمارات العربية المتحدة.
وتنشر بنان مذكرات يومية عن حياتها في الحجر الصحي على تويتر، وتطلب من متابعيها إرسال روابط كتب يمكنها قراءتها.
وقالت لموقع Middle East Eye: "أقضي وقتي في القراءة والنظر إلى البحر وقضاء الوقت مع أمي".
إلى جانب ذلك، تخضع أم سمير للحجر الصحي منذ عودتها من دبي حيث كانت تزور ابنتها التي أنجبت مؤخراً. وقالت السيدة البالغة من العمر 70 عاماً، لموقع Middle East Eye، إنها تقضي وقتها في "التواصل مع عائلتي والتحدث عبر الهاتف واستخدام تطبيقات الفيديو".
وقالت: "لم أتوقع قط أن أخضع للحجر الصحي، لكن الآن بعد أن أصبح هذا حقيقة، تقبلت الأمر من أجل سلامتنا. هناك دول أخرى ينتشر فيها الفيروس على نطاق واسع. لا نريد أن يتكرر لدينا أي شيء مشابه".