ربما تعرف شعار "مدد مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد" الذي استخدمه المتظاهرون في ميدان التحرير خلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011، لكنك قد لا تعرف الأغنية التي استخدم فيها هذا الشعار، تلك الأغنية التي تعود للسبعينات وانتشرت شعبياً بعد نكسة 67، وساهمت في صنع نجومية مغنيها محمد نوح.
ارتبط اسم نوح بأغنية "مدد" رغم أنه يملك أرشيفاً طويلاً من الأعمال الفنية الكثيرة والمتنوعة بين الغناء والتلحين والتأليف والتمثيل، كما كان واحداً من فناني النكسة، إذ ظهر في الستينات وتأثر بالهزيمة والنصر، وكان لهما أثر كبير في أعماله واختياراته الفنية.
بداية محمد نوح الفنية
وُلد نوح في مدينة طنطا بمحافظة الغربية (دلتا مصر) عام 1937، ورغم شغفه بالموسيقى منذ الصغر خاصة أغاني الفنان سيد درويش، اختار الدراسة في كلية التجارة بالإسكندرية (شمال)، لكنه لم ينسَ هذا الحب ليقرر الالتحاق بمعهد الموسيقى العربية، ومنها انطلق في مسيرته الفنية مع بداية الستينات.
بفضل مواهبه بين التمثيل والغناء والعزف على العود في فرقة البحيرة المسرحية، استطاع الفوز ببطولة مسرحية "سيد درويش" 1965 ليقدم شخصيته الفنية المفضلة، وينطلق في عالم التمثيل والغناء، مثل دوره في فيلم "الزوجة الثانية" 1967، لكن ذلك الأمر لم يستمر كثيراً خصوصاً مع صدمة الهزيمة في حرب 1967، تلك الهزيمة التي خلقت حالة من عدم التوازن للجميع.
أغنية "مدد مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد" الشهيرة من "استاد القاهرة"
مع بداية السبعينات؛ وبعد النكسة عاد نوح بشكل غنائي جديد وكون فرقة "النهار"، ليبدأ مرحلة جديدة لشكل الأغنية الشبابية، من ألبومات ومسرحيات، وأطلق أغنيته الأشهر "مدد مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد"، وهي الأغنية التي ينسبها نوح نفسه إلى الشاعر إبراهيم رضوان رفيقه في رحلة الأغنية، وأنها كانت سبباً في تعارفهما.
رغم النسب الواضح لرضوان، لكن كانت هناك الكثير من الأقاويل تنسب الأغنية إلى الشاعر زكي عمر، وهو أيضاً رفيق البدايات مع نوح وكتب له العديد من الأغاني، ويؤكد تلك المعلومة الصحفي خيري حسن في كتابه "صاحب المدد… سيرة شاعر.. ومسيرة وطن" عن الشاعر عمر زكي.
أغنية "مدد مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد" حققت نجاحاً كبيراً في وقتها، إذ كانت أغنية شبابية لكن تعبّر عما بداخل جيل النكسة ما قبل حرب 1973، وكانت فرقة "النهار" وعلى رأسها نوح، تجمع بين الآلات الموسيقية الغربية والتراث المصري من كلمات وألحان وأجواء، بالإضافة إلى مزج الأداء المسرحي في أعمالهم، لذلك جمعوا الأعمال الغنائية والمسرحية في عمل واحد.
مثلت هذه المرحلة من التجارب والجرأة في الطرح مرحلة جديدة يقول عنها نوح في حواره مع جريدة الجمهورية عام 1988: "اكتشفت بعد النكسة أن (التخت الشرقي) غير قادر على التعبير عن غضبة الشعب وثورته إزاء النكسة من هنا كان تكوين فرقة النهار".
خلال مباراة تصفيات كأس العالم بين مصر وتونس عام 1978، وقبل مباراة الذهاب التي أقيمت في "استاد القاهرة" غنى نوح أغنية "مدد" ووقف في المدرجات وغنى الأغنية على مدار 90 دقيقة، وكانت تلك المشاركة سبباً في ارتباط الشعب بالأغنية، وتحويلها لفكرة النشيد المرافق للجميع وقت شد الأزر والحماس، وهنا تخطت الأغنية فكرة "الشخص"، وأصبحت "مدد" أكبر من شخص نوح.
بعد "مدد".. طرق جديدة في تقديم الأغاني
استمر نوح في تجريب طرق جديدة للأغنية، من خلال تجارب وتعاونات مع شعراء جدد على رأسهم كان إبراهيم رضوان في أغانٍ كثيرة مثل "لا تنسانا" و"حبيبي يا حبيبي" "كانت حبيبتك مخلصة".
تجربة "لا تنسانا" من التجارب الجديدة في التلحين والتوزيع وحتى أداء نوح، إذ عمل على تقديم أغنية صوفية بشكل متشابك مع التوزيعات الغربية، وفي نفس الوقت يحافظ على الأداء الصوفي والمناجاة بشكل مصري واضح وصريح.
شعر نوح بأنه يحتاج إلى دراسة الموسيقى بشكل أعمق، خاصة التأليف الموسيقي، فسافر لدراسة التأليف الموسيقي في جامعة "ستانفورد" بالولايات المتحدة، وتعرف هناك على التكنولوجيا المتطورة من أجهزة الحاسب الآلى وتدخلها في تأليف الموسيقى، فجذبه تلك الأمور المتطورة، وبدأ يدرسها بشكل متخصص، وتفرغ لها فترة طويلة وصلت إلى 8 سنوات، ثم عاد إلى مصر ليستمر في تقديم أعماله وموسيقاه، واًصبح أستاذاً جامعياً يدرس في عدة معاهد موسيقية وفي كليات حاسبات ومعلومات أيضاً، كما صرح هو في أحد برامج التلفزيون المصري.
ثم عاد نوح متحمساً لصناعة موسيقى جديدة، وقدم العديد من الموسيقى التصويرية لأعمال سينمائية، كان على رأسهم تعاونه مع يوسف شاهين في "الإسكندرية كمان وكمان" و"القاهرة منورة بأهلها" و"المهاجر".
أيضاً، شكَّل فرقة "رباعي نوح" مع أولاده، لكن الفرقة لم تستمر كثيراً وقدمت أغاني خفيفة لم تشكل جزءاً من التراث يتوارثها الأجيال، وربما ما يعلق في ذاكرة الأجيال اللاحقة طريقة تقليد "عزب شو" لمحمد نوح والفرقة، بجانب أغنية "مدد".
لكن اختلافات الذوق والتطورات الاجتماعية مع بداية التسعينات، وبداية شكل جديد من الأغنية عن طريق حميد الشاعري، كانت سبباً مهماً في استمرارية نوح، لكن أيضاً الحماس الزائد بسبب آثار الهزيمة والنكسة، جعلوا أعماله بعيدة عن الأجيال الجديدة، رغم ما يملك من موهبة وعلم لكنه اكتفى بما قدم، وآثر الابتعاد عن الموسيقى الجماهيرية والساحة التجارية، والتركيز على الموسيقى التصويرية، حتى رحل عنا في العام 2012.
لكنه قبل رحيله شهد الثورة وأحداثها، وشهد استرجاع الشعب لأغنيته "مدد" مرة ثانية في ميدان التحرير، لتبقى الأغنية مستمرة ومتجددة وصامدة أمام كل التغيرات.