في الأيام الماضية سيطر جدال كبير على مواقع التواصل الاجتماعي بعد بث المسلسل الأردني مدرسة الروابي للبنات، للمخرجة تيما الشوملي. وكأي تريند له نصيبه من المؤيدين والمعارضين، منهم من رأى أنه مسلسل لا يمثل المجتمع الأردني، ومنهم من رأى فيه مسلسلاً جيداً يناقش قضايا مجتمعية يتعرض لها الجيل الجديد.
أتفهم جيداً رأي المعارضين، وأرى أن أول الأسباب كان الفجوة التي حصلت في الدراما الأردنية، فالشاشة الأردنية لسنوات طويلة كانت تسير على نفس الخط وفي اتجاه واحد وهو عرض المسلسلات البدوية والقصص القديمة للعرب وأيامهم الذهبية من مجتمع محافظ وفيه أبطال وخيم وصحاري، لكن مدرسة الروابي لم يأتِ على ذات النهج بل كان مختلفاً عن كل ما تعودته العين الأردنية على الشاشة ما أثار الاستهجان لدى الكثير.
أيضاً، كما جرت فنون التسويق لجلب أكبر عدد من المشاهدات للمسلسل، تم اختيار لقطات حساسة ومعينة للدعاية ومختارة بعناية من أجل إثارة الرأي، فقد أعطت هذه اللقطات نبذة تعريفية سيئة أن ما يحويه المسلسل ليس إلا فتيات يردن الفجور من حفلات ولباس وعلاقات عاطفية! لكن من تابع المسلسل بموضوعية سيرى أن ما احتواه المسلسل معاكس جداً للدعاية المعروضة.
أتناول في هذا المقال القضايا التي ناقشها المسلسل بعد أن شاهدته بعناية دون الاعتماد على الآراء المنشورة عنه مسبقاً.
في البداية تدور الأحداث عن طالبات في مدرسة خاصة يحدث بينهن الكثير من المشاغبات والمشاكل؛ فريقان من الطالبات، الأول طبقي ويرين أنفسهن أفضل من غيرهن ويحق لهن التنمر والسيطرة، والثاني الضحايا للفريق الأول.
1- أول قضية يتناولها هي قضية "التنمر" تقع مريم ضحية لتنمر لليان وفريقها بسبب شكلها وجسدها النحيل غير المرسوم والجميل برأي المراهقات، وظاهرة التنمر هي ظاهرة منتشرة جداً في المدارس والجامعات والشوارع لدينا وحتى في البيوت بين الأخوة والأقرباء.
2- القضية الثانية: الواسطة، فقد وقفت المديرة في صف المتنمرات لمجرد أنهن ذات وضع اجتماعي ممتاز ومن أسر معروفة ومساهِمة في المدرسة، وهنا بدأت المشكلة الثانية للضحية "مريم" أنها لم تجد منصفاً لها، وبذلك قررت أن تأخذ حقها بيدها والانتقام من "ليان" وصديقاتها.
3- القضية الثالثة هي الصحة النفسية وكيف يتعامل المجتمع مع المريض النفسي، فبعد أن اكتشفت المدرسة أن مريم تتلقى علاجاً نفسياً وتزور طبيبة، تم اتهامها بالجنون والتعامل مع مرضها كفضيحة، وبرأيي أن هذا هو ما يحدث في مجتمعاتنا العربية، فنحن حتى الآن نعاني من نقص الاهتمام بالصحة النفسية، ونرى العيادات النفسية تسيء إلى سُمعة العائلة وتسبب نفوراً منها وتعيب الشخص وكأنه ارتكب جريمة.
4- القضية الرابعة هي استخدام القضايا الحساسة في المجتمع من أجل قلب الحق إلى باطل، وبدا ذلك حين اجتمعت المدرسة مع أولياء الأمور لمناقشة حادثة الضرب التي تعرضت لها مريم من قبل ليان، وفي لحظة سريعة استخدمت ليان مقصلة مجتمعية وهي قضية الجنس والتحرش، واتهمت مريم كذباً بأنها تحرشت بها وأنها بميول شاذة. وبذلك تم إخراس مريم وانشغل الحضور بالقضية الثانية رغم أنها ملفقة ونسوا أنها ضحية وتم الاعتداء عليها وتعنيفها، وهذه محاكاة لكثير من قضايا القتل والظلم في شارعنا العربي فإن أردت أن تنهي أي قضية وتخرس الناس قل إنها "قضية شرف"، تحرش، اغتصاب؛ فهذه الأمور يجب أن تبقى في توابيت مغلقة، حتى لو دَفنا معها مظلومين.
5- القضية الخامسة هي كيف يتعامل المجتمع مع الفضيحة الإلكترونية، فالطالبة رقية أحبت شاباً يتكلم معها من حساب مستعار ووثقت به دون أن تعرف من وراء الحساب، وأرسلت له صوراً لها دون حجاب، فقام بنشرها، فانهالت الشتائم والاتهامات على المراهقة الطائشة دون أن يسأل أحدٌ من هذا الذي خلف الحساب؟ أليس هو أيضاً مجرم ويجب محاسبته؟ أم فقط يجب مهاجمة الضحية كما يحدث في كثير من قضايا الابتزاز الإلكتروني فيفر المجرم دون عقوبة ليوقع ضحايا آخرين.
6- القضية السادسة أيضاً في ذات المشهد في فضيحة رقية أتت على لسان أمها في جملة "مين رح يخطبك وحتى خواتك مين رح يتزوجهن بسبب فضيحتك هاي". الكثير من الفتيات تعاقب على أخطاء المراهقة رغم أنها كبرت وأصبحت أكثر وعياً، لكن في مجتمعنا تبقى ضريبة الأخطاء مفتوحة للدفع، وحتى أن أخوات الضحية يدخلن أيضاً في نطاق الضريبة المدفوعة رغم أنهن ليس لهن أي ذنب، وهذا ما يحصل في بلادنا؛ الكثير من الفتيات يتم تهميشهن وعدم الزواج منهن بسبب أخطاء أقاربهن، من عم سيئ وخال سُمعته ليست جيدة أو أخت مطلقة -وهذا عيبٌ جسيم في رأي المجتمع- رغم أن الفتاة سُمعتها طيبة وحسنة.
7- القضية السابعة هي قضية التحرش، فقد قام رجل في الأربعين من عمره بالتحرش بفتاة مراهقة "نوف" رغم صراخها ومحاولة إبعاده لكنه بقي مُصراً على فعله، حتى تدخلت زميلتها وأنقذت الموقف، وأرادت طلب الأمن والصراخ لفضحه لكن الضحية أسكتتها خوفاً من جلب الفضيحة لنفسها، وهذا ما يحدث دائماً، تخاف الضحية من التكلم لأن الناس سوف يسقطون اللوم عليها، وبرأيي هذا هو وقود جريمة التحرش؛ فالمتحرش يعتمد على خوف ضحيته من الناس فلن تفضحه، ويعتمد أيضاً على أن الناس سوف تلقي اللوم عليها، فيكمل جريمته براحة وأمان، فنحن نوفر له الحق الكامل بالتحرش.
في ختام المسلسل، الضحية الأولى "مريم" تقوم بفضح "ليان" وتتسبب بقتلها عقاباً لها معتمدة أيضاً على مقصلة مجتمعية أخرى، كما قامت هي بالاعتماد على مقصلة التنمر والمرض النفسي؛ لتنقلب في الأحداث من جلاد إلى ضحية.
على جانب آخر، كتب البعض عن لباس الممثلات وحفلاتهن وهذا في رأيي ليس بشيء غريب فهو محاكاة لصورة المجتمع الآن، وأيضاً اعترض البعض على علاقة مراهقة بشاب والخروج معه، لكن ما حدث في النهاية بين أن عاقبة الطيش خطيرة، فالمسلسل وضح الضريبة التي دفعتها ليان في علاقتها الغرامية ولم يدعُ لهذا النوع من العلاقات، بل أوضح النهاية كيف ستكون، وهذا كان نقطة جيدة في رصيد المسلسل.
أنصح بمشاهدته دون التركيز على تسلسل الأحداث كدراما وللتسلية، بل تناول القضايا التي عرضها وقراءتها بموضوعية، فهي حقاً قضايا مجتمعية مهمة وتمس الأجيال الجديدة، حتى لو طرحت بمسلسل يعد نقلة نوعية عما تعودته الشاشة الأردنية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.