“القاهرة كابول”.. وزئبق “سينرجي” الذي قتل ضمير عبدالرحيم كمال وحوّله إلى بوق أمني

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/22 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/22 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش
الكاتب والسيناريست المصري عبدالرحيم كمال/ مواقع التواصل

إذا كنت مواطناً عربياً عشت أغلب سنوات طفولتك وشبابك مع القصص والأساطير، فبالتأكيد قد سمعت عن المادة السحرية التي تحاك حولها عشرات الحواديت ويلهث خلفها الجميع طمعاً في السعادة والمال والنفوذ، كيف لا؟ وبقطرة واحدة منها يتحول الحديد الصلب إلى ذهب لين تشكله كيفما شئت لتبيعه بعد ذلك بملايين الجنيهات، إنها الزئبق الأحمر الذي يعيش أغلب المصريين حياتهم وهم يؤمنون بقدرته الخارقة على تحويل المعادن إلى ذهب، في تجسيد سحري لعبقرية المصريين القدماء الذين صاغوا كل شيء حولهم من المعدن النفيس.

ورغم أن كل ما يقال عن تلك المادة هو محض أساطير، فإننا نعيش الآن تحت تأثير مادة مشابهة تستطيع أن تغير المعادن إلى مواد أخرى بمكالمة هاتفية سريعة. ليست المعادن المستخرجة من باطن الأرض، بل معادن النفوس وضمائر الأحياء، ولن تتحول المعادن إلى ذهب بالتأكيد، بل ضمير ميت و"سكريبت" مخابراتي يخلو من الإبداع ويمتلئ بالتعليمات والتعديلات الأمنية، إنها مادة "سينرجي" السحرية التي تحول بمكالمة هاتفية المبدع إلى لجنة إلكترونية، وتحول إبداعه إلى سردية مخابراتية ركيكة لا يقتنع بها أي إنسان ذي عقل أو ضمير حي.

وفي الموسم الرمضاني الحالي تنشط هذه المادة وتتفاعل بقوة مع أقلام المبدعين مخلفة وراءها تاريخاً مشوهاً والكثير من الحقائق الناقصة. ولنكن أكثر صراحة، فإن تفاعلات هذه المادة تنشط على شاشات التلفاز منذ سنوات، ولكن تأثيرها طالني هذه المرة وأصابني بالكثير من الحزن، وتحديداً عندما اعتمدت على مادة إبداعية فريدة، وهي الكاتب عبدالرحيم كمال.

فهذا المبدع الذي جسد بعبقرية شديدة الشيطان في ونوس، وسرد تاريخ مصر في فيلم الكنز بجزئيه الاثنين، ونقل عبقرية الصعيدي في يونس ولد فضة وشيخ العرب همام، وقع فريسة للزئبق المخابراتي ليتحول تماماً في رمضان 2021 ليكتب لنا عملاً أقل ما يقال عنه إنه ركيك سخيف لا يتشابه مع أعمال عبدالرحيم في شيء سوى أنه زُين باسمه تحت عبارة قصة وسيناريو وحوار.. "القاهرة كابول".

هذا المسلسل الذي يقوم ببطولته نخبة من النجوم، هم أيضاً لا يقلون عن عبدالرحيم في إبداعهم، ولا تليق عليهم صبغة سينرجي؛ ليخرج إلينا العمل في ثوبه الأخير مثيراً للغاية للاشمئزاز والغيظ وكل ما هو سيئ.

فالمسلسل الذي يحاكي بداية الألفية الثالثة، حيث نشطت حركات الجهاد الإسلامي في أفغانستان، انسلخ من الواقع الزمني لتلك الحقبة بتعليمات سينرجي؛ ليصور الاحتلال الأمريكي لأفغانستان كخطة إنقاذ لبلد يتهاوى، وإن كانت أفغانستان قد انهارت بالفعل على يد بعض الجماعات المتطرفة، فإنه وبكل تأكيد لم يكن الاحتلال الأمريكي أقل تطرفاً منها، بعدما تسبب في مقتل آلاف الأفغان الأبرياء في حرب قاسية دفع ثمنها الشعب الأفغاني وحده، ورغم ما سببه الاحتلال من دمار في البلاد فإن عبدالرحيم تجاوز حدود الشرف والمقاومة والإنسانية عندما خط أول مشاهد المسلسل لعملية انتحارية قام بها أحد "الجهاديين" ضد معسكر أمريكي، وإن اختلف البعض حول العملية وتصنيفها ما بين المقاومة والإرهاب، إلا أن من قام بها في النهاية هو مواطن أفغاني ضد مستعمر غربي للبلاد، ومع ذلك أضاف صناع العمل الموسيقى البكائية للمشهد الذي يصور مقتل المحتل الأمريكي وسقوط علمه الغاصب المرفوع فوق أراضي الغير.

كما أن الصبغة الأمنية التي طبعت لونها على قلم عبدالرحيم لم تتوقف عند ذلك، فالكاتب المبدع تناسى الأخطاء الكارثية التي وقعت بها الأنظمة العربية، على رأسها نظاما حسني مبارك والملك فهد في المملكة السعودية، اللذان شجعا على مدار سنوات الشعوب العربية للذهاب إلى أفغانستان بإيعاز أمريكي بهدف مقاومة المحتل السوفييتي لكابول، ليعود في النهاية لأوطاننا الآلاف بعد أن تغذت عقولهم بالأفكار المغلوطة عن الجهاد والإسلام من تأثرهم بالحركات المتطرفة في أفغانستان، تأثراً يدفع ثمنه الشعوب العربية حتى اللحظة، وهو ما تغافل تماماً عن ذكره عبدالرحيم عندما قرر الكتابة لصالح الزئبق المخابراتي "سينرجي".

ولنعُد للواقع الحالي قليلاً، فمسلسل القاهرة كابول لم يخلُ من الرسائل السياسية التي حاول عبدالرحيم جاهداً إيصالها لعقول المشاهدين، مستخدماً بركاكةٍ المخضرمَ نبيل الحلفاوي، الذي لا يتوقف طوال أحداث المسلسل عن الربط بين الجماعات المتطرفة وبين حركات الإسلام السياسي، متغافلاً عن الدور السياسي والاجتماعي البارز لتلك الحركات داخل المجتمع المصري آنذاك، بل متغافلاً حتى أن تلك الجماعات مارست نشاطها تحت قبة البرلمان، وفي أروقة النقابات العمالية، وهو ما يختلف كلياً وجذرياً عن الجماعات المتطرفة التي نشطت في أفغانستان في تلك الحقبة بل ويتعارض بالضرورة معها.

ليخرج إلينا العمل في النهاية بعيداً تماماً عن سياق الأحداث، ومتغافلاً عن الواقع الزمني للقصة، وأخيراً مشوهاً للغاية للتاريخ، ومدافعاً بضراوة عن الأخطاء السياسية للأنظمة العربية في تلك الحقبة، وقبل كل ذلك يخرج لنا العمل معلناً عن وقوع المبدع تحت تأثير الزئبق المخابراتي وتحول معدنه الإنساني إلى ضمير ميت بلا روح.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر عادل
صحفي مصري
حاصل على بكالريوس الإعلام
تحميل المزيد