أسدلت محكمة الاستئناف بمدينة مراكش المغربية، صباح الأربعاء 27 يناير، الستار على قضية محاكمة دنيا بطمة، برفع العقوبة الابتدائية من 8 أشهر سجناً نافذاً إلى سنة، في قضية ابتزاز المشاهير والمعروفة إعلامياً بـ"حمزة مون بيبي"
فيما قررت المحكمة تأييد الحكم الابتدائي لشقيقتها ابتسام بطمة، الذي يقضي بسجنها سنة واحدة، فيما خففت المحكمة عقوبة مصممة الأزياء عائشة عياش إلى ستة أشهر بعدما تمت إدانتها بسنة حبساً نافذاً في الحكم الابتدائي.
وجاءت محاكمة دنيا بطمة بعد إثبات تورطها في أكبر قضية تشهير عرفها المغرب، وبعدما أكدت التحقيقات أن المغنية الشابة كانت وراء حساب في موقع التواصل الاجتماعي، الإنستغرام "حمزة مون بيبي"، مهمته التشهير بالحياة الخاصة للمشاهير.
من حي شعبي إلى مجد النجومية
وُلدت دنيا بطمة في 1 أبريل/نيسان سنة 1991، لعائلة فنية عريقة في المغرب، فعمها هو العربي بطمة، عراب فرقة "ناس الغيوان"، ووالدها وأعمامها أسماؤهم أشهر من نار على علم في البلاد.
كبرت بطمة في أحد أكبر الأحياء الشعبية بمدينة الدارالبيضاء "الحي المحمدي"، وحاولت في سنوات مراهقتها الأولى البحث عن موطئ قدم وسط المجال الفني، إلى أن تحقَّق الحلم سنة 2010، ودخلت أحد برامج اكتشاف المواهب في المغرب.
كانت البدايات الأولى لسليلة آل بطمة، في إحدى المسابقات الغنائية التي نظمتها القناة الثانية المغربية، والتي نالت فيها دنيا إعجاباً وتشجيعاً كبيرين من المتابعين، إلا أن كُل ذلك لم يساعدها في الظفر باللقب، إذ تم إقصاؤها خلال نصف النهاية، وواصلت المحاولة تلو الأخرى لدخول عالم الفن والغناء من بوابة المسابقات الغنائية، لتكون سنة 2013 على موعدٍ مع التألق في برنامج "" منذ أول تجربة أداء.
انتقلت دنيا بطمة للعيش في القاهرة، وتركت خلفها إرث العائلة الذي طبع الذاكرة الموسيقية الشعبية المغربية، ووجدت لنفسها صورة مغايرة لتلك التي يعرفها الجمهور، ثم قررت الانتقال إلى دبي بحثاً عن موطئ قدم في سماء الفن.
التقت دنيا بطمة، المنتجَ البحريني محمد الترك المتزوج والأب لثلاثة أطفال، والذي صعدت به سُلم المجد، فتمَّ عقد قرانه بها كزوجة ثانية وعمرها لم يتجاوز 22 سنة، في حفل أسطوري وسط مدينة الدار البيضاء.
حروب افتراضية لا تنتهي
خيوط تفاصيل سقوط دنيا بطمة في يد القضاء بأكبر عملية تشهير إلكتروني في المغرب، سبقه العديد من الأحداث والتلاسنات بعدما دخلت بطمة في حرب كلامية مع كل من انتقدها، على موقع التواصل الاجتماعي "الإنستغرام".
ورغم تمتُّعها بصوت يشهد الجميع بندرته، اختارت بطمة، بسوء تدبير منها ومُحيطها، التخلي عن التركيز على مسيرتها الفنية، وبدأت حرباً علنية مع كل منتقد أو مخالف لها، حتى أصبحت اليوم منعزلة فنياً واجتماعياً، سواء في المغرب أو خارجه.
لم تترك دنيا بطمة لنفسها حبيباً داخل المجال الفني، فمن حرب باردة مع طليقة زوجها، وأُم أبنائه، إلى حرب علنية مع عشرات الفنانين، منهم الفلسطيني محمد عساف، وحتى الإماراتية أحلام التي دعمتها في بداياتها لم تَسلم من نار بطمة.
أكبر أزمة تسبب فيها الحساب الافتراضي الذي ثبت تورط دنيا بطمة في تسييره، ما حصل للمُذيعة المغربية مريم سعيد، التي أُلغي زفافها قبل يومين من الموعد، بسبب موجة التشهير التي تعرضت لها على الحساب نفسه.
حروب دنيا بطمة لم تخضها مع البعيدين عليها فقط، بل وصلت إلى صراعات حادة مع بعض أفراد عائلتها الكبيرة التي دعمتها في مجالها الفني منذ بدايته، إذ إن علاقة بطمة مع بنات عماتها، وزميلاتها في المجال، كالمغنية خنساء بطمة وشهرزاد بطمة، ليست على ما يُرام.
بررت بطمة، الأم لطفلتين الآن، صراعاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بكونها تُدافع عن نفسها أمام المنتقدين لشكلها، الذين وصفوها بنعوت قبيحة بمجرد ما حققت النجاح في المجال الفني.
وحشدت بطمة وراءها "جيشاً"، أُطلق عليه افتراضياً "الجيش البطماوي"، ترأسته أختها، ابتسام بطمة، التي وقعت أيضاً في قبضة العدالة، وحُكم عليها بالسجن النافذ لمدة سنة.
سقوط في التشهير
تعود تفاصيل محاكمة دنيا بطمة بأكبر عملية تشهير إلكتروني في المغرب إلى العام الماضي، إثر شكاية تقدَّم بها المركز المغربي لحقوق الإنسان، لدى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف في مراكش، وشكايات سابقة وُضعت قبل فترة خلت، بسبب الابتزاز والتهديد والنصب والاحتيال وتشويه سمعة فنانات بـ"تدوينات" تحمل عبارات نابية، والمساس بالحياة الخاصة للعديد من المشاهير ورجال الأعمال، كلها تهم أدت إلى محاكمة دنيا بطمة.
فك لغز هذه القضية انطلق مع توقيف شاب منحدر من مدينة أكادير (جنوب المغرب)، ليتابع في حالة اعتقال بعد الاستماع إليه وحجز حواسبه وهواتفه وثبوت تورطه في حساب "حمزة مون بيبي" على "إنستغرام"؛ وتوقيف أسماء أخرى لها علاقة بالحساب الوهمي المثير للجدل.
وبعد التحريات المنجزة من طرف المكتب الوطني لمكافحة الجريمة المرتبطة بالتقنيات الحديثة بخصوص استهداف مجموعة من الأشخاص بالسب والقذف والتشهير والمس بالحياة الخاصة من خلال حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، تمت متابعة المغنية دنيا بطمة بتهم "المشاركة في الدخول إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال، والمشاركة عمداً في عرقلة سير هذا النظام وإحداث اضطراب فيه، وتغيير طريقة معالجته، وبث وتوزيع أقوال أشخاص وصورهم من دون موافقتهم، عن طريق الأنظمة المعلوماتية، وبث وقائع كاذبة قصد المساس بالحياة الخاصة للأشخاص قصد التشهير بهم والمشاركة في ذلك والتهديد".
محاكمة دنيا بطمة
بعد جلسات ماراثونية، تغيبت خلالها الفنانة المغربية، بعد قبول التماس دفاعها منحها إذن الغياب عن الجلسات السابقة التي تزامنت مع موعد وضعها مولودها، قررت محكمة الاستئناف بمراكش تأجيل النطق بالحكم على دنيا في ملف "حمزة مون بيبي"، بعدما قضت المحكمة الابتدائية في حقها بثمانية أشهر سجناً نافذاً، حيث تتابَع في حالة سراح، في حين حُكم على شقيقتها ابتسام المعتقلة في سجن الأوداية بسنة واحدة نافذة، ومصممة الأزياء عائشة عياش بالسجن لمدة سنة ونصف، وغرامة مالية قدرها 10 اَلاف درهم لكل منهما (1084 دولاراً أمريكياً).
وأثبتت التحقيقات التي أُجريت في قضية حساب التشهير "حمزة مون بيبي"، تورط دنيا بطمة، وشقيقتها ابتسام بطمة، وصديقتها عيشة عياش، والصحفي سيمو بنبشير، في الوقوف وراء التشهير بشخصيات عمومية، وذلك بعدما أُجريت الخبرة التقنية على هواتفهم النقالة.
الأستاذ محمد العجيد، دفاع أحد المشتكين بالملف المثير للجدل، قال في تصريحات سابقة لوسائل إعلام مغربية: "إن عقوبة الحبس لن تطبَّق على الفنانة فورا، حتى وإن كان الحكم الابتدائي ضدّها، لأن فرصة استئناف الحكم أمامها، وإن تمّ تأييد الحكم الابتدائي، وطعنت فيه أمام محكمة الاستئناف، فسيتم إحالة الملف إلى محكمة النقد، وإيقاف تنفيذ العقوبة إلى غاية استكمال الطعون كافة، ثم صدور القرار عن النيابة العامة القاضي بالاعتقال".