"بفلوسك وبمالك هتنول اللي في بالك.. ولا أصلك ولا فصلك ولا حسنك وجمالك"
تتردد في ذهني أغنية الفنانة تحية كاريوكا، التي غنتها بفيلم "فيروز هانم" قبل حوالي 70 عاماً، وأنا أتابع كواليس المسلسلات التي لم ينته تصوير أكثرها بعد، ومع ذلك تحولت كواليسها إلى مهازل وفضائح. إذ توالت الانسحابات من جانب مخرجين وممثلين ومديري تصوير في عدة أعمال تلفزيونية مصحوبة بتراشق مهين بالأوصاف، وحالة من "التلقيح" المتعمد تحولت معه صفحات التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب، أما الواقع الفني فظلت اليد العليا فيه لمن يملك المال والسلطة فيفرض بنفوذه الكلمة الأخيرة.
أزمات كثيرة تظل حبيسة الصدور حتى تأتي قشة لتقصم ظهر البعير، فتتفجر القصة كاملة على السطح وتظهر للعيان، تارة خلال عملية المونتاج وتارة بسبب المقدمة التلفزيونية "التتر"، أو بسبب الملصق الدعائي للعمل "البوستر" الذي ينفجر في وجه المشاهدين ليبرز من خلاله من له اليد العليا في العمل، أو للدقة من قام بضخ الأموال في شركات الإنتاج ليتحول العمل الفني إلى "برواز فني" يبرز اسماً بعينه دون غيره من الأسماء فيبدو عملاقاً وسط أقزام من حوله وخلفه.
"بفلوسي"
لم تكد أنباء ارتباط رجل الأعمال محمد حلاوة بريهام حجاج بدايات عام 2019 تظهر للسطح حتى تلاها ظهور ريهام حجاج في أول بطولة مطلقة لها بمسلسل "كارمن" الذي اعتبره البعض نقطة سوداء في تاريخ الدراما المصرية، نظراً للعديد من عوامل الضعف التي شابته. وأكثر ما لفت نظري في "كارمن" هو حالة الإصرار على إظهار ريهام في صورة البطلة الخارقة التي تحل كل المشاكل وتقدم للجميع النصائح السديدة وتنتصر على من ينافسها.
العمل الذي لم يحقق نجاحاً يُذكر كان بداية لبطولة ريهام المطلقة للمرة الثانية مع مسلسل "لما كنا صغيرين" وهي البطولة التي جاءت بطريقة فجة، تعاملت معها ريهام باعتبارها البطل الأوحد في العمل، رغم تواجد أسماء رنانة مثل محمود حميدة وخالد النبوي. لكن السبب الذي دفع ريهام للظهور بمظهر البطلة الوحيدة على أفيش مسلسلها "كارمن" هو ذاته الذي جعلها في المقدمة ومن خلفها نجمان بحجم محمود حميدة وخالد النبوي في بوستر "لما كنا صغيرين".
فضحت كواليسه الكثير من الأخبار المتعاقبة، حيث خرجت نسرين أمين لتحسم الأمر بمنشور عبر صفحتها الرسمية أكدت فيه "إحنا كلنا اتفقنا على المسلسل ده وإحنا عارفين إنه مسلسل ريهام حجاج والنجوم محمود حميد وخالد النبوي على راسنا من فوق وهما بالفعل قبل أي حد على التتر بناء على رغبة ريهام من أول يوم".
"مسلسل ريهام" جملة جرى استخدامها للمرة الثانية على لسان المنتج أحمد عبد العاطي الذي أشار بشكل واضح إلى أن العمل هو "مشروع النجمة ريهام حجاج"، في إشارة إلى أن الجميع يعلم ولا يجب أن يغضب أحد مثل خالد النبوي، خاصة أنه تقاضى الأجر الأعلى.
زي الشمس
على الرغم من عدم وجود صلة واضحة بين المطرب عمرو دياب ومسلسل "زي الشمس" الذي أنتجته الشركة اللبنانية "أفلام إيغل" فإن التدخلات الواضحة والعديدة من جانب الفنان توحي بالمثل الشعبي "مَن حكم في ماله فما ظلم"، خاصة أن البطولة المطلقة لدينا الشربيني لم تبدأ إلا عقب أنباء ارتباطها بعمرو دياب التي تصاعدت مع بدايات 2017 لتبدأ من بعد هذا العام رحلة البطولة المطلقة، كانت البداية مع مسلسل "مليكة" عام 2018 ثم "زي الشمس" 2019 الذي شهد بدوره حالة غضب بسبب تصدرها للبوستر بحجم أكبر من حجم بقية الممثلين، و"لعبة النسيان" 2020 وأخيراً هذا العام مسلسل "قصر النيل" الذي بدت لمسات عمرو فيه واضحة رغم أنباء الانفصال، حيث أهدى فريق عمل مسلسل دينا الشربيني زجاجات من العطر الجديد الخاص به.
ولا أدري السبب الذي يدفع الممثلة زينة إلى الاستمرار في أدوار البطولة رغم عدم تميز أي من أعمالها السابقة، الأمر الوحيد المميز هذا العام بشأن مسلسلها "كله بالحب" هو انسحاب عدد من زملائها بسبب سيطرتها على كافة التفاصيل في المسلسل بما فيها التتر، الذي ظهر فيه اسمها 4 مرات بينما ظهرت صورتها طوال مدة التتر تقريباً!
من قالوا لا في وجه من قالوا نعم
"يبدو لي ظاهراً جلياً في هذه اللحظة أن الاعتزال هو الحل"، تلك الجملة قالها خالد النبوي العام الماضي في بيان رسمي، اعتراضاً على ظهور ريهام حجاج بمظهر البطلة الوحيدة على البوسترات الخاصة بمسلسل "لما كنا صغيرين"، وفي الوقت الذي لم يعلق فيه محمود حميدة على الأمر، بدا أن الموقف كان مزعجاً لخالد النبوي لدرجة أنه تعرض لأزمة قلبية دخل على إثرها إلى أحد المستشفيات بسبب ما تعرض له من ضغط عصبي ونفسي وأدبي، لكن "لا" التي أطلقها كانت سبباً في تغيير "البوسترات الدعائية".
"لا" أخرى أطلقتها المخرجة كاملة أبو ذكري التي انسحبت من تصوير مسلسل "زي الشمس" من بطولة عقب إتمام 10 حلقات وتحضير باقي المسلسل، من ملابس ومواقع تصوير، لكنها مع ذلك رفضت أن يتم وضع اسمها عليه بأي شكل حتى لو كان ذلك في صورة شكر خاص، لتكشف لاحقاً الضغوط التي تمت ممارستها عليها "ماسيبتوش لكن اضطريت أمشي.. مش عايزة أهزأ نفسي"، مشيرة إلى أنه قد تم تهديدها بأنها لو لم تنصع لما يُملى عليها ستصبح مغضوباً عليها ولن تجد عملاً مرة أخرى.
لم ترغب كاملة في سرد تفاصيل، وكانت المرة الوحيدة تقريباً التي تظهر فيها لتتحدث عن الأمر بوضوح في برنامج المذيعة منى الشاذلي لكن حديثها كان يوحي بوجود تدخلات فجة تقلل من قيمتها كمخرجة وتتخطى نطاق مسؤولياتها.
الصورة تبدو أوضح مع ذلك التقرير الذي يشير إلى تدخل عمرو دياب في كل كبيرة وصغيرة تخص المسلسل بما في ذلك التصوير والمونتاج، حتى موسيقى التتر التي شملها الخلاف أيضاً، ففي الوقت الذي تعاقدت فيه كاملة مع تامر كروان لتأليف موسيقى المسلسل كان لدى عمرو دياب وجهة نظر أخرى، حيث فضّل أن يكون التتر من تنفيذ شركة الإنتاج الخاصة به "ناي"، الأمر الأكيد أن التدخلات الخارجية وانعدام السيطرة من جانب كاملة على العمل كانت السبب.
خارجون عن السيطرة
حالة انعدام السيطرة على الأعمال ظلت تطفو من وقت لآخر على السطح، ففي عام 2019 شكا منتج مسلسل "كارمن" عجزه عن السيطرة على ريهام حجاج وشريكها في البطولة محمد الكيلاني، مؤكداً عدم مسؤوليته عن تصرفات أشخاص لا يستطيع السيطرة عليهم. وذلك على خلفية تصرفاتهم المتعالية مع الصحفيين خلال مؤتمر خاص بالعمل تحدث خلاله كل من ريهام حجاج ومحمد الكيلاني مع الصحفيين بطريقة متعالية، لكن المنتج أتم العمل لنهايته وهو ما لم يحدث هذا العام مع مسلسل ريهام حجاج التي تعرضت لسلسلة من الانسحابات باتت تهدد مسلسلها بالتوقف.
الفنان الشاب أحمد السعدني أعلن غضبه أيضا ووقف ليقول "لا" في وجه زينة اعتراضاً على تدخلاتها العديدة في صناعة المسلسل وعلى رأسها "التتر" و"البوسترات الدعائية" و"الأفيشات"، وقال في بيان عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "أعلن بشكل رسمي انسحابي من المسلسل المهزلة، وتقدمي بشكوى رسمية للنقيب الدكتور أشرف زكي ضد شركة الإنتاج، للخرق الواضح للعقد الموقع مع الشركة، متمسكاً بكل حقوقي المادية، الحقيقة أنا عمري ما عملت مشكلة في شغلي وعمري ما اختلفت مع زمايلي، المسلسل شغال فيه 24 ساعة مبروحش بيتنا عشان يلحق العرض، ساكت وبعدي بلاوي عشان الزنقة والظروف".
وأضاف: "للأسف شركة الإنتاج ما التزمتش معايا باتفاقها اللي على أساسه وافقت أشتغل وكان شرط أساسي لقبولي الشغل معاهم، والحقيقة أول مرة أشوف تصميم دعاية عمل فني من أفيشات وبرومو بتعمله زميلة في العمل، طول عمري كنت فاكرها من اختصاص شركة الإنتاج، الحقيقة أنا ضهري في الحيط، أكمل وأقبل بالعبث ده عشان باقي الزملاء الفنانين والفنيين المشاركين في العمل اللي ملهمش ذنب، ولا أقعد في بيتنا واكتفي باللي صورته وأطلب من النقابة تجيبلي حقوقي المادية، وفي كل الأحوال أنا بعتذر لأي شخص بيحبني عن تواجدي في هذا العمل لأن الحقيقة اللي بيحصل ده مهزلة".
على خطاه سار الفنان مصطفى درويش، الذي أعلن بدوره الانسحاب من المسلسل لذات السبب، وقال: "أعلن انسحابي ورفع قضية على الشركة المنتجة لإخلالها بشروط التعاقد"، وسخر درويش من ظهور اسم زينة عدة مرات بالتتر وسيطرتها في الظهور طول الوقت إن لم يكن باسمها فبصورتها: "هو فيه شركة تحط اسم ممثلة ونجمة عمل 3 مرات على التتر وتيجي على باقي نجوم العمل.. ماكنتوش سميتوه كله بالحب، كنتو سموه كله بالزينة.. غلطة ندمان عليها فعلاً وأنا بعرف آخد حقي كويس وبطريقتي".
موسم الانسحابات
قبل بداية شهر رمضان بأيام قليلة أعلن المخرج كريم العدل انسحابه من العمل بمسلسل "وكل ما نفترق"، حيث تدخلت البطلة ريهام حجاج في عمله، وحين أبدى اعتراضه أعلنت بوضوح "بفلوسي"، لكن الأزمات لم تقف عند ذلك الحد، حيث توالت الانسحابات غير المؤكدة بشكل قاطع من جانب المؤلف محمد أمين راضي، ومدير التصوير سامح الأمير.
مع الوقت بدا أن الأمر أبعد من مجرد أزمة بين ريهام حجاج والثلاثة المذكورين وحدهم، حيث اشتعلت الأمور أكثر مع حالة التراشق بالألفاظ بينها وبين أيتن عامر التي هددت بدورها بالانسحاب وتعالت بين الفنانتين وتيرة الغضب.
كانت البداية عند أيتن عامر التي غردت عبر تويتر بأن هناك مشكلة في عمل ما تشارك به دون إشارة إليه، ثم لم تلبث أن كتبت عبر صفحتها الشخصية بفيسبوك عقب انسحاب كل من أحمد السعدني ومصطفى درويش من "كله بالحب" قائلة عبر هاشتاغ بعنوان موسم الانسحابات "خدوني معاكم"، لكن ريهام حجاج ذهبت أبعد وكتبت عبر صفحتها الشخصية: "عشنا وشوفنا إن أخت البطل إللي أدام البطلة طمعانة يبقى دورها أكبر من البطل"، لكن رد أيتن بدا أقوى حين نشرت ميم بعنوان "ماشوفتش في بجاحتك"، وراحت تعدد الاتهامات الموجهة لها قائلة: "بقى أنا بروح الأوردر متأخر، بقى أنا طلبت زيادة مساحة دوري، بقى أنا بفتعل المشاكل في الأوردرات!".
وعقب تسريب ريهام حجاج أخبار وكواليس المسلسل للصحافة من مصادر مجهلة أن أيتن تفتعل المشاكل والأزمات داخل التصوير كتبت: "الفشل حتى في تسريب الأخبار الغلط يا ربي إيه ده".
وماذا بعد؟
للوهلة الأولى ظننت أن مستقبل هذه النوعية من الأعمال إلى زوال، خاصة مع حالات الرفض العنيفة للتدخلات غير المنطقية من جانب شخوص من خارج الاختصاص، لكن في المقابل ثمة مَن يرضون بأن يصبحوا بديلاً وأن يستكلموا المهازل لتخرج إلى النور، كما أنهم لا يجدون غضاضة في التدخلات بأي حال، المخرج سامح عبد العزيز لم ير أزمة في استكمال مسلسل "زي الشمس"، الذي عدته كاملة من قبله "إهانة"، أما المخرج مصطفى أبو سيف فارتضى بما لم يقبل به كريم العدل في مسلسل "وكل ما نفترق".
العمل على طريقة المثل الشعبي الشهير "اربط الحمار مطرح ما يقول صاحبه" هي الضامن الأساسي لاستمرار تلك النوعية من الأعمال، طالما أن هناك رأس مال ستتواصل مشاريع صناعة "نجوم" من لا شيء.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.