تطل علينا النجمة البريطانية روزاموند بايك في فيلمها الأخير "I Care A Lot" متقمصة دور المحامية "مارلا غريسون" المتفانية في عملها بمهنية وإخلاص غير اعتياديين. إذ تدير مكتب محاماة تتولى من خلاله قضايا ومهام الوصاية الاجتماعية الكاملة على كبار السن الذين يعانون من أمراض نفسية تجعلهم غير قادرين على الاعتناء بأنفسهم، وبالتالي تتحصل على حق التصرف والإدارة في جميع أمورهم وممتلكاتهم، وعلى رأس تلك الممتلكات ثرواتهم وأصولهم. لكن مارلا لا تفعل ذلك حرصاً على حياة وثروات كبار السن، بل تقوم بالكثير من الخدع والألاعيب لتضع أولئك الأثرياء تحت وصايتها.
تنجح المحامية مارلا في تكوين فريق بارع لمساعدتها على اختيار ضحاياها من الأثرياء العجزة، الذين يمتلكون الكثير من الأصول والمدخرات. وتعمل وفريقها على إثبات أن هؤلاء الأشخاص غير قادرين على الاعتناء بأنفسهم وإدارة حياتهم بشكل سليم، أي ترفع عنهم صفة الأهلية، وذلك من خلال قدرتها على الخداع والاحتيال الطبي والقانوني. إذ تنجح في إقناع القاضي المفتون بها بوجهة نظرها لتنجح خطتها، وتضيف شخصاً آخر لقائمة الماكثين تحت وصايتها والذين أصبحوا مجرد وسيلة لتحقيق الثراء وضمان حياة مترفة ومرفهة لها ولفريقها.
بالتأكيد، لا تهتم مارلا حقاً لأمر كبار السن التي تتولى أمورهم على الإطلاق، هي فقط تسعى للحصول على أموالهم. وفي سبيل ذلك الهدف، تفعل أي شيء ولا تخشى أي شخص على الإطلاق. لكن الطمع والجشع يوردان العمى والمهالك، ولأن "غلطة الشاطر بألف"، تسيء مارلا اختيار ضحيتها القادمة وتقع في المحظور، ليصبح الطريق الذي اختارته لنفسها ووضعها في مصافّ الأغنياء، هو ذاته ما سيتسبب في تدمير حياتها.
المحامية مارلا في "I Care A Lot" لصة ومحتالة من الدرجة الأولى.. تتجرد من كل صفاتها البشرية وتضع هدف أمامها وهو تحقيق الشهرة وجمع ثروات طائلة.. فتصبح وحش يسير على الأرض متخفية في ملابسها الأنيقة وابتسامتها المزيفة. وبمساعدة طبيبة فاسدة تقوم وفريقها باصطياد ضحاياهم من كبار السن.
في زحام الإنتاجات الفنية، يتطلع المرء منا إلى قصص مختلفة وجديدة، وفيلم I Care A Lot، يأتي ليؤكد لنا حقيقة هامة وهي أننا مخطئون عندنا نعتقد أننا شاهدنا كافة أشكال الشر والفساد التي تكمن في النفس البشرية وتتحق في الواقع. بشاعة البشر لا آخر لها، وتجرد البشر من إنسانيتهم قادر على إبهارنا وتركنا مشدوهين.
مثل المحامية مارلا التي لا تعترف بقانون إلا قوانينها الخاصة. وفي قانونها، لا وجود للخطأ والصواب، الخير والشر.. فقط هناك أسباب وحجج مختلفة لتبرير الفساد والجشع، وهنالك أهداف مادية يجب تحقيقها أياً كانت الوسيلة.
في طيات الفيلم، تبرز مبارزة قوية وشرسة بين اثنين من الأشرار.. منافسة محتدمة على كل هدف وكل فرصة. طرفان كلاهما يكره الآخر، لكن كلاهما مدفوع برغبة محمومة في النجاح والتفوق على الآخر، وكره للهزيمة والانكسار. وكمشاهد لست مضطراً لاختيار طرف على حساب الآخر.. فقط شاهد واستمتع.
عيب الفيلم الوحيد في رأيي هو ضعف الحبكة والقصور الواضح في بنية القصة، خصوصاً في المشاهد المهمة والحاسمة في الفيلم والتي كانت ضعيفة ما أثر على إيقاع الفيلم بشكل عام. لكن عودة روزاموند بايك لصدارة الفيلم بمشهد قوي ومحكم، يعود الفيلم إلى وتيرته الأولى وتشتعل الأحداث.
انتصار الشر
قرأت عديد الآراء المنزعجة من نهاية الفيلم، أو رافضة للفيلم من فرط الشر المتواجد به، أو كارهين لدور روزاموند بايك. لكن الحقيقة أنني لست متفقة مع تلك الآراء، ولا أشعر بضيق من دورها، لأنني لست من أنصار ومحبي تلك الفكرة النمطية عن الأفلام، والتي تنص على وقوع النهاية السعيدة وانتصار الخير، فالشر والفساد متواجدان في الواقع وتجسيدهما في الأعمال الفنية أمر مفيد ولو على سبيل تمثيل الواقع كما هو.
ولذلك أحببت نهاية الفيلم للغاية، وفي رأيي أنها أفضل نهاية ممكنة واستطاعت اختتام الفيلم ومداراة قصور القصة وعيوبها.
أما المعترضون على القصة لكونها تتعرض لمسألة كبار السن بشكل غير لائق. إذ يصنف فيلم I Care A Lot على أنه "كوميديا سوداء". والحقيقة أن الفيلم وبشكل ساخر قدر أن يسلط الضوء على قضية مهمة وحساسة وعرض الفساد المنتشر في قطاع الرعاية الصحية في أمريكا.
تقييم أداء
الممثلة روزاموند بايك في طريقها لأن تحفر اسمها في عالم هوليوود، بقدرتها على تقديم الأدوار الصعبة والمعقدة خاصة تلك الشريرة، بتجسيدها الشر من أجل الشر بطريقة بارعة.
كما يعرض الفيلم أداءً جيداً من الممثل بيتر دينكلاج ولكنه أداء سهل بسيط. وتمنيت لو كان أكثر شراسة في بعض المشاهد وكنت أتمنى أيضاً لو كانت مساحة دوره أكبر. لكن بشكل عام كان أداؤه متمكناً وممتعاً خصوصاً في نهاية الفيلم.من الناحية الأخرى، رأيت أداءً ممتازاً من الممثلة ديان ويست التي استطاعت أن تجسد الشخصية المنوطة بها بكافة أوجهها وبشكل مذهل. فظهرت متمكنة من الدور، وحتى تحول شخصيتها خلال أحداث الفيلم، قدمته بشكل متفرد وممتاز.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.