"دخلت السجن ليس لأن سلوكي مشبوه أو أنني ارتكبت الجريمة التي ألصقوها بي، ولكن لأنني رفضت الاستجابة لطلبات حبيب العادلي وزير الداخلية في الجزء الأخير من عصر مبارك".. هكذا كان مضمون الرسالة التي حرصت الفنانة المصرية نادرة الظهور على الشاشة وفاء مكي على توصيلها إلى الجمهور المصري، ما جعلها تقفز إلى صدارة التريندات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفاء مكي لا يتذكرها الكثيرون لبراعتها الفنية أو بفضل الأدوار التي لعبتها في مسيرتها الفنية القصيرة، وتركت من خلالها بصمة مثل أخريات ممن ظهرن في نفس التوقيت تقريباً في النصف الثاني من عقد التسعينيات، بقدر ما اكتسبت شهرتها من خلال صفحات الحوادث بالصحف المصرية والعربية ببداية القرن الحالي والتي تحدثت عن وحشية الفنانة الشابة ووالدتها التي أدت بهما إلى تعذيب خادمتين كانتا تعملان في منزلهما وهتك عرضيهما، الأمر الذي استوجب اتخاذ إجراءات جنائية بحق الممثلة ووالدتها و3 أشخاص آخرين انتهت بالحكم على مكي بالسجن لمدة 10 سنوات تم تخفيفها في النقض إلى 3 سنوات.
الشارع المصري والعربي كان بانتظار حكم يشفي غليلهما
مع عودة قصتها مجدداً وظهورها على القنوات المصرية وبرامج التوك شو حاولنا التحقق مما عادت وقالت مكي إنه كان سبباً في إلقاء القبض عليها.
أزمة الفنانة بدأت بتقرير طبي من مستشفى حكومي عندما أبلغ أطباء "مستشفى قويسنا العام" في محافظة المنوفية (شمال القاهرة) الشرطة باستقبال فتاة عمرها 16 عاماً، تُدعى "مروة"، في حالة صحية سيئة.
بحسب التقارير والتحقيقات الرسمية فإن التقرير الطبي كشف عن وجود آثار لجروح ملتئمة بالساقين ومنطقة البطن والظهر والجذع، وكدمات في الرأس مر عليها أكثر من 20 يوماً، كما بين توقيع الكشف على الضحية وجود جروح عليها آثار التئام مع تجمع دموي شديد بفروة الرأس، احتوت على صديد بكميات كبيرة، ما يشير إلى أن الفتاة الصغيرة تعرضت لتعذيب شديد؛ ما دفع الطبيب الذي فحصها للإبلاغ.
أمام الشرطة اعترفت "مروة" وأختها الكبرى "هنادي" بأقوالهما، بأنهما تعرضتا للضرب والتعذيب من مخدومتهما الممثلة وفاء مكي، ووالدتها، وأنها عملت عندها طوال ثلاث سنوات مع شقيقتها "هنادي"، كانت الأمور خلالها جيدة حتى تورطت الخادمة الصغرى في الوشاية بمكي.
وفق التحقيقات روت الخادمة أنها كانت مغادرة عبر القطار لقريتها فتذكرت أنها نسيت أمراً ما فرجعت إلى المنزل مسرعة، ولأن لديها المفتاح دخلت المنزل ومن هنا رأت مكي مع أحد الرجال الأغراب وهددتها إن تكلمت أنها سوف تقطع رزقها وتستغني عنها.
بعدها انفردت الفنانة ووالدتها بالفتاة الصغيرة وتفننتا في تعذيبها، حيث قالت الفتاة في التحقيقات إن والدة وفاء كانت تضع الكرسي فوق جسم الخادمة بينما تقوم وفاء بتكتيف ذراعيها ثم تكوي جسمها بسكين ساخن وفي مناطق حساسة.
تزايدت الأزمة في منزل النجمة الصاعدة، وطلبت وفاء مكي من ابن خالتها وممثل آخر يدعى أحمد البرعي أن يصطحبا الفتاة في سيارة، لإلقائها عند شريط السكة الحديد -حسب أقوال مروة- بالقرب من بلدتها قويسنا بمحافظة المنوفية، وتحاملت الفتاة على نفسها، ومشيت بصعوبة بالغة، حتى وصلت إلى بيت جدتها، وعلى الفور نقلها أهلها إلى المستشفى.
تم عرض المحضر على نيابة قويسنا، التي استصدرت أمراً بتوقيف وإحضار وفاء مكي ووالدتها ليلى الفار، وابن خالتها، والممثل أحمد البرعي للتحقيق معهم، لكن وفاء مكي ووالدتها اختفتا عن الأنظار طوال 3 أسابيع، وتسبب هروبهما في انطلاق شائعة أن عضواً في البرلمان يساعدها على الاختفاء، وأن نائباً آخر تفاوض مع محامي وفاء لإنهاء قضية تعذيب الخادمتين.
عذَّبتها بالفعل.. القضية ليست ملفقة
يوضح مصدر أمني كان يعمل بغرفة العمليات بوزارة الداخلية لـ"عربي بوست" أنه في بداية القضية، وحين تحولت إلى قضية رأي عام اختفت مكي ووالدتها عن الأنظار على مدار 3 أسابيع
شكوا في البداية أن الفنانة المتهمة فرت هاربة خارج البلاد، لكن بالتحريات وبمراقبة تليفونات عدد من أقاربها رصدوا مكالمات لها، تم تسجيل هذه المكالمات لكنها لم تخرج للرأي العام حينها، مفاد التسجيلات أن مكي قامت بتعذيب الخادمتين بالفعل، وأنها كانت خائفة من القبض عليها، ومع رصد أماكن المكالمات تبين أنها من القاهرة وأخرى من محافظة الغربية مسقط رأسها، حيث كانت تستعين بأقاربها للاختفاء، وسافرت إلى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، واستأجرت شقة في شارع "توت عنخ آمون" قضت فيها بعض الأيام وكانت تتخفى بالنقاب لتهرب بعيداً عن الشرطة.
يضيف المصدر الأمني الذي تابع سير التحقيقات عن قرب حينها، أنه رأى الحالة التي كانت عليها الفتاتان الصغيرتان والتي كانت مزرية، فضلاً عن أن هناك تطابقاً بين تقرير الطب الشرعي وبين ما قالته مروة وهنادي في محضر النيابة، وكان لا بد أن تكون المتهمة عبرة لغيرها مما يقومون بمثل تلك الأفعال مستغلين حاجة البعض وفقرهم، فضلاً عن أن القضية أثارت حفيظة الشارع المصري والعربي والجميع كانوا بانتظار حكم يشفي غليلهم.
لا يدافع المصدر الأمني عن العادلي لأنه كان -كما يقول- من أحد ضحاياه لكنه يتساءل عما إذا كان هو السبب في سجن مكي -كما تقول- فلماذا لم يتدخل عند تخفيف الحكم عنها وكان بيده وقتها أن تمكث بالسجن لقضاء فترة العقوبة كاملة وهي 10 سنوات، ويتم تدوير القضية وهذا أمر سهل جداً.
سجن مخفف بعد النقض
وكانت المحكمة حكمت عليها بالسجن 10 سنوات مقابل السجن سنة واحدة لوالدتها وابن خالتها والفنان أحمد البرعي وطليقها أيمن غزالي، وقال رئيس المحكمة المستشار عصام محمد علي، إن هيئة المحكمة استقر في يقينها أن المتهمة الفنانة وفاء مكي هتكت عرض الخادمتين مروة وهنادي واحتجزتهما وعذبتهما دون وجه حق، وإنه بالنسبة لبقية المتهمين فقد استقر في يقين المحكمة أنهم أخفوا وفاء مكي عن العدالة، لتستقبل الفنانة الحكم بالذهول والشرود.
خلال فترة سجنها أجرت حواراً تلفزيونياً من داخل السجن مع الإعلامي مفيد فوزي، وهي ترتدي البدلة البيضاء، وقالت خلال الحوار رداً على سؤاله إذا كانت تشعر بالندم: "مش حاسة بندم، حاسة بظلم، وظلم فظيع، تخيل لو أنا وحشة هتقعد معايا 3 سنوات، في تناقضات كثيرة في الموضوع، الموضوع عبارة عن ابتزاز من الدرجة الأولى من أهالي البنات".
لا داعي لرش الملح على الجروح القديمة!
تحدث "عربي بوست" مع مصدر مقرب من مكي للتعليق عما ورد إلينا من معلومات على لسان المصدر الأمني، وعما قالته بنفسها مؤخراً حين عادت وظهرت في عدد من البرامج التلفزيونية، وهل هذا الأمر مرتب أم تم بتوجيهات، أم مجرد اجتهاد من معدِّي تلك البرامج سعياً وراء ركوب التريند؟!
رد المصدر باقتضاب قائلاً إنه لا يعرف بالتحديد ما إذا كانت هناك أوامر عليا باستضافة وفاء مكي في البرامج التليفزيونية أم أن الأمر مجرد صدفة، وهذا يسأل عنه معدو تلك البرامج، وعن حقيقة تورطها في تعذيب الخادمتين الشابتين.. رفض المصدر بإصرار شديد التعليق على الأمر لأنه لا داعي لرش الملح على الجروح القديمة.
وأمام إلحاحنا عليه في السؤال اكتفى بالقول إنه لم يكُن يعرف الفنانة في ذلك الوقت ولا يعرف بالتالي ما حدث، لكن علاقته بها في السنوات الأخيرة تجعل من الصعب التكهن بما تستطيع عمله وما لا تستطيعه، فهي شخصية غير مُعبرة نوعاً ما، بحيث لا يمكن لأي كان أن يراها أبداً في لحظات ضعف أو بكاء مثلاً، لكن هل هي قاسية إلى حد ارتكاب ما قيل إنها ارتكبته؟! فذلك أمر يصعب التكهن به.
"لكل جواد كبوة وأزمتي Funny!"
في 16 ديسمبر/كانون الأول 2002، أعيدت محاكمة وفاء مكي وبقية المحكومين من جديد، بقرار من محكمة النقض لتقضي محكمة استئناف القاهرة بتخفيف الحكم عن وفاء مكي من عشر سنوات إلى ثلاث، وانتهت فترة العقوبة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004.
خرجت "وفاء" بعد قضاء المدة وتزوجت مجدداً وأنجبت ابنها "عمر" وقررت الابتعاد عن الأضواء فترة طويلة وتفرغت لتربيته.
ولم تظهر الفنانة طوال 17 عاماً إلا في مشاهد قصيرة ببعض الأعمال الدرامية منها مسلسل "عواصف النساء" مع حسن يوسف، ونجوى إبراهيم، وعايدة عبد العزيز، وجليلة محمود، وكريم كوجاك، وشاركت عام 2015 في مسلسل "الكابوس" مع غادة عبد الرازق، وكريم عبد العزيز، وأحمد راتب، وكريم قاسم، وأيتن عامر، وسلوى عثمان، وفتوح أحمد.
لكنها عادت لتثير الجدل في 2016 حيث أدلت وفاء مكي بتصريحات صحفية مفادها أنها لن تطالب بفتح ملف القضية مرة أخرى، وأكدت في برنامج "صح النوم" للإعلامي محمد الغيطي على شاشة LTC أن حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق ومسؤولين في النظام السابق قاموا بتدبير التهمة لها لأنها لم ترضخ لطلباتهم التي وصفها الغيطي مقدم البرنامج بـ"الدنيئة".
وأشارت إلى أن الأخبار التي كانت تنشر ضدها للتأثير على الرأي العام كانت تنشر بأوامر عليا، وأن الله انتقم لها من كافة من ظلموها، ومن كان يهاجمونها بعد تقديم الكثير من رموز النظام السابق للمحاكمة عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2011.
ثم عادت لتقول في برنامج "القاهرة اليوم"، على قناة أوربيت، للفنان إدوارد والإعلامية بثينة توكل، إنها لا تشعر بأنها مرت بأزمة من الأصل، وإن "لكل جواد كبوة" وعن هذه الفترة قالت وفاء مكي: "أنا بسمي أزمتي حاجات -Funny- مضحكة".
كما أنها قللت أكثر من تعاطف المشاهدين معها حين استخدمت مثالاً دينياً للتأكيد على أن تجربة السجن لم تهز ثقتها في نفسها؛ حيث قالت إن دخولها السجن شيء عادي بالنسبة لها، لأنه حتى "الأنبياء دخلوا السجن واتحبسوا"!
ولا تزال مكي التي ظهرت في أكثر من برنامج تصر على إنكار تهمة تعذيب خادمتيها، لكن من دون أدلة نفي واضحة، وبنفس الوجه الجامد الخالي من التعبيرات، قالت إن أحداً لم يرَها وهي تقوم بتعذيب خادمتها كما تم الادعاء وقتها، موضحة أن تلك الأزمة ربما أنقذتها من أمور أسوأ، لكنها مثلاً لم تتمالك نفسها من الانفعال حين سألتها المذيعة عن الحادثة فقالت بصوت أقرب للصياح: "مش عايزة أتكلم في موضوع السجن، حاجة فاتت وانتهت من حاجة وعشرين سنة، حنفضل نعيد ونزيد؟!". مع إشارة بيديها تفيد أنها رمت تلك الفترة وراء ظهرها وأنها لم تحبس في قضية مخلة بالشرف.
محرر فني يرجح أن تكون اتهامات مكي للعادلي مجرد تلفيق
صحفي فني بجريدة قومية مصرية علق على ما حدث مع وفاء مكي فقال: "معرفتي الشخصية بكثير من فنانات المستوى الثاني، تقودني إلى الاقتناع بأن ما تقوله حول حبيب العادلي مجرد تلفيق صرف..
أشك فيما تقوله لأن حبيب العادلي لم يكن معروفاً عنه أنه رجل لعوب مثل مسؤولين ووزراء آخرين، بدليل أنه عندما وقع في غرام صحفية شابة في ذلك الوقت تزوجها على سنة الله ورسوله، وهي السيدة إلهام شرشر، كانت شرشر في ذلك الوقت قد انفصلت لتوها عن رجل الأعمال الشهير أشرف السعد بما كان يحيط به- ولا يزال- من شبهات، وهذا يدل على أن وزير الداخلية السابق ربما كان لديه العديد من الخطايا لكن لم تكُن خطيئة الجري وراء النساء".
هل يمكن أن يكون ما حدث للفنانة افتراء بالفعل كما قالت بدافع الانتقام لأحد المسؤولين؟! الاجابة لا تزال عند الصحفي الذي يضيف لـ"عربي بوست": "لا يمكن استبعاد هذا الأمر لأنه كان دائماً موجوداً وإن كنت شخصياً أستبعد تلفيق تهمة للفنانة وسجنها لمجرد الانتقام منها، وكان يكفي مثلاً إصدار أوامر بعدم الاستعانة بها في أعمال فنية مثلما حدث مع فنانات وفنانين آخرين على مر العصور، فقد رأينا في عهد عبد الناصر اختفاء الفنانة الجزائرية وردة من كل الحفلات الفنية وحتى الأعمال الدرامية عقاباً لها على ما أشيع عن علاقتها الخاصة بالمشير عبد الحكيم عامر وزير الحربية في عهد عبد الناصر والرجل القوي في ذلك الوقت، حيث قيل وقتها إن الفنانة هي التي روَّجت شائعة غرام عامر بها لتسهيل أمورها الفنية، وقد حدث هذا في عصر كان أسهل قرار فيه هو الزج بأي شخص في السجن بسبب سطوة عامر نفسه وسطوة المخابرات العامة التي كان ولاء رئيسها آنذاك صلاح نصر للمشير بالكامل".