النجاح المدوِّي للدراما الكورية “Extraordinary Attorney Woo”.. هل ساعد المصابين بالتوحد أم آذاهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/01 الساعة 13:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/01 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش
المحامية الاستثنائية وو \ مواقع التواصل

في أوائل يوليو/تموز، ظهرت مستخدمة "تيك توك" كورية لتعبر عن غضبها الشديد من المسلسل الدرامي الكوري "المحامية الاستثنائية وو"، مهاجمة ظاهرة تقليد الناس لحركات البطلة المصابة بالتوحد، قائلة بحنق: "توقفوا عن الولع بالبطلة".

لكن الولع بمسلسل نتفليكس الجديد لم يتوقف، لدرجة دفعت المراقبين لأن يتساءلوا: هل نحن بصدد تكرار ظاهرة المسلسل الكوري "لعبة الحبار"؟ ففي أسبوعها السابع على المنصة، سيطرت الدراما الكوميدية الرومانسية على المركز الأول في قائمة الأكثر مشاهدة على نتفليكس عالمياً بواقع 77.4 مليون ساعة مشاهدة.

واحتل المسلسل بعد شهر من بدء عرضه، في أواخر يونيو/حزيران، المركز الأول في الأكثر مشاهدة على نتفليكس في 20 دولة، من بينها كوريا ودول عربية مثل البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات، فيما احتل المركز الثاني في مصر والأردن والمغرب، وفقاً لإحصاءات خدمة فليكس باترول لتصنيف المحتوى الأونلاين. 

يدور المسلسل حول المحامية المبتدئة "وو يونغ وو" المصابة باضطراب طيف التوحد، والتي تكافح لشهور لإيجاد شركة تقبل بها، رغم نتائجها المبهرة في الكلية، حتى تنضم لشركة هانبادا للمحاماة، وتكون المفاجأة حين تساعد في حل العديد من القضايا بمنظورها المختلف.

رغم أن العمل وُصف على نطاق واسع بأنه "دراما شافية ودافئة للقلب"، إلا أنه جعل المراقبين ومجتمع المصابين بالتوحد يتساءلون: هل هو لمصلحة المصابين بالتوحد، أم ضدها كما زعمت مستخدمة التيك توك الغاضبة ومثلها العديدون؟ نستعرض في هذا المقال أهم نقاط الجدل الذي تصاعد في كوريا بالذات حول المسلسل.

شركة كبيرة.. وحبيب أيضاً

يرى المنتقدون أن هناك قدراً كبيراً من غياب الواقعية في تجسيد الشخصية، فالبطلة "يونغ وو" لم تُقبل فقط في شركة محاماة عريقة، بل حظيت بعلاقة رومانسية مع زميلها الوسيم "لي جون هو"، وهم يرون أنه لا يمكن في الحياة الحقيقية أن يحصل المصابون بالتوحد على حياة مهنية وعاطفية ناجحة بهذه السهولة أبداً.

لكن الكاتب ذا الاحتياجات الخاصة "جوفري بانتينج"، يرى أن الموازنة بين تصوير المعاناة الواقعية الثقيلة والإبقاء في الوقت ذاته على خفة التناول، أمر يتطلب براعةً نجح فيها صناع المسلسل الرومانسي الكوميدي، كما لا يغفل الكاتب أهمية أن يظل المسلسل مستساغاً وشعبياً لدى الجمهور العادي.

وترى "هيلي موس"، التي تعد أول محامية متوحدة في ولاية فلوريدا الأمريكية، والتي أطلق عليها البعض "المحامية الاستثنائية وو الحقيقية"، أن الشخصية تعبّر عن حياتها بشدة، وأن اجتهاد صناع المسلسل في البحث جعلها ترى نفسها في البطلة كثيراً.

وفي مقابلة مع صحيفة "ذا كوريا هيرالد"، تحدثت "موس" عن كيفية معاملة زملائها لها بشكل مختلف عندما قيل لهم أنها مصابة بالتوحد، ومعاملتهم لها كطفلة صغيرة أحياناً، رغم أنها تحمل نفس المؤهلات، كما قالت إن المسلسل صور بدقة حاجة "يونغ وو" لارتداء سماعات أذن لإلغاء الضوضاء، وهوسها بالحديث عن الحيتان، وتكرار نفس الوجبة كل يوم. 

كما قالت منشئة المحتوى المصابة بالتوحد "ستيفاني بيثاني"، أنها شعرت بتقاطعات كثيرة مع قصة "يونغ وو"، مثل ارتداء سماعات الرأس، والدخول في علاقة رومانسية مع شخص غير متوحد، وأعراض تكرار الكلام، وضربها لرأسها وأذنها عندما يتصاعد الموقف أو يصبح صاخباً، وأضافت: "أنا أشعر أن المحامية وو تمثلني".

تصدير النموذج العبقري النادر

انتقد الخبراء وأسر المصابين بالتوحد المسلسل؛ لإبرازه حالة نادرة من التوحد العبقري وعالي الأداء، والمعروفة باسم "متلازمة سافانت".

وأثار "كيم يونج جيك"، رئيس جمعية التوحد في كوريا، المخاوف بشأن هذا التمثيل قائلاً إنه "من غير المرجح أن يكون لدى المصاب بالتوحد معدل ذكاء مرتفع وأن يصبح محامياً، لكنني أعتقد أن المسلسل محاولة لجعل الناس يفهمون التوحد".

إلا أن الكاتب "جوفري بانتينج"، يرى أنه "من غير الواقعي توقع أن تمثل شخصية واحدة – أو حتى مسلسل واحد – النطاق الكامل للإعاقة، والمحامية الاستثنائية وو ليست استثناءً".  

رفع سقف التوقعات

تقول "سون دايون"، التي تعمل في مؤسسة كورية لدعم المصابين بالتوحد أن المسلسل ينزع بعضاً من العار المحيط بالتوحد من خلال أنسنة المحامية "يونغ وو"، لكن المسلسل في الوقت نفسه يعزز بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة حول طبيعة التوحد، وأوضحت: "حقيقة أن الغالبية العظمى من الشخصيات المصابة بالتوحد في وسائل الإعلام يتم تصويرها على أنها تتمتع بقوة خارقة، أو أن التوحد هو في الحقيقة نعمة مقنعة يمكن أن يربك الجمهور فيما يتعلق بالتوحد حقاً".

وأوردت التقارير حدوث بعض التنمر بعد المسلسل على المصابين بالتوحد، وقال شقيق فتاة مصابة بالتوحد يدير قناة عائلية على يوتيوب إنه تلقى تعليقاً يقول: "لقد شعرت بالإحباط؛ لأنها تختلف بعض الشيء عن وو يونغ وو".

وقال أحد المنشورات على الإنترنت: "هل سيخفف هذا حقاً من تحيز مجتمعنا تجاه التوحد؟ قد يبدأ الناس في التساؤل: "لماذا لا يستطيع المصابون بالتوحد في الحياة الواقعية أن يكونوا مثل وو؟" إنه يخلق معياراً غير واقعي للإنجاز. يريد المجتمع الكوري بالفعل أن يظل الأشخاص الذين يعانون من إعاقات في النمو في المنزل أو في المرافق طوال اليوم. أخشى أن يبدأ الناس في القول: "إذا لم تكن عالي الأداء مثل وو، فابق في المنزل فحسب".

توحد حسب الطلب؟

أشارت بعض الانتقادات في كوريا لما سمته "التوحد حسب الطلب"، قائلين إن صناع الدراما تعاملوا مع توحد الشخصية كأنه خيار، ووضعوه في مسار الأحداث عندما أرادوا، بينما تركوا الشخصية تتصرف كأنها طبيعية في مواضع أخرى.

لكن طالب دكتوراه في علم النفس أوضح لموقع "ذا كو" الكوري، أنه استاء بشكل خاص من شيوع هذا المصطلح في كوريا، وهذا مثير للاهتمام برأيه؛ لأن ردود الفعل في الغرب مختلفة تماماً، وأضاف: "بالكاد رأيت أحداً ينتقد الدراما لهذا السبب هناك. من ناحية أخرى، كان هناك بالفعل العديد من المصابين بالتوحد وعائلاتهم [في الغرب] الذين أشادوا به قائلين إنه واقعي وأنهم شعروا بأنه يشبههم. كان هناك أيضاً أشخاص واجهوا صعوبة في مشاهدته، قائلين إنه يشبه النظر في المرآة".

يرى طالب الدكتوراه أن هذا يرجع بالأساس لفهم المجتمع الكوري الخاطئ للتوحد، فهم يعتقدون أن "طيف التوحد" عبارة عن خط مستقيم، يتراوح من القليل إلى الكثير من التوحد، لكن الحقيقة أن طيف التوحد يشبه مخططاً شبكياً، يميل وفقه المصابون لأن يكونوا أكثر فعالية في مناطق معينة مقارنة بأخرى، وأحد الأمثلة على ذلك هو عقل المحامية "وو" العبقري مقارنة بعدم قدرتها على التعامل مع زيادة حِمل المؤثرات الحسية.

هناك أيضاً ظاهرة "التقنيع"، وهي عندما يتصرف الشخص المصاب بالتوحد كغير المصابين به، ومع إن السمات الخاصة للاضطراب تختبئ في هذه الحالة، فإن هذا لا يعني أنها تختفي.

ونظراً لتفاوت مستوى شدة الأعراض، وظاهرة التقنيع، لا يتم تشخيص جميع المصابين بالتوحد، وبالتالي يزيد التشخيص الرسمي للحالات الشديدة، ويكوّن الجمهور بسببهم صورة نمطية خادعة عن التوحد.

بيئة داعمة كأنها في الأحلام

يرى البعض أن أكثر شيء غير واقعي في المسلسل، يتمثل في البيئة الداعمة وقبول زملاء "وو" لها في مكتب المحاماة، فهم يتفهمون اختلافها، وعلى سبيل المثال، تمزق رئيسة الشركة آخر صفحة من السيرة الذاتية لـ"وو"، والتي تذكر فيها أنها مصابة بطيف التوحد، مما يدل على أنها لا تهتم إلا بمؤهلاتها المذكورة في البداية.

عندما تصاب "وو" أيضاً بالصدى الصوتي (وهو عرَض يشير لتكرار كلام شخص آخر دون مغزى)، أو تبدأ في الكلام عن الحيتان بشكل خارج عن السياق، يقول رئيسها في العمل بهدوء "لا صدى صوتي"، كما يشرح لها زملاؤها الإشارات الاجتماعية بطريقة تفهمها بسهولة، وفي نفس الوقت يعاملونها كزميلة تتمتع بنفس الكفاءة.

ووفق ما يذكره مقال نقدي على موقع "كوريا جونجانج ديلي"، فإن هذا يكوّن شبكة أمان حولها ويناقض بشكل صارخ "العالم الخارجي" الذي يتم تصويره في المسلسل، والذي يصيح فيه الناس قائلين للمحامية "وو": "وماذا إذن؟ أنت متوحدة!"، أو يحاولون التقليل منها في قاعة المحكمة مبررين ذلك بإصابتها بالتوحد، ولعل هذا هو التصوير الأكثر واقعية للمجتمع الحقيقي مقارنة بزملاء "وو".

 وقالت "كيم هيو وون"، وهي طبيبة نفسية للأطفال وأستاذة مساعدة في مركز سيول آسان الطبي، والتي تعتبر من أشد المعجبين بالمسلسل وتعالج ألفي طفل متوحد كل عام: "حتى في المسلسل، لم تكن وو لتقدر على إظهار تفوقها بالكامل لو لم يفهمها الناس من حولها واستكملوا ما تفتقر إليه نسبياً". 

وبينما كان رد فعل بعض المشاهدين أن بيئة عمل "وو" هي "خيال خالص"، إلا إنها بيئة تحث المشاهدين على التأمل والتفكير في كيفية تعامل المجتمع اليوم مع المصابين بالتوحد.

في حين يتفق الخبراء وأفراد أسر المصابين بالتوحد على أن القصة غير واقعية تماماً، إلا إنهم يأملون أن تكون بمثابة نقطة انطلاق لزيادة الوعي في المجتمع بشأن التوحد وأعراضه، ولا خلاف على أن المسلسل نجح في جلب التوحد إلى صدارة الاهتمام طوال الفترة الماضية، وحاول أن يجعلنا نفكر ونرى العالم بعين الشخصية الأساسية المصابة بالإعاقة.

تحميل المزيد