الشاب خالد واحد من أبرز مطربي فن الراي بالجزائر، خاض مساراً طويلاً وصعباً من غرب الجزائر، وتحديداً من مدينة وهران، لينطلق بعدها في محاولة للخروج من إطار المطرب المحلي إلى المطرب العالمي، من خلال تعاونه مع العديد من المطربين العالميين، ليصبح الشاب خالد واحداً من أهم مطربي الجزائر في تاريخها المعاصر، ومجدد موسيقى الراي، والذي بعث فيها روحاً جديدة وعصرية.
وُلد خالد حاج إبراهيم، المعروف وسط الساحة الفنية بـ"الشاب خالد" في سيدي الهواري بوهران، وذلك في 29 فبراير/شباط 1960، كان والده يعمل في الشرطة، أمّا أمّه فكانت ربة منزل.
خلال طفولته كان خالد طفلاً لا يحب الدراسة والتعليم، لكنه وجد نفسه داخل عالم الموسيقى، بحكم استقراره في مدينة وهران، التي كانت مركزاً لمختلف الأنواع من الطبوع الموسيقية الإسبانية والمغربية والفرنسية.
كما تأثر خالد في بداياته سريعاً بالأغاني المصرية ومطربيها من أمثال عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، وكذلك أحب المطربين التونسيين، مثل أحمد حمزة، وبالطبع كانت موسيقى الراي القديمة والمطربين الجزائريين مثل أحمد وهبي، والذي غنّى له الشاب خالد أغنية وهران في مسيرته المبكرة.
عشق الموسيقى منذ نعومة أظافره
أحبّ الشاب خالد الموسيقى منذ نعومة أظافره، فيحكي في العديد من اللقاءات الإعلامية، عن كيف كان يجتمع مع الأطفال في سنه في الشارع ليصنعوا آلات موسيقية من أدوات بدائية وبلاستيكية، ويشرعون في الغناء والعزف على تلك الآلات.
كانت تلك اللحظات الأجمل في طفولته، ومن خلال تلك اللحظات والشعور الذي اكتسبه، بدأ يتعلق أكثر بالموسيقى، كما لعب محيطه دوراً كبيراً في تعلّقه بالموسيقى، فقد كان شقيقه الأكبر يملك جيتاراً بدأ خالد بالعزف عليه، بجانب اهتمام عمه بالموسيقى وعزفه على آلة الأكورديون، والتي تعلم خالد العزف عليها أيضاً.
في منتصف السبعينيات، بدأ خالد في الغناء في الأفراح والأعراس في مسقط رأسه بسيدي الهواري، وبدأ في كسب بعض الأموال التي كان يعطيها لأمه، التي كانت تسانده في اختياره الموسيقى والغناء، وهو الخيار الذي رفضه والده.
مع نجاح الشاب خالد في بدايته، قرر خالد وأصدقاؤه تكوين فرقة على غرار فرقة "جاكسون فايف" لمايكل جاكسون وأشقائه، وكانت الفرقة تحمل اسم "Cinq étoiles" أي النجوم الخمسة، وانطلقت الفرقة تغني في الافراح وفي الملاهي الليلية.
أصدر أسطوانته الغنائية الأولى وهو طفلٌ صغير
في سنّ الـ14 سنة، سجّل الشاب خالد أوّل أسطوانة غنائية خاصة به، وذلك بعد أن أقنعه أحد المنتجين بتسجيل أسطوانة "الغراموفون" التي صدرت صيف 1974، وكانت تلك النقطة الأولى في مسيرة خالد، واللحظة التي كتب فيها كلمة "الشاب" قبل اسمه، لتصبح عادة من ذلك الوقت في تسمية المطربين الراي الجدد بكلمة الشاب، بعد أن كان مطربو الراي الكبار يُطلق عليهم لقب شيخ/ة، وكانت كلمة شاب جاءت بعد رفض خالد إطلاق اسم فني عليه، وأصر على الغناء باسمه خالد، كما حكى هو في برنامج "صاحبة السعادة"، وقدّم في ذلك الوقت أغنيتين على الأسطوانة، هما أغنية "طريق الليسي"، وأغنية "طالعة للغابة".
استمر الشاب خالد في تقديم فن الراي بشكل جديد وإدخال آلات موسيقية غربية، وبدأ في رحلة لم يكن يستوعب مدى تأثيرها على شكل الموسيقى الجزائرية بشكل عام، وعلى فن الراي بشكل خاص، وبدأ في غناء الراي بعيداً عن الكلمات الخليعة وبشكلٍ مختلف عما كان يُقدم من قبل مطربي الراي القدامى، وحقق ذلك نجاحاً كبيراً في فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات، حتى جاء مهرجان الراي الأول في عام 1985، وأصبح الشاب خالد ملك الراي في ذلك الوقت.
في باريس انطلق خالد إلى العالمية
بعد ذلك المهرجان، سافر الشاب خالد إلى فرنسا في محاولة للبحث عن طرق جديدة للنجاح، حيث قدّم هناك ألبومه الأول بعنوان"كوتشي"، والذي أصدره بشكلٍ مشترك مع الموسيقار الجزائري صافي بوتلة.
مع وجود جالية جزائرية كبيرة في فرنسا، ساعدته على النجاح والشهرة، بدأت رحلة نجاحٍ جديدة في مسيرة خالد الفنية، وجد من خلالها روحه ونفسه على خشبة المسرح يغني ويرقص ويغير في طبقات صوته. في ظرف 5 سنوات فقط، نجح الشاب خالد في التعاقد مع شركة الإنتاج العالمية "يونيفرسال"، ومع توقيع تعاونات مع عدة موزعين وعازفين من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، ليصدر بعدها واحدةً من أهم أغانيه، وهي الأغنية التي حملت عنوان "دي دي".
حققت هذه الأغنية نجاحاً مذهلاً، ليس فقط في فرنسا ولكن في العالم أجمع، وكانت الأغنية التي جعلت العالم يتعرف على مطرب الراي الجزائري الشاب خالد.
ومع بداية التسعينيات كان شاب خالد قد طرق أبواب العالمية، كما كان له حضورٌ في الوسط الفني العربي وتحديداً في مصر، التي اكتسحت فيها أغنيته "دي دي" الساحة الفنية والموسيقية بشكل كبير، وكانت من أكثر الأغاني التي تُذاع في التلفزيون المصري، وبدأ الأطفال في غنائها رغم عدم فهم الكلمات، لكن كانت الموسيقى وأداء الشاب خالد كافيين لنقل حالة من البهجة والسعادة والرقص.
خلال تلك الفترة، كانت الجزائر تعيش حالةً من اللااسقرار نتيجة العشرية السوداء، فكان مطربو الراي من أكثر الفئات المهددة، ففي سنة 1994، تم اغتيال مطرب الراي الشاب حسني، الذي كان من أبرز وأشهر مطربي الراي بشكله الجديد.
شكل ذلك الاغتيال صدمةً لخالد الذي قدّم تجربة هي الأولى والأخيرة له في عالم التمثيل مع الشاب مامي في فيلم "100% Arabica" عن أثر التشدد الديني والتطرف.
التربع على القمة
مع ذلك استمر الشاب خالد في نجاحاته المستمرة، فقدّم رائعتي"عبد القادر" و"عيشة"، ونجحتا بشكلٍ كبيرٍ، وأكدت تطور الشاب خالد في مجال الموسيقى وبحثه الدائم عن كلّ ما هو جديد وما يمكن إضافته على موسيقى الراي.
ثم جاء التعاون الأشهر للشاب خالد الذي كان مع الشاب فضيل ورشيد طه، من خلال حفلة "1,2,3 Soleils" في عام 1999 التي كانت قمة ما وصلت إليه موسيقى الراي الجزائرية.
لم يقتصر الشاب خالد في تعاونه على المطربين الجزائريين، فاشترك مع المطرب المصري عمرو دياب، الذي كان بدأ في تحقيق نجاحات كبيرة، خاصة بعد ألبوم "نور العين"، فكانت أغنية "قلبي" في ألبوم "قمرين" 1999، واستمر الشاب خالد في تقديم عدة دويتوهات مع مطربين من أماكن مختلفة، مثل المطرب السويدي من أصل إيراني "Cameron Cartio"، ومع المطربة اللبنانية ديانا حداد في أغنية "ماس ولولي".
مع بداية الألفية الجديدة، أصبح الشاب خالد يتربع على قمة الراي والغناء الجزائري وفي العالم بشكل أجمع، مما جعله يشارك في حفلة افتتاح كأس العالم في جنوب إفريقيا عام 2010، كما استمر الشاب خالد في تقديم حفلات في أغلب دول العالم.
بعد سنوات، عاد خالد بألبوم "c'est la vie"، بمعنى "إنها الحياة"، الذي أصدره سنة 2012، وهو الألبوم الذي حقّق نجاحاً ضخماً وأعاد الشاب خالد إلى الأضواء مجدداً.
بعدها استمر خالد في الغناء من خلال إعادة توزيع أغانيه القديمة بشكل معاصر، ومثل ما تم نقده ومهاجمته في بدايته، هاجمه عشاق الراي على ألبومه الأخير، والذي أصدره بعد فترة طويلة من الغياب، لكونه حسبهم تخلى كثيراً عن موسيقى الراي، لكن الشاب خالد دائماً ما يحاول استكشاف مناطق جديدة، وستبقى أعماله في ذاكرة دائماً.