ليست سوزان ساراندون (Susan Sarandon) ممثلة أمريكية شهيرة فحسب، ولا تشبه بالتأكيد زميلاتها في هوليوود. هي في الدرجة الأولى ناشطة حقوقية، لها باعٌ طويل من المواقف الإنسانية الجريئة، لا سيما حين تكون ضد سياسات بلادها، كما الحال في أغلب الأحيان.
لا تتردد الممثلة الحائزة جائزة أوسكار في إظهار دعمها للقضية الفلسطينية وتضامنها مع الشعب الفلسطيني، في كلّ مرةٍ يتعرض فيها لعدوانٍ إسرائيلي. فهي لطالما اعتبرت أن إسرائيل دولة احتلال، وأن ما ترتكبه في فلسطين تطهير عرقي.
فمن هي سوزان ساراندون؟
وُلدت في مدينة نيويورك الأمريكية يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 1946، وكانت الابنة الأكبر بين 9 أطفال. والدتها تُدعى لنيورا ماري من أصول إيطالية، ووالدها فيليب ليزلي تومالين، عمل مسؤولاً تنفيذياً في مجال الإعلانات، ومنتجاً تلفزيونياً، ومغنياً سابقاً، من أصول بريطانية وأيرلندية.
التحقت سوزان ساراندون بمدارس رومانية كاثوليكية في إديسون-نيو جيرسي، حيث ترعرعت وتخرجت في ثانويتها عام 1964، ثم التحقت بالجامعة الكاثوليكية الأمريكية في واشنطن بين عامي 1964 و1968، وحصلت على درجة البكالوريوس في الفن المسرحي.
تدربت على يد أستاذ الفن المسرحي المحترف، الأب غيلبرت، وفي تلك الفترة تزوجت الممثل كريس ساراندون وقد استمرّ زواجهما أكثر من 10 سنوات، حتى العام 1979.
اشتهرت سوزان ساراندون بدور المرأة كبيرة السن والمغرية في الوقت نفسه؛ ورغم أن أول ظهورٍ لها كان في فيلم Joe عام 1970، فإنها تركت أثراً كبيراً دام طويلاً في دور جانيت، صاحبة العيون الواسعة في فيلم The Rocky Horror Picture Show عام 1975.
من خلال فيلم قبل ظهورها بالعام نفسه في مسلسلٍ اجتماعي حمل عنوان A World Apart واستمر 325 حلقة.
بعد سنتين فقط، ظهرت للمرة الأولى على مسرح برودواي الشهير من خلال مسرحية An Evening With Richard Nixon، واستمرت العمل فيه حتى العام 1982، قبل أن تعود إليه من جديد عام 2009 للمشاركة في افتتاح فيلم Exit The King.
قدمت ساراندون 167 فيلماً للسينما العالمية، ورُشحت لنيل جائزة أوسكار كأفضل ممثلة 5 مرات في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عصرها الذهبي. وقد نالت الجائزة وأخيراً في العام 1995 عن دورها في فيلم Dead Man Walking.
لدى الممثلة الأمريكية 3 أولاد: إيفا (38 عاماً)، ووالدها المخرج الإيطالي فرانكو أموري، إضافةً إلى ولدين هما جاك (34 عاماً) ومايلز (31 عاماً)، من الممثل والكاتب والمخرج تيم روبنز، الذي انفصلت عنه في صيف 2009، بعد زواجٍ دام 23 عاماً. وهي أيضاً جدة لأطفال ابنتها إيفا الثلاثة.
دعمها لفلسطين مصدر إزعاج
ما يميّز ساراندون فعلاً أنها اشتهرت بنشاطها السياسي إلى جانب نشاطها الفني وأدوارها المتنوعة، ولطالما تحدّت الصور النمطية في حياتها المهنية والشخصية. فقد بدأت حياتها كعارضة أزياء تابعة لوكالة "فورد" العالمية، لكن ذلك لا يُذكر اليوم أبداً.
تقول سوزان ساراندون موقفها السياسي وتمشي، غير آبهة بكل ما قد يترتب على ذلك، وغير آبهة بما يعنيه أن تكون غير داعمة لإسرائيل -ومشروعها- في بلدٍ يتمركز فيه اللوبي الصهيوني بأعلى مناصب صنع القرار، لا سيما في صناعة السينما بهوليوود، ما يعرّضها لخساراتٍ كبيرة.
لا تأبه الممثلة الأمريكية بالخسارات المهنية، لدرجة أنها تتحدى هوليوود بكل جبروتها مقابل أن تقول رأيها الحر، وقد كلّفها ذلك كثيراً، لا سيما في الأيام الماضية.
فقد ألغت وكالة المواهب الأمريكية الشهيرة UTA تعاقدها مع ساراندون، وهي التي عملت على إدارة أعمالها منذ العام 2014، بسبب دعمها المستمر للقضية الفلسطينية خلال حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال متحدث باسم UTA إلى صحيفة Hollywood Reporter يوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إن "وكالة المواهب لم تعد تمثل ساراندون بعد الآن".
ويأتي قرار إلغاء التعاقد هذا بعد مشاركة الممثلة الأمريكية في تظاهرة داعمة لفلسطين أُقيمت بساحة الاتحاد في مدينة نيويورك يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني، وجّهت خلالها ساراندون كلامها إلى اليهود الأمريكيين الذين يخشون من تصاعد حدة معاداة السامية.
فقالت أمام الحشد: "كثيرون يخشون من كونهم يهوداً في هذا الوقت، هم يتذوقون شعور أن تكون مسلماً في هذا البلد، والذي غالباً ما يعني أن تتعرض للعنف".
وكانت الممثلة البالغة من العمر 77 عاماً واجهت دعوات سابقة للاستبعاد من هوليوود، بعدما شاركت في تظاهرة العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم الأحد 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، في احتجاج March4Palestine#، ارتدت خلالها الكوفية الفلسطينية.
ولم تكتفِ بذلك، بل حملت لافتة دعماً لفلسطين، وشاركت صورةً لها من التظاهرة إلى جانب أعضاء التجمع النسوي الفلسطيني عبر منصة X، وكتبت: "ليس من الضروري أن تكون فلسطينياً حتى تهتم بما يحدث في غزة. أقف مع فلسطين، لا أحد حرّاً حتى يتحرر الجميع".
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإضافةً إلى نشاطها على الأرض، لم تتوقف سوزان ساراندون -التي تعرّف نفسها على منصة X بأنها "ناشطة"- عن مشاركة المنشورات على مدار الساعة، لإظهار حقيقة ما يحصل في غزة، لا بل إنها تسخّر حسابها الرسمي لنشر ما ترتكبه إسرائيل بحق أهالي غزة.
فقد أعادت نشر تغريدة جاء فيها: "وقف إطلاق النار ليس كافياً. لا تديروا ظهركم عن التطهير العرقي. تحتاجون إلى أطفال ميتين للتكلّم؟! ارفعوا أصواتكم من أجل تحرير فلسطين والمطالبة بإنهاء الاحتلال الغاشم الممول من الولايات المتحدة ورفع الحصار عن غزة".
لا تتوانى للحظة عن إعلان تضامنها الكامل مع الفلسطينيين، مذكرةً بحقهم الدائم في تحرير أرضهم، كما لا تتردد في دحض "الحقائق" الزائفة حول الصراع الدائم بين فلسطين والاحتلال، ولو حتّم عليها ذلك الردَّ على زملاء لها ووسائل إعلام أمريكية من أجل تكذيب سرديتهم.
خلال أحداث حي الشيخ جراح عام 2021، التزمت ساراندون بالدفاع عن فلسطين وحق شعبها في أرضهم، ولعلّ أشهر تغريدة انتشرت لها وقتئذٍ حين كتبت: "هذه ليست اشتباكات، هذه قوة عسكرية فائقة التسليح تقتل مدنيين لسرقة منازلهم. هذا احتلال واستعمار".
ولم تكتفِ بذلك، بل أتبعتها بمجموعة تغريدات جاء في إحداها: "أتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه التطهير العرقي والترهيب على أيدي الحكومة الإسرائيلية ومنظمات المستوطنين اليهود. العالم يشاهد".
في نهاية العام 2021، عادت وأدانت الاحتلال الإسرائيلي لأرض الفلسطينيين عبر تغريدةٍ نشرتها بالتزامن مع "يوم السكان الأصليين" في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت عبارة عن صورةٍ تقارَن فيها مساحة الأرض التي استولى عليها المستوطنون في فلسطين بين عامَي 1918 و2021، وأخرى في الولايات المتحدة انتُزعت من سكانها الأصليين بين عامي 1492 و2021؛ في تشبيهٍ واضح بين السكان الأصليين والفلسطينيين.
ضد سياسات بلادها
بعيداً عن فلسطين، لسوزان ساراندون مواقف سياسية أخرى ضدّ سياسات بلادها، لعلّ أشهرها رفض غزو حكومة بوش للعراق عام 2003. وكما الحال اليوم، رفعت صوتها عالياً وشاركت في المظاهرات الكبرى ضدّ الحرب على العراق.
وفي العام 2006، كانت أحد أبرز المشاهير الذين انضموا إلى الناشطة سيندي شيهان في صيامها ضدّ غزو العراق، الأمر الذي جعلها تحصل على جائزة العمل الإنساني ضد الجوع في العام نفسه.
في العام 1993، وخلال تقديمها حفل توزيع جوائز الأوسكار إلى جانب تيم روبنز، تحدث الزوجان عن محنة اللاجئين الهايتيين المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. وفي عام 1999، أصبحت سفيرة النوايا الحسنة لليونيسف، ونشطت في دعم مختلف القضايا السياسية وقضايا حقوق الإنسان.
في العام 2016، كانت ساراندون مؤيدة صريحة للمرشح الرئاسي الديمقراطي بيرني ساندرز، قبل أن تدلي بصوتها لصالح جيل ستاين من حزب الخضر.
وفي العام 2017، تعرضت لهجومٍ واسع بسبب عدم دعمها هيلاري كلينتون، رغم أنها كانت دعمت ترشحها لمجلس الشيوخ عام 2001، لكن ساراندون تعتبر أن دعم كلينتون للحرب على العراق كان الفاصل في موقفها الذي تبدّل.
في حوارٍ طويل مع صحيفة The Guardian، تحدثت فيه عن هوليوود والسياسة، سُئلت سوزان ساراندون عما إذا قالت حقاً إن هيلاري أخطر من ترامب، وأجابت: "ليس بالضبط، لكني لا أمانع هذا الاقتباس. أعتقد أنها كانت خطيرة للغاية، ولكننا في حالة حرب لو فازت بالرئاسة".
وأضافت تنتقد أوباما أيضاً: "يبدو من السخافة القول بأن الرعاية الصحية وحماية الأطفال وفرض الضرائب على غير الأغنياء لن تكون أفضل الآن في عهد الرئيس كلينتون، قبل أن نصل إلى خطر الترحيل الذي يخيم على ملايين المهاجرين. كانت ستفعل ذلك بالطريقة التي فعلها أوباما، أي بشكلٍ خفي".