“شوارع القدس العتيقة” قصة حقيقية.. أغاني فيروز عن فلسطين: حكاية حب وحلم العودة على جسر الأحزان

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/07 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/07 الساعة 17:00 بتوقيت غرينتش
تُعتبر فيروز مِن أخلص الفنانين لفلسطين وشعبها وأرضها/ الصورة من مواقع التواصل

كثيرةٌ هي أغاني فيروز عن فلسطين، ولعلّ سفيرتنا إلى النجوم هي أخلص فناني الوطن العربي لفلسطين وشوارعها وناسها وقضيتها، ما دفع بمحمود درويش ليكتب في إحدى مقالاته "قدّم الرحابنة فنياً لفلسطين ما لم يقدّمه الفلسطينيون أنفسهم".

وفق درويش، فإن الفلسطيني "أشهر هويته الجمالية بالأغنية الرحبانية العربية، حتى صارت هي إطار قلوبنا المرجعي، هي الوطن المستعاد، وحافز السير على طريق القوافل الطويل".

منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، صدرت مئات الأغنيات والأناشيد التي تتغنى أو تبكي على تلك الأرض التي احتلّها الكيان الصهيوني، لكن أغاني فيروز عن فلسطين هي الأشهر، والأهم أنها الحاضرة دائماً في كل الأوقات.

أغاني فيروز عن فلسطين

من "راجعون"، و"القدس العتيقة"، و"أجراس العودة"، مروراً بـ"بيسان"، و"سنرجع يوماً"، و"سيفٌ فليُشهر"، وصولاً إلى "زهرة المدائن"، و"يا ربوع بلادي"، و"جسر العودة"؛ فإن أغاني فيروز عن فلسطين محفورة في وجداننا العربي، وذاكرتنا الجماعية، من المحيط إلى الخليج.

فيروز هي الأغنية التي تنسى دائماً أن تكبر - محمود درويش/ مواقع التواصل
فيروز هي الأغنية التي تنسى دائماً أن تكبر – محمود درويش/ مواقع التواصل

1- راجعون

لا يكتفي الأخوان الرحباني بوصف مآسي النكبة وما رافقها من نكبات متلاحقة، بل نجدهما في بعض الأحيان يتنبآن بما يمكن أن يجري على أرض فلسطين. ولعلّ أغنية "راجعون" هي إحدى تلك الأغنيات التي اختصر فيها صوت فيروز ما يجري اليوم في غزة.

حلّ الليل على الفلوات فأين ننام

لا مأوى لا مثوى هل نرقد في الساحات

لا بيتٌ لا صوتٌ وسُدىً تمضي الساعات

ذقنا الهَوْل وطفنا الليل بدون طعام

إنْ البرد قَسَا واشتدّ فأين ننام

وبيتنا الحبيب يسكنه غريب

ونحن لاجئون في الخيام

هل ننام؟ لن ننام

في العام 1955، سافرت فيروز إلى مصر مع زوجها عاصي الرحباني وشقيقه منصور، اللذين عرضا على أحمد سعيد -مدير إذاعة صوت العرب- أن يقدموا عملاً فنياً للقضية الفلسطينية. 

وهذا ما حدث؛ فقد تم تسجيل أغنية "راجعون"، وهي من كلمات الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد -ابن مدينة غزة، الملقب بشاعر العودة والمخيّم- ولحّنها الأخوان رحباني، وأصبحت نشيد افتتاح إذاعة فلسطين عند تأسيسها في القاهرة.

الأغنية، وهي من أجمل أغاني فيروز عن فلسطين، صدرت في العام 1957 ضمن ألبوم غنائي كامل يحمل اسم "راجعون"، تضمّن 9 أغنيات، من بينها أغنية "جسر العودة" أو جسر الأحزان كما وصفه الأخوان الرحباني.

في المقطع الأخير من أغنية "جسر العودة"، يصدح صوت فيروز مردداً: 

سلامي لكم يا أهلَ الأرض المُحتلّة يا مُنزرعين بمنازلِكم

قلبي معكم وسلامي لكم والمجدُ لأطفال آتين

الليلةَ قد بلغوا العشرين لهمُ الشمسُ لهمُ القدسُ

والنصرُ وساحاتُ فلسطين

ألبوم القدس في البال 

هو عبارة عن ألبومٍ غنائي كامل، احتوى على مجموعة من أغاني فيروز عن فلسطين. صدر هذا الألبوم، الذي حمل عنوان "القدس في البال"، عام 1971، وتضمن 7 أغنيات أهدتها فيروز مع الأخوين الرحباني إلى فلسطين.

في الألبوم، تعاون الأخوان الرحباني أيضاً في أغنية "غاب نهارٌ آخر" مع سهام شماس. وأغنية "يافا"، قدّمها جوزيف عازار بصوته الدافئ. أما باقي الأغنيات، فهي: "زهرة المدائن"، و"سيفٌ فليُشهر"، و"بيسان"، و"سنرجع يوماً".

جميع أغنيات الألبوم كتبها ولحنها الأخوان الرحباني، باستثناء أغنية "سيفٌ فليُشهر" التي كتبها الشاعر اللبناني سعيد عقل، وتقول كلماتها: "أنا لا أنساكِ فلسطينُ/ ويشدّ يشدّ بيَ البعدُ/ أنا في أفيائك نسرينُ/ أنا زهر الشوك أنا الوردُ".

زرعت الأغنية في قلوب العرب حلم العودة إلى فلسطين، وطالبت بإشهار السيف في وجه المعتدي حتى يتسنى لنا قرع أجراس العودة، فصنعت حالةً من السجال الشعري بعدها.

افتتح السجال الشاعر السوري الشهير نزار قباني، الذي ردّ قائلاً: "عفواً فيروز ومعذرة/ أجراس العودة لن تُقرع/ خازوقٌ دُقَّ بأسفلنا/ من شرم الشيخ إلى سعسع"؛ ليتبعه الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي بردٍّ جاء فيه: "عفواً فيروزٌ ونزارٌ/ فالحالُ الآن هو الأفظع/ إن كان زمانكما بشِعٌ/ فزمانُ زعامتنا أبشع". 

يتضمن ألبوم "القدس في البال" أغنية "القدس العتيقة"، ولهذه الأغنية قصة خاصة عن علاقة فيروز وفلسطين، التي بدأت تتشكل فعلياً في ستينيات القرن الماضي، حين قررت جارة القمر زيارة فلسطين مع عاصي ومنصور.

كان الهدف الأساسي من الزيارة المشاركة في احتفالية ترانيم خاصة، بمناسبة زيارة البابا بولس السادس لمدينة القدس المقدسة، وكانت الزيارة الثانية لفيروز إلى القدس. 

حضرت هذه المرة برفقة 70 من أعضاء فرقتها الموسيقية، ومرافقين من الأمن العام اللبناني، ونزلت مباشرةً في البلدة القديمة للقدس؛ حيث مشت في شوارعها وزارت معالمها، والتقطت صورتها الشهيرة من على ظهر فندق الهوسبيس وخلفها المسجد الأقصى. 

شوارع القدس العتيقة

لم يمر أكثر من عام قبل أن يصدح صوت فيروز بأغنية "القدس العتيقة"، وهي إحدى أجمل أغاني فيروز عن فلسطين، والتي قيل إن مطلعها مستوحى من قصة حقيقية حصلت في شوارع القدس بين فيروز وإحدى السيدات الفلسطينيات.

حين كانت فيروز تتمشى في الأزقة،  تجمع حولها الناس، مرحبين بها وشاكين همّهم لها بعد النكبة ومعاناتهم من الاحتلال، حين تقدّمت سيدة فلسطينية وقدّمت لفيروز "مزهرية" تعبيراً عن حبّها. 

فما كان من الأخوين الرحباني إلا أن حوّلا هذه القصة إلى أغنية "القدس العتيقة"، وتمّ تسجيلها عام 1965 في استديو تلفزيون لبنان، وتقول كلماتها: 

مرّيت بالشوارع شوارع القدس العتيقة

قدام الدكاكين البقيت من فلسطين

حكينا سوى الخبرية وعطيوني مزهرية

قالوا لي هيدي هدية من الناس الناطرين

ومشيت بالشوارع شوارع القدس العتيقة

اوقف عَ باب بواب صارت وصرنا صحاب

وعينيهن الحزينة من طاقة المدينة

تاخدني وتوديني بغربة العذاب

كان في أرض وكان ف ايدين عم بتعمر 

تحت الشمس وتحت الريح

وصار في بيوت وصار في شبابيك عم بتزهر

صار في ولاد وبإيديهم في كتاب

وبليل كله ليل سال الحقد بفية البيوت..

والإيدين السودا خلعت البواب، وصارت البيوت بلا صحاب

بينن وبين بيوتن فاصل الشوك والنار والإيدين السودا

عم صرخ بالشوارع شوارع القدس العتيقة

خلي الغنيي تصير عواصف وهدير

يا صوتي ضلك طاير زوبع بها الضماير

خبرهن عَ اللي صاير بلكي بيوعى الضمير

زهرة المدائن 

ما يميّز أغاني فيروز عن فلسطين أنها لم تتضمن منطق العروبة والقومية، ولم تتحدث عن أهميتها أو رمزيتها التاريخية، فقد غنّت فيروز لفلسطين بالطريقة التي تراها فيها وبتفاصيل حياة ناسها بأيامهم العادية، فنجحت بأن تمسّ وجدان الفلسطيني قبل العربي.

ومهما قدمت هي أو غيرها من فناني العالم أغاني عن فلسطين، ستبقى "زهرة المدائن" الأغنية الرمز التي يرددها الأطفال والكبار، جيلاً بعد جيل. الأغنية كانت ضمن ألبوم "القدس في البال" أيضاً.

قبل أكثر من 50 عاماً، أنشدت فيروز "لن يُقفل بابُ مدينتنا فأنا ذاهبة لأُصلّي/ سأدقُّ على الأبواب وسأفتحها الأبواب".

هذه العبارة التي حضرت في أذهان المقدسيين الذين انتفضوا عام 2017 ضد الاحتلال الإسرائيلي، حين رفضوا البوابات الإلكترونية، ووقفوا على أبواب المسجد الأقصى بعد أن قررت حكومة الاحتلال فرض مزيد من السيطرة الأمنيّة على مداخله.

ثم تردد فيروز في مكانٍ آخر: "وسيُهزم وجه القوة، البيت لنا والقدس لنا، وبأيدينا سنعيد بهاء القدس، بأيدينا للقدس سلام آتٍ آتٍ آتٍ".

بيسان 

لم تنسَ فيروز أن تغني لبيسان، وهي قرية فلسطينية خرّبتها النكبة، فلم تعد كما كانت من قبل. فتحدثت بلسان من خرج من القرية ورددت "خذوني إلى بيسان/ خذوني إلى الظهيرات/ إلى غفوة عند بابي/ خذوني مع الحساسين إلى الظلال التي تبكي". 

وهذا بالضبط ما سبق أن أشرنا إليه في سطورٍ سابقة، حين قلنا إن فيروز تغني لتفاصيل فلسطين. وفي "بيسان"، فإن سفيرتنا إلى النجوم تغني للظلال والظهيرات، رغم أنها لم تزر البلدة مرة واحدة، لكن عبقرية الأخوين الرحباني تكمن هنا. 

وانطلاقاً من الاهتمام بهذه التفاصيل، قال محمود درويش عن فيروز إنها "الأغنية التي تنسى دائماً أن تكبر، هي التي تجعل الصحراء أصغر وتجعل القمر أكبر".

أغاني العودة

كثيرةٌ هي أغاني فيروز عن فلسطين وحق العودة إليها تحديداً، فقدّمت أغنية "سنرجع يوماً" التي كتبها هارون هاشم الرشيد، وقالت فيها: "سنرجع يوماً إلى حيّنا ونغرق في دافئات المنى/ سنرجع مهما يمرّ الزمان وتنأى المسافات ما بيننا".

ولعلّ أكثر ما يُبهر في أغنيات فيروز عن العودة هو اليقين، الذي يتكرر في أغنيات عدة، مثل "راجعون" و"جسر العودة"، تصدح فيه فيروز بصوتها حين تغني: "سنرجع خبّرني العندليب غداة التقينا على منحنى/ بأنّ البلابل لمّا تزل هناك تعيش بأشعارنا".

إضافةً إلى الأغنيات المسجَّلة والمحفوظة على أسطوانات، هناك عددٌ كبير من أغاني فيروز عن فلسطين التي قدّمتها جارة القمر في حفلاتٍ لها ولم تُسجَّل أبداً، لكنها موجودة عبر يوتيوب ومواقع التواصل، مثل: "في أرض الجنّات"، و"سافرت القضية"، و"يا ليل بلادي".

تحميل المزيد