رغم الهلع الذي يحدثه فيروس كورونا (كوفيد-19)، فإن ثمة وجهاً إيجابياً لهذه الكارثة، يعكسه الشارع العراقي عبر حملات تكافل مجتمعي، لتخفيف الآثار الاقتصادية عن العائلات المتضررة، بعدما فرضت السلطات تدابير عديدة، لا سيما في العاصمة بغداد، منها تقييد حركة المدنيين عبر حظر تجول، وإغلاق المحال التجارية، وإيقاف أغلب الأنشطة الاقتصادية، لذا يجد العديد من العراقيين، وخاصة العاملين بأجور يومية، صعوبة في الحصول على قوت يومهم.
هذا الوضع الإنساني الخطير دفع أطباء وتجاراً وأصحاب محال لبيع المواد الغذائية وغيرهم، إلى تبني مبادرات لمساعدة العائلات المتضررة.
انقطع مصدر رزقه اليومي فأعفي من دفع إيجار منزله
جميل الركابي (55 عاماً)، صاحب كشك لبيع الوجبات السريعة في منطقة الشورجة ببغداد، يقول للأناضول، إنه ترك عمله منذ أكثر من أسبوع، إثر فرض حظر التجول وانعدام حركة المدنيين، لكنه المعيل الوحيد لعائلته المكونة من 5 أشخاص، وملتزم شهرياً بدفع أجرة السكن وفواتير الكهرباء والماء، إضافة إلى تكاليف علاج من يتعرض للمرض.
الركابي يقول إن هذا كله توقف الآن، فلا عمل لديه لتسديد نفقاته الشهرية، حتى فاجأه صاحب المنزل بأنه ليس مضطراً لدفع إيجار الشهر الجاري، كنوع من المساعدة في هذه الأزمة.
لكن آخرين يطلبون تدخلاً حكومياً
تختلف مهنة أحمد الياسري (33 عاماً)، الذي يعمل سائق سيارة أجرة، لكن حاله لا يختلف عن وضع الركابي، إذ يقول إنه "منذ أكثر من أسبوع وهو جليس المنزل، ليس لدي عمل، فحظر التجول المفروض على بغداد جعلنا دون مدخول يومي".
ويتابع: "أغلب سائقي سيارات الأجرة من أصحاب الدخل المحدود، أي أننا لا نستطيع تأمين قوت يومنا إذا بقي الوضع على هذه الحال، المفروض أن تتدخل الحكومة، لا أعرف كيف، لكن يجب عليها أن تساعدنا".
سلات غذائية من الأطباء والتجار
في ظل ما يعانيه كثيرون، مثل الركابي والياسري، أطلق أطباء وتجار وأصحاب شركات ومحال تجارية وغيرهم حملات للتبرع بالأموال أو السلع الغذائية، لمساعدة المتضررين من الفيروس.
أحد تجار المواد الغذائية في بغداد، إيهاب الجميلي، يقول للأناضول: "في الوضع الحالي يجب علينا التكافل لتجاوز الأزمة، كلنا معرضون للإصابة بالفيروس، لكن ممكن التقليل من آثاره السلبية بالتكافل ومساعدة المقتدر للمحتاج".
لذلك جهز سلات غذائية لمئات العائلات المتضررة من أزمة كورونا، وقام عبر فريق من المتطوعين بتوزيعها على المحتاجين، وختم: "الآلاف تضرروا، ومساعدتهم على تجاوز الأزمة باتت واجباً إنسانياً".
تخفيض أسعار فواتير الكهرباء من المولدات، ومن لا يملك لا يدفع
المباردات التكافلية لم تنته بعد، حتى فواتير الكهرباء ستكون أقل، إذ قرر محمد الصيادي (37 عاماً)، صاحب مولد أهلي للتيار الكهربائي في بغداد تخفيض قيمة سعر الأمبير إلى النصف، وطلب من العائلات التي لا تملك الأموال عدم دفع أي مبلغ حتى زوال الأزمة.
الصيادي قال للأناضول: "لست وحدي من قام بهذا الإجراء، فمئات من أصحاب المولدات الأهلية قرروا إما تخفيض الأسعار، أو إعفاء من يعرفون أنهم غير قادرين على سداد المبالغ المالية، بسبب توقف أعمالهم".
ماذا يفعل الأطباء؟ فحص طبي مخفض
أما إيمان البهادلي، طبيبة أمراض نسائية في بغداد، فتقول: "قررت تخفيض أجور الفحص للمرضى في عيادتي، وإعفاء غير القادرين على دفع المبلغ المخفض، استجابة للنداء الإنساني الذي يفرض علينا التكاتف كعائلة واحدة لمواجهة الخطر".
توضح البهادلي: "أتلقى يومياً الثناء والتقدير من المرضى للخطوة التي قمت بها، وأشعر بأنني قدمت شيئاً للمجتمع عبر المساعدة في الحد من انتشار كورونا.. خلال الأزمات لا بد أن تتوحد الجهود، وإلا فإن الكارثة ستصيب الجميع".
انتشار الفيروس في العراق
صدرت فتاوى تحث على التكافل الاجتماعي، منها فتوى أطلقها المرجع الديني الشيعي البارز علي السيستاني، الذي حث على تخفيض أسعار المنتجات بدلاً من استغلال الأزمة ورفعها، والتطوع لمساعدة المتعففين عن إعلان حاجتهم للمساعدة.
كانت السلطات المركزية في بغداد قررت، الأسبوع الماضي، تمديد حظر التجول وتعليق الدراسة والرحلات الجوية الداخلية والخارجية في عموم البلاد حتى 28 مارس/آذار 2020، لكنها تركت للإدارات المحلية حرية اتخاذ القرارات المناسبة في البلاد التي سجلت حتى مساء الأربعاء، 31 وفاة و358 إصابة بالفيروس الذي أصاب أكثر من 471 ألف شخص حول العالم، توفي منهم ما يزيد على 21 ألفاً، فيما تعافى أكثر من 114 ألفاً.