هل يجوز الترحم على نوال السعداوي؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/24 الساعة 08:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/24 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش
الكاتبة المصرية الراحلة نوال السعداوي - مواقع تواصل

هل يجوز الترحم على نوال السعداوي؟ هل الترحم مسألة سياسية أم فقهية؟

كثيرة هي الأسئلة التي غزت تطبيق الـclubhouse  بالأمس تدور كلها في فلك تلك السيدة وجواز الترحم عليها، نقاشات حادة في التطبيق الأكثر شهرة واستعمالاً في الوقت الحالي بين رافض ومؤيد جعلتني أقف متسائلة:

هل حقاً لا تزال قضية الترحم على شخص هي مشكلة عصرنا كما كانت قضية الترحم على مايكل جاكسون قبل خمسة عشر عاماً؟ وهل خمسة عشر عاماً لم تكن كافية لإيجاد إجابة لهذه القضية الشائكة؟!

هل بتنا نحيا في سلام وراحة وأمن مادي ومعنوي ولدينا من الفائض في حياتنا ما يجعل شغلنا الشاغل حالياً قضية الترحم على الأموات بعد رحيلهم إلى بارئهم؟!

أنا لست ضليعة في أمور الدين ولا أملك الحق في الفتوى، ولكن ما أثار الفوضى في نفسي كان سؤالاً لم يتوقف عن النقر داخل رأسي المنهك؛ من نحن في منظومة الكون الكبرى حتى نطلق الأحكام ونمنح أنفسنا الحق في قبول شخص أو رفضه والجزم قطعاً بأنه لا يملك الحق في الرحمة؟

ومن نحن في هذه الدنيا الصغيرة لندّعي معرفة ما يدور في عالم ما بعد الموت وأسراره لنلحق بالموتى في قبورهم فنقيّمهم ونصدر الأحكام عليهم وهم بين التراب؟!

أي جبروت وسلطة تلك التي نحملها في نفوسنا لنناقش الرحمة التي احتفظ بها الخالق لنفسه والتي وحده يملك مفاتيحها وأسرارها، ووحده فقط يعلم هل سنكون ممن تجوز عليهم الرحمة أم لا؟!

ما الذي يجعلنا نعتقد أننا نملك زمام الكون فنؤيد ونرفض ونصرخ على كل من يعارض تفكيرنا ونتراشق التهم بين بعضنا وكأننا بتنا نعرف نواميس الكون الخفية دون أن ندرك أننا لسنا إلا مخلوقاً كباقي المخلوقات، كل ما جعلنا نعتقد أننا الأفضل هوعقل منحنا إياه الخالق وليتنا عرفنا كيف يمكن لنا استخدامه. ففي عالم غارق في وباء الكورونا وفيروس (كوفيد-19) و(كوفيد-20) لم نستطع توظيف عقولنا إلا في قضية الترحم على نوال السعداوي وجوازها!

روسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين كل تلك الدول استطاعت الوصول للقاح كورونا وبفترة زمنية لم تتجاوز العامين لتتنافس شركات الأدوية الخاصة بها الآن على تطوير فاعلية اللقاح، فالنسبة في فاعليته يجب أن تكون 100% لا 95%!

أما نحن وطن عربي كامل مؤلف من اثنتين وعشرين دولة لم نستطع التنافس ولو من بعيد على فكرة إنتاج لقاح، فكل ما نفعله هو الانتظار فقط. هم يبتكرون ونحن ننتظر. ويا ليتنا ندرك ما معنى الانتظار، فكما قالت صاحبة الجدلية الأكبر هذه الأيام نوال السعداوي:

"لا يموت الإنسان في السجن من الجوع أو من الحر او البرد أو الضرب أو الأمراض أو الحشرات. لكنه قد يموت من الانتظار.. الانتظار يحوّل الزمن إلى اللازمن، والشيء إلى اللاشيء، والمعنى إلى اللامعنى".

فهل نحن ندرك أننا أسرى الانتظار في المرحلة الحالية؟ وهل ندرك أن المرحلة القادمة هي وجه يحمل ملامح جديدة للعالم يتم قيادة الشعوب فيها بلقاح لا نعرف منه سوى حقنته؟! هم يبتكرونه ونحن نمدّ أذرعنا ليُغرس فيها بخوف وتردد.

إلى متى سنبقى شعوباً مستهلكة اعتادت على اتباع الحلول ولم تعتد أن تكون ضلعاً فيها؟ وإلى متى ستبقى حواراتنا قائمة على مواضيع جدلية لا تحمل جواباً شافياً لأنها تحمل كل الاحتمالات بين الصح والخطأ والقبول والرفض؟ إلى متى سيسير العالم في تيار ونحن نسير في تيار معاكس بحثاً عن جواب لسؤال جدلي نعتبره مصيرياً لم نجد إجابته حتى الآن كسؤال "هل يجوز الترحم على نوال السعداوي؟!". 

 إلى متى؟! وفي وسط تلك التساؤلات علا صوت الدكتور مصطفى محمود في ذهني الشارد فجأة ليقول بأسلوبه الهادئ: "لو انتشر فيروس قاتل بالعالم وأغلقت الدول حدودها وانعزلت خوفاً من الموت المتنقل، ستنقسم الأمم بالغالب إلى فئتين، فئة تمتلك أدوات المعرفة تعمل ليلاً ونهاراً لاكتشاف العلاج.. والفئة الأخرى تنتظر المصير! وقتها سيعلم الجميع بأن العلم ليس أداة للترفيه فقط.. بل وسيلة للنجاة".

نعم العلم ليس أداة للترفيه بل وسيلة للنجاة، ولكن توقف الضجيج فجأة داخل الـclubhouse بعد أن أُقفل الحوار بلا نتيجة ليبقى صوت الدكتور مصطفى محمود وحده يردد في ذهني: "ستنقسم الأمم بالغالب إلى فئتين، فئة تمتلك أدوات المعرفة تعمل ليلاً ونهاراً لاكتشاف العلاج.. والفئة الأخرى تنتظر المصير!".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رنا اليسير
كاتبة أردنية ومهندسة معمارية
مؤلفة سينمائية وروائية، آخر أعمالي رواية (بين ووهان وفنلندا شمس باردة) ورواية (لست قديسة)، حاصلة على الماجستير في الهندسة المعمارية- تخصص السلوك الإنساني.
تحميل المزيد