من أنشودة للأطفال إلى هتاف “اليويا”.. كيف صارت “يا ولاد حارتنا” شعاراً للمظاهرات الداعمة لفلسطين؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/14 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/14 الساعة 14:57 بتوقيت غرينتش
من مظاهرة داعمة لفلسطين في الأردن/ رويترز

لم تكن "يا ولاد حارتنا" أغنية عادية يوماً، بل على العكس من ذلك تماماً، ولسنا نغالي في القول إنها صارت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الفن الفلسطيني. فهي حاضرة بقوة في الذاكرة الجماعية الفلسطينية، لاسيما أنها مرتبطة بالانتفاضة الأولى. 

"يوم سبت سبات، يويا.. إجو الخواجات، يويا.. أخدوا حارتنا، يويا.. كسروا لعبتنا، يويا.. دواليب الدم، يويا.. موت هم وطم، يويا"؛ ترددت هذه الجملة في كل أنحاء فلسطين، من رام الله إلى غزة، فبيت ساحور، ويافا، وصولاً إلى نابلس، والقدس، وغيرها.  

عاشت أغنية "يا ولاد حارتنا" -ولا تزال- مع الناس، ولم ينحصر نجاحها في فلسطين فقط. فقد انتقلت إلى الجوار، وأصبحت شعاراً أساسياً يتردد خلال التحركات الشعبية في كلٍّ من سوريا ولبنان والأردن، مع كلماتٍ مختلفة تناسب المطالب التي يتظاهر الناس من أجلها. 

لكن، هل تعلمون أنها، وقبل أن تتحول إلى رمزٍ للمقاومة، كانت أغنية "يا ولاد حارتنا" في الأصل أنشودة للأطفال؟ هذا ما سنكشفه في السطور التالية. 

قصة أغنية "يا ولاد حارتنا"

في سبعينيات القرن الماضي، بدأ محمد أبو هلال -المعروف باسم "أبو نسرين"- مسيرته الغنائية من الكويت، بعد أن ترك مدينته، أبو ديس، التي تقع شرقي القدس، حيث أسّس فرقة "ترشيحا" للفنون الشعبية.

لاحقاً سينفرط عقد الفرقة مع الاجتياح العراقي للكويت عام 1990، وسيترك أبو نسرين الكويت ويذهب إلى الأردن، حيث سيؤسّس في عاصمتها فرقة "الحنونة" للفنون الشعبية، التي تركها سريعاً ليشكل فرقة "البيدر" ثم يعود إلى رام الله. 

مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، اشتهر أبو نسرين بأغنيته الوطنية "يا ولاد حارتنا"، التي تتحدث عن النكبة واللجوء. حقق من خلالها نجاحاً منقطع النظير، حتى باتت من بين أكثر الأغنيات الفلسطينية شعبية، وكانت العنوان البارز لحفلات فرقة "ترشيحا" للفنون الشعبية.

أبو نسرين من لقاءٍ مع قناة
أبو نسرين من لقاءٍ مع قناة "رؤيا"/ يوتيوب

تشير بعض المراجع -على قلّتها- إلى أن الأغنية في الأساس ليست لأبو نسرين، بل لمحمد سعادة صالح، المؤسس الفعلي لفرقة "ترشيحا"، وأن أبو نسرين غناها لاحقاً حين انضمّ إلى الفرقة خلال وجوده في الكويت. لكن عموماً، فإن الأغنية عرفت نجاحاً كبيراً بواسطة أبو نسرين، الذي يوجه في أحد لقاءاته تحية شكر إلى "رفيق الدرب محمد سعادة صالح". 

تردّدت الأغنية في كل مكان، في المدينة والمخيّم والقرية، داخل فلسطين وخارجها؛ صارت رمزاً لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وغناها الكبار والصغار، فصارت حاضرة في كل الساحات التي يتجمع فيها الناس. 

تقول كلمات أغنية "يا ولاد حارتنا يويا": 

يا ولاد حارتنا، يويا.. نصبوا طارتنا، يويا

طارتنا تطير، يويا.. طير العصافير، يويا

تروي الأحزان، يويا.. كان يا مكان، يويا

يوم سبت سبات، يويا.. إجو الخواجات، يويا

أخدوا حارتنا، يويا.. كسروا لعبتنا، يويا.. 

دواليب الدم، يويا.. موت هم وطم، يويا

رفضنا نهاجر، يويا.. قال الأوامر، يويا

قال الي بيقول، يويا.. شدّة وبتزول، يويا

ولا شدة زالت، يويا.. ولا دنيا دارت، يويا

صرنا لاجئين، يويا.. بكَرت التموين، يويا

زي طير مهاجر.، يويا.. في الدنيا مسافر، يويا

يعني الموضوع، يويا.. عيسى اليسوع، يويا 

رجعوا صلبوه، يويا.. وبرصاص طخوه، يويا

والأمر الواقع، يويا.. قمع ومواجع، يويا

ممنوع تشكي، يويا.. وممنوع تحكي، يويا

طب نسكت ليش، يويا.. لقمة العيش، يويا

يلعن أبوها، يويا.. عَ اللي جابوها، يويا

ليش السكوت، يويا.. ما كله موت، يويا

أصل هتاف "اليويا" الشعبي

لم تقف أغنية "يا ولاد حارتنا" عند هذا الحدّ، بل صارت تُضاف إليها كلمات جديدة مع كل تطور سياسي، فقد أُضيف إليها لاحقاً مقطع يقول: 

حررنا شوارع، يويا.. وعنها بندافع، يويا

وإذا قلعوا شجرة، يويا.. منزرع عشرة، يويا

يعني صارت الأغنية مرافقة للمأساة الفلسطينية المستمرة، في كلّ مراحلها وتحولاتها، تحكي بلسانها وتصفها بدقة وتعبّر عن معنى المقاومة والصمود. وصارت كلمة "اليويا" شعاراً أساسياً في كل التحركات الشعبية الفلسطينية، وامتدت إلى دول الجوار.

في حمص السورية وطرابلس اللبنانية، اشتهر هتاف "أنا عندي وزي، يويا.. تنقر الرزي، يويا.. والرز غالي، يويا.. حقه مصاري، يويا.. ومصاري ما فيه". 

وهناك نسخة أخرى اشتهرت خلال الثورة السورية، تقول كلماتها: "ما بدنا طحين، يويا.. ولا سردين، يويا.. بدنا قنابل، يويا.. حكام تنابل، يويا.. تنابل مين، يويا.. أمريكيين"!

وفي الأردن، تردد الجماهير الرياضية، ولاسيما جمهور نادي الوحدات لكرة القدم هتاف "اليويا" خلال مباراة ناديه على أرض الملعب، وفي مناسبات عدة. 

لكن، قبل أن تكون لأغنية "يا ولاد حارتنا" أي معاني سياسية، كانت في الأصل أنشودة للأطفال غناها الممثل المصري الكوميدي يونس شلبي، مستبدلاً اليويا بالـ"توت توت"؛ وهي مستمَدة من التراث الشعبي المصري عموماً، وكانت الأمهات تغنيها للأطفال.

قدّمها يونس شلبي في ألبومٍ غنائي كامل خصّصه للأطفال عام 1983، حمل عنوان "لديك الشركسي" وقد تضمن 12 أغنية، معظمها مستوحى من التراث الشعبي المصري، مثل أغنية "حادي بادي". 

الألبوم كله كتب كلماته سمير الطائر، وتوزعت الألحان بين حسن أبو السعود ومحمد هلال، الذي لحن أغنية "يا ولاد حارتنا"، التي تقول كلماتها: "يا ولاد حارتنا، توت توت.. هاتوا العصاية والنبوت.. أنا عندي بيضة فيها كتكوت.. والحدايات عمّالة تفوت".

في فلسطين، استُبدلت الـ"توت توت" بـ"اليويا"، وصارت نسخة "يا ولاد حارتنا" بصوت أبو نسرين، معبّرة عن الإرادة الشعبية، من خلال لغتها البسيطة والواضحة التي تحاكي كل أفراد المجتمع الفلسطيني.

في الدقيقة 3:43 ثانية، يمكن سماع مقطع من أغنية "يا ولاد حارتنا"

واليوم، ورغم مرور أكثر من 15 سنة على هذه الأغنية، يُردّد هتاف "اليويا" في المظاهرات الداعمة لفلسطين في حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي ضدّها، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.    

تحميل المزيد