فيلم “ملح هذا البحر”.. عندما يصبح الفلسطيني سائحاً في بلده

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/10 الساعة 13:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/10 الساعة 16:08 بتوقيت غرينتش
تظهر أزمة الهوية في كلّ مشهد من فيلم "ملح هذا البحر"/ مواقع التواصل

يثير فيلم "ملح هذا البحر" أزمة الهوية الفلسطينية، ولا يعني ذلك أنه فيلمٌ "آخر" عن النكبة، بل إنه في واقع الأمر يصلح لأن يكون تعريفياً عنها وعن تأثيرها في حياة الفلسطينيين، داخل البلاد وخارجها. 

تظهر أزمة الهوية في كلّ مكان؛ من المطار حيث تُسال ثريا بشكلٍ متواصل "من أين هي؟" و"أين وُلد أبوها؟"، وصولاً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة حين تقول للجندي على الحاجز "أنا من هنا"، ثم تجيبه بتهكم بأن جواز سفرها -وعلى عكس ما يرى- ليس أمريكياً، بل فلسطيني. 

يسير فيلم "ملح هذا البحر" على أكثر من مستوى. يشعر المشاهد في البداية بأنه أمام وثائقي، من خلال لقطات جرف وهدم بيوت الفلسطينيين، ثم ينتقل إلى المستوى الواقعي الدرامي مع انجذاب عماد وثريا إلى بعضهما البعض. وبالتوازي، هناك مستوى رمزي كبير في الفيلم. 

ولعلّ هذه الرمزية تصل إلى قمتها حين تذهب ثريا لزيارة بيت جدها في يافا، لتفاجأ بأن امرأة إسرائيلية تسكنه، لكنه بقي على حاله. لاحقاً، حين تحاول المرأة طردها من منزل جدها، تقول ثريا إنها مستعدة للتخلي عنه مقابل اعتراف الإسرائيلية بأنه ليس لها ولأهلها، بل صادرته. 

قصة فيلم "ملح هذا البحر"

تدور أحداث فيلم "ملح هذا البحر" حول ثريا، الشابة فلسطينية الأصل التي قررت القدوم من بروكلين إلى يافا  بعد وفاة والدها، للحصول على ميراث جدّها الذي كان قد أودعه في المصرف البريطاني الفلسطيني قبل نكبة 1948. 

ومع أنها أمريكية الولادة والجنسية، إلا أن ملامحها العربية واسم عائلتها (تهاني) كانا سبباً في إخضاعها لتحقيقٍ طويل من قِبل قسم التفتيش في المطار، فتنتقل من ضابطٍ إلى آخر مع تكرار الأسئلة نفسها: "كيف يُلفظ اسم عائلتك؟"، "لماذا أنتِ هنا؟"، "هل زرت البلاد من قبل؟"، "أين ستسكنين؟"، و"لماذا لا تحملين الجنسية اللبنانية طالما أن والدك لبناني؟"

عند انتهاء إجراءات التفتيش تنطلق ثريا في شوارع يافا، مدينة عائلتها. في اليوم التالي، تتوجه إلى المصرف في رام الله لتطالب بمال جدّها (عبد السلام موسى تهاني)، لكن الإدارة ترفض إعطاءها المال بحجة أنه أودع قبل النكبة، وأن "كل شيء ضاع بعد النكبة" وجمّدوا جميع الحسابات. 

تضطر ثريا إلى مقابلة مدير المصرف في اليوم التالي، الذي يصرّ على عدم إمكانية حصولها على المال. ستقابل ثريا شاباً فلسطينياً يُدعى عماد، يعمل نادلاً، ويتبادلان الإعجاب ثم يخططان معاً لسرقة البنك.

وبالفعل يقتحمان البنك، لكن ثريا تكتفي بأن تطلب من المحاسب أن يعطيها مبلغ 15 ألف دولار وسنتين، وهو نصيب جدّها مع الفائدة، ثم يقرران الهرب مع صديقهما مروان إلى منزل عائلتها في يافا، لتتلقى ثريا صدمة جديدة حين تكتشف أن إسرائيلية تعيش فيه. 

يطرق عماد باب المنزل، فتفتح الإسرائيلية لتخبرهم أن المنزل صار لها. يسألها: "هل تعلمين أنه ملك لهذه السيدة؟" -ويشير إلى ثريا- فتنفي علمها بالأمر وتخبرهم أنها مستعدة لاستضافتهم، فيدخل الأصدقاء الثلاثة، قبل أن تستدعي الشرطة حين تطالبها ثريا بمغادرة المنزل. 

يقرر عماد وثريا زيارة قرية الدوايمة، مسقط رأس عماد، ويقيمان في بيتٍ مهجور لا يخرجان منه إلا عند الضرورة، قبل أن يُكشف أمرهما فيفترقان؛ هي تعود إلى بروكلين، وهو تأخذه السلطات.

بوستر
بوستر "فيلم ملح هذا البحر"/ مواقع التواصل

بين حلم العودة والخروج 

تبتعد المخرجة الفلسطينية آن-ماري جاسر في فيلم "ملح هذا البحر" عن المعالجة التقليدية المألوفة لصورة الوطن، أو الديار، التي اعتدناها في الأعمال الفنية التي تناولت القضية الفلسطينية عموماً. 

ورغم أنها تقدّم مشاعر الحنين إلى فلسطين، بما تمثله من هوية وذاكرة وحلم، إلا أنها تظهر أيضاً الصورة الأخرى الأكثر واقعية.

يتجلى الواقع في فيلم "ملح هذا البحر" من خلال شخصية عماد، هذا الشاب الفلسطيني الذي يعيش على أرضه تحت سلطة الاحتلال، ولا همَّ له إلا البحث عن وسيلةٍ للخروج من هذا السجن الكبير الذي تمثله فلسطين له، ساعياً خلف الهجرة إلى كندا.

من جهتها، فإن شخصية ثريا تقدم الأفكار الحالمة الراسخة في الذاكرة. فهي لا تعرف فلسطين إلا من خلال عائلتها، حتى والدها لم يولد فيها، بل في لبنان. لكنها رغم ذلك، كانت تتوق للعودة والعيش في يافا وتستنكر كل التساؤلات على شكل: "كيف لمواطنة أمريكية العودة إلى هنا؟"

بين حلم العودة والخروج، نشهد في فيلم "ملح هذا البحر" مزيجاً من التناقضات في شخصيتَي عماد وثريا. فثريا تمثل الأصل والانتماء، وقد لعبت دورها الممثلة سهير حمّاد بتلقائية مذهلة تصل إلى حدّ الإقناع بأنها شخصية تروي حكايتها هي. 

وفي المقابل، هناك عماد الذي يمثل النقيض ويتوق إلى الرحيل. وقد قدّمة الشخصية الممثل الفلسطيني صالح بكري في أداءٍ ممتع لكثرة واقعيته وخلوّه من الانفعال والمبالغة في إظهار الأحاسيس. 

وبين ثنائية ثريا وعماد تتجلى كل التناقضات في فيلم "ملح هذا البحر": العودة والرحيل، الحلم والواقع، الذاكرة والحاضر؛ لنجد أنفسنا أمام فيلمٍ يقدّم صورة فلسطين، التي تحيا في الذاكرة رغم أن واقعها مؤلم جداً.

تجدر الإشارة أخيراً إلى أن فيلم "ملح هذا البحر" من إنتاج عام 2008، وقد عُرض للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي، ضمن إطار قسم "نظرة خاصة"، ونافس بجدارة على جائزة الكاميرا الذهبية.

والفيلم -المتاح عبر منصة نتفليكس، ومجاناً عبر يوتيوب- هو من إنتاج مشترك فلسطيني، وسويسري، وبلجيكي، وهولندي، وإسباني، وبريطاني وأمريكي؛ بينما تكفلت شركة فرنسية "بيراميد" بعملية التوزيع.

تحميل المزيد