في قلب المدينة العتيقة بطنجة شمال المغرب، وتحديداً في دار "لالة أمينة"، قام كل من الثلاثي المبدع سامية أقريو ونورا الصقلي وجواد لحلو بنسج خيوط حكاية مسلسل "دار النسا"، والسفر بالمشاهد إلى حيوات تبدو سعيدة وألوانها زاهية، غير أن ما تختزنه أسوار "دار النسا" كمسرح لجريمة مأساوية، هو الوجه الحقيقي لواقع نساء جمعهن الحب والصداقة كما جمعتهن الجريمة.
من أجل سبر أغوار المسلسل، أحداثه وشخصياته، حاورت "عربي بوست" الفنانة المغربية، سامية أقريو، الممثلة، ومخرجة العمل الدرامي "دار النسا"، والمشاركة في كتابة السيناريو للمسلسل الذي أصبح يتصدر قائمة المسلسلات الأكثر مشاهدة في المغرب.
كيف كانت تجربة سامية أقريو الأولى في إخراج مسلسل طويل كـ"دار النسا"؟ وما هي رؤيتك الفنية لهذا العمل؟
هي أول تجربة لي في إخراج مسلسل درامي من 52 دقيقة، على مدار ثلاثين حلقة، وبهذا الشكل الكبير الذي تنتجه القناة الأولى المغربية، لكنها ليست أول تجربة لي في الإخراج، فقد سبق لي أن أخرجت سلسلة كوميدية، وشريطين تلفزيونين، كما شاركت في الإخراج لمسلسلين كمخرجة وحدة ثانية.
عودة لسؤالك، فقد كانت تجربة صعبة، أتعبتنا كثيراً ممثلين وتقنيين، فقد تطلب المسلسل الكثير من الجهد، سواء في الكتابة أم في الإخراج أم التمثيل، وطبعاً حتى إنتاجياً. وأحمد الله على اجتيازي هذا الامتحان بكل فخر واعتزاز، وذلك راجع إلى فريق العمل الفني والتقني الرائع والمحترف.
فيما يخص رؤيتي الفنية، بدا لي من المهم الاهتمام بالتفاصيل الجمالية في التراث المغربي حتى لا تختفي، ومن أجل إبراز ذلك استعنت بفريق فني متنوع وموهوب في التصميم والأزياء والديكور، وأظن أننا وفقنا إلى حد كبير في هذه المهمة.
كما أن اختيار الاتجاه الفني المفعم بروح الثقافة المغربية خاصة بالشمال، جاء انعكاساً لموضوع الهوية الذي يفخر به جميع المغاربة، لنجد أنه ومنذ بداية المسلسل هناك ما يجذب المشاهد ويأسره، وهذا بالفعل ما لاحظناه بعد بث الحلقات الأولى منه.
حديثنا عن قصة المسلسل والعوامل التي ساهمت في إنجاحه
تبدأ أحداث المسلسل بجريمة قتل غير متعمدة، إذ تظهر ثلاث نساء بين أيديهن جثة قبل أن يقررن دفنها. وبعد 10 سنوات تبدأ القصة، وتتبعها أحداث صادمة أخرى سيكتشفها المشاهد طوال الحلقات، من بينها اكتشاف أمينة حقيقة الاعتداءات الجنسية التي كان يمارسها زوجها عزيز على ابنتها نادية من زواج سابق.
كما يتناول المسلسل جوانب أخرى من حياة الشخصيات المحورية، ومن خلالها سيعرض "دار النسا" على المشاهد قضايا اجتماعية وأسرية أخرى، تعكس مشاكل وهموم حياة المغاربة اليوم.
وفيما يخص مشروع المسلسل، فهو عمل شاركت في كتابته مع جواد لحلو ونورا الصقلي، وأعتبره أول مسلسل كبير في حياتي، ودراما اجتماعية قام بتقديمها للمشاهد طاقم عمل قوي وواعد، غالبيته من النساء، ومن أجل تأثيت هذه الدراما اخترنا ممثلين مقتدرين ووجوهاً شابة واعدة.
لقد أردنا الجمع بين المواهب من خلال اختيار فريق بنينا معه روابط قوية وتقاسمنا معه رؤية مشتركة؛ بدءاً من الكتاب والمنتج ثم الممثلين والفنيين، فيما ركزت أنا على الإطار الخاص بي كمخرجة من أجل إخراج المشروع كما ترونه اليوم بشكله الناجح.
اغتصاب داخل أسرة نتج عنه ولادة شاذة، موضوع جريء يتطرق له مسلسل يعرض في وقت الذروة، هو بمثابة مغامرة، أليس كذلك؟
المسلسل أو أي عمل فني لا يلامس الواقع بكل تجلياته، ولا يتطرق لمواضيع معاشة، خاصة المسكوت عنها، فإنه في نظري عمل من دون هدف، وإن لم نقم نحن ككتاب وصناع للقصة بالحديث عن الهموم والقضايا الاجتماعية التي تستهلكنا، فمن سيقوم بذلك؟
لم يسبق أن تحدثنا عن زنا المحارم والاغتصاب داخل الأسر، سواء كان اغتصاب الفتيات الصغيرات أم حتى الأولاد الصغار، وإن كان "دار النسا" تطرق لاغتصاب طفلة، فهذا لا يعني أنه لا يحدث للصبية الصغار أيضاً، وبعملنا هذا نحن نستنكر الاغتصاب بشكل عام، واغتصاب الأطفال بشكل خاص.
مشكلة زنا المحارم والولع الجنسي بالأطفال تهمنا جميعاً، وهي شر ينخر المجتمع، ولحسن الحظ أن الكلمة قد تحررت مؤخراً من خلال الجمعيات التي تناضل من أجل حقوق المرأة والطفل وتتحدث عنها بقدر من الحرية، ولذلك يجب علينا أن نشجعهم ونقدم ما يمكن تقديمه ككتاب.
ومن هذا الموقع، أقول لنتوقف عن اعتبار هذه المواضيع من المحرمات أو التابوهات، والتستر عليها بدعوى "حشومة"، يجب أن نعبر بحرية، من خلال إعطاء الأمثلة، وسرد القصص لإعلام المشاهد، وتحذيره من بعض السلوكيات المشبوهة.
وفي الأخير، نحن كخلية كتابة أنا ونورا الصقلي وجواد الحلو نحمل على عاتقنا وبشكل جدي كتابة مواضيع وطرح قضايا من صلب الأسرة المغربية، أما قصص الحب والغرام والخيانة فهي مواضيع مستهلكة وتجدها في العديد من الأعمال الدرامية، ولتثمين جهودنا فإن أفضل عرض لعملنا هو وقت الذروة.
بالحديث عن الدراما المغربية، ما هو تقييمك اليوم لهذه الدراما؟
استطاعت الدراما المغربية في السنوات الأخيرة أن تثبت وجودها عند المشاهد المغربي، بعدما كان يميل إلى متابعة المسلسلات الأجنبية سواء المشرقية أم المكسيكية، ومؤخراً الدراما التركية، وهو ما كانت تعكسه البرمجة التلفزية للقنوات المغربية.
واليوم نجد أن القنوات المغربية وخاصة القناة الأولى تعرض دراما 100% مغربية، وهذه النتيجة جاءت بفضل تضافر المجهودات الإنتاجية للقناة، وإذا كنا نتحدث فيما سبق عن الكم، فإننا أصبحنا اليوم نتحدث عن الكيف، وأصبحنا نشاهد أعمالاً جيدة تستحق التنويه.
ولكي نتحدث عن أعمال كلها جيدة وتتفادى الانتقادات، فيجب أن نتفق على أن الجودة رهينة بالكتابة والتجسيد اللذين نقدم من خلالهما أقصى مجهوداتنا، فإنها رهينة كذلك بسقف الإنتاج، فإذا أردنا عملاً يضاهي الأعمال الدرامية الأجنبية فلابد من رفع هذا السقف وضمان تسويقه بشكل أفضل.