توقف عن كونه “الهضبة” وبات لا يشبهنا.. لماذا لم يعد عمرو دياب مطربي المفضل؟!

عدد القراءات
3,095
عربي بوست
تم النشر: 2020/09/01 الساعة 11:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/01 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
عمرو دياب ودينا الشربيني/مواقع التواصل الاجتماعي

أذكر تلك الليلة حين أغلقت أضواء غرفتي، كنت حينها لا أزال طالبة تستمتع بوقتها في إجازة نهاية العام، تمددت على السرير وحملت جهاز الكاسيت العتيق والثقيل على صدري -لم أكن أملك سماعات أذن في ذلك الوقت من عام 2002– أغلقت الباب قبلها بإحكام وسرحت في عالم آخر مع أغاني ألبوم عمرو دياب "أكتر واحد"، رحت أردد أغنية "حبيبي ولا على باله" ولم تكن لغتي الإنجليزية وقتها جيدة فرحت أقول الجزء الإنجليزي من الأغنية بطريقة مضحكة مازلت أذكرها وأبتسم.

أستعيد ككثرين، طفولتي ومراهقتي حين أستمع إلى أغنيات عمرو دياب، ولا ينسى أفراد عائلتي أنني كنت أقول بوضوح أنني أحبه، بينما كنت بعد طفلة في روضة الأطفال تردد أغنيته وقتها "ما بلاش نتكلم في الماضي" حتى إنني مازلت أمتلك تسجيلاً لصوتي الصغير الرفيع وأنا أغنيها وقتها بينما عمري لم يكن يتخطى الخمس سنوات.

علاقة راحت تفتر شيئاً فشيئاً مع الوقت، فجأة شعرت كأن شيئاً ما بات ماسخاً تحديداً منذ ألبوم "الليلادي"، الحق أنني لم أكن من دراويش عمرو دياب، لكنه كان يحسن لفت نظري واسترعاء انتباهي مع كل ألبوم جديد له حتى صار بهجة لكنها ككل شيء لم تكتمل، ظللت أطمح في تغيير يذكر ربما يعيدني إلى الاستماع إلى مطربي المفضل في طفولتي، لكنني علمت أن كل شيء انتهى حرفياً حين شاهدت كليب أماكن السهر.

هل لا يزال على القمة؟

قبل فترة كنت بصحبة صديقتي حين ظهر عمرو دياب مسبوقاً باللقب الذي يثير حفيظتي "الهضبة" سألتني صديقتي إن كان الأمر يستحق كل هذه الضجة، هل لا يزال عمر دياب يتربع على ذات العرش الذي اعتاد أن يتربع عليه من قبل أم أن الأمر بات مجرد اعتياد؟

مقارنة سريعة بين عدد المشتركين في كل من قناة عمرو دياب والبالغ عددهم 4.27 مليون مشترك وقناة منافسه تامر حسني التي يبلغ عدد مشتركيها 6.05 مليون مشترك تظهر بعضاً من الحقيقة، خاصة إذا علمنا أن تامر أسس قناته عقب خمسة أشهر من انطلاق قناة عمرو دياب.

 الصورة تبدو أوضح حين نعلم أن أغنية تامر حسني "مدرسة الحب 2020" والتي ظهرت قبل أغنية "أماكن السهر" بيوم واحد فقط حصدت أكثر من ستة ملايين مشاهدة مع فارق الدعاية والعناصر وكل شيء، ففي النهاية أماكن السهر مجرد "إعلان" لشركة مشروبات غازية استغلت كل ما يمكن استغلاله في "الهضبة" حتى يمكن القول إنه اعتصره فلم يبق فيه شيء للمزيد.

حسنا ربما أبدو متجنية لكن ماذا عن قناة أغاني محمد رمضان الرسمية على يوتيوب والتي بلغ عدد متابعيها 10.7 مليون مشترك، صحيح أنها مسألة أذواق لكن لغة الأرقام هي الأكثر تدليلاً على أنه بات الجمهور يذهب له أكثر من غيره، هي ما تصنع الأسعار.

لم يعد يشبهنا.. لم يعد أسطورة

متى توقف الناس عن تقليد عمرو دياب؟ مازلت أذكر كيف انفجر شتاء عام 2000 بكل هؤلاء الشباب الذي يرتدون بلوفر عمرو دياب في كليب "تملي معاك".

ملابس عمرو دياب وقصات شعره كانت دائماً محل اهتمام وتقليد شريحة واسعة من الشباب حتى حلقة الذقن وغطاء الرأس خاصة ذلك "الآيس كاب" الذي ارتداه في نفس الأغنية، ظلت الأمور على خير ما يرام بالنسبة إلى عمرو منذ صدور أول أغنية له عام 1983 وصولاً إلى عام 2003 حين دبت الخلافات بينه وبين منتجه محسن جابر -شركة عالم الفن- ليفترقا وتبدأ رحلة الانحدار بصحبة روتانا تزامناً مع تلاشي ظاهرة شرائط الكاسيت، رغم كل الجوائز والأرقام القياسية التي ارتبطت بوجوده في روتانا شيء ما اختفى من توليفة عمرو دياب بالنسبة لي، عاماً بعد آخر بت أنتظر ولو أغنية واحد تعجبني حتى جاء ألبوم بناديك تعالى عام 2011 ليتوقف شغفي بالطرب الذي انتهى نهائياً عام 2013 مع ألبوم الليلة، شيئاً فشيئاً شعرت أن جمهوره المستهدف، تركيبة أغانيه، كل ما يتعلق به بات يخص فئة بعينها راحت تتقلص وتصفو حتى بات -في رأيي- مطرب الساحل، فأنت مثلاً لن ترى صورة لعمرو دياب إلا على البحر، حفلاته بالكامل مؤخراً تنطلق باتجاه الساحل الشمالي، حيث جمهوره الجديد الذي يقيم لأجله الحفلات ويصور أكثر كليباته هناك مثل "زي ما انتي" وأماكن السهر.

وصل الأمر إلى مرحلة غير مسبوقة من مطرب قبله، فلم يعد الجمهور حراً في حضور حفلات عمرو، وإنما بات المنظمون هم من يرسلون الدعوات الأمر الذي شكل صدمة  لجمهور حفله في مدينة العلمين الجديدة والذي لم يكتمل لاحقاً لأسباب لم تبد مفهومة ففي الوقت الذي قيل أن الحفل بلا تذاكر أعرب المنظمون أن سبب الإلغاء الخوف من التزاحم!

لم تكن تلك هي خيبة الأمل الوحيدة لمحبيه الذين اكتفى بعضهم بحفل "أونلاين" تم الإعلان عن حضوره عبر تطبيق أنغامي، مقابل 10 جنيهات، لكنه لم يكتمل نظراً لعطل فني قيل أنه بسبب عطل في الشبكة، أما الجزء الذي وصل الجمهور من الحفل الافتراضي فقد بدا مخيباً للآمال حيث قام عمرو دياب بغناء الأغنيات على طريقة "البلاي باك" ما أغضب جمهوره "إيه الجديد؟".

ارتباط غريب بين عمرو دياب وتلك المنطقة تحديداً فلم يعد يظهر صدفة إلا هناك، لن تجده يسير في شوارع منيا القمح أو بورسعيد مثلاً حيث مسقط رأسه لن تراه في القاهرة القديمة أو منطقة شعبية أو حتى وسط البلد، لن تراه سوى هناك إلى جانب البحر مع "كريمة المجتمع" يقابلونه صدفة فيلتقط أبناؤهم الصور بصحبته، هناك في الساحل حيث يقيم حفلاته الخاصة ويخالف ما عاش لينادي به كالحياة الصحية والبعد عن التدخين فتجده يشرب سيجارة حتى أن أبناءه لم يعودوا ينشرون صورهم إلا من هناك!

لم أفقد الأمل فيه فبرأيي لكل جواد كبوة، لكن الألبومات التالية وبالذات ألبوم كل حياتي الذي صدر عام 2018 شكل كارثة يمكنني اعتباره نقطة سوداء في تاريخ عمرو حتى محاولات التجديد وركوب الترند لم تعد تجدي في أغان مثل أغنية يوم التلات  عام 2019، وصولاً إلى ألبوم سهران الذي لاقى احتفاء لم أجد له مبرراً، احتفاء لم أشعر لحظة بأنه صادق يكفي قراءة أسماء أغنيات الألبوم "يا روقانك، هيعيش يفتكرني، زي ما إنتي، حلوة البدايات، عم الطبيب، مكانك في قلبي، بالضحكة دي، روح، جامدة بس، جميلة، مهرجان".

ما تغير في عمر دياب ليس مجرد فريق عمل بات يختلف من ألبوم لآخر ولا مطرب يحاول أن يجدد فيخفق، أو حتى شركة إنتاج تتغير بسبب خلاف تلو الآخر حتى استقر أخيراً مع شركة "ناي"، المسألة أبعد من ذلك في رأيي هي تتعلق بإنسان لم يعد يشبه جمهوره بأي شكل يمكن اكتشاف هذا بسهولة حين نستمع إلى كلمات أغنيته الأخيرة أماكن السهر  من تأليف تامر حسين:

في أي مكان في عيون باصين حواليه..

وياعيني أول مايبان الكل بيجري عليه..

ده جواب بان من العنوان اقروا المكتوب في عينيه..

في أماكن السهر أنا قمري طلع واتشهر..

والناس يقلقوا لو ظهر بيغطي ع الحلوين..

ع البحر إن مشي الموج يهدي ويختشي..

كله بيزعل لو مشي له حبايب بالملايين..

ده حبيبي لو نزل ع الأرض في ناس تعتزل..

وده مين ده مدام يتعزل في مكان مافيهوش مخلوق..

فى أماكن السهر أنا قمري طلع واتشهر.. 

والناس يقلقوا لو ظهر بيغطي ع الحلوين..

يشاور للسما ده جمال محتاج ترجمة.. 

مين شاف كده لا معلمه خليك في مكانك فوق..

لم أستوعب للوهلة الأولى كيف سيهضمها الجمهور المصري الذي سبق له أن سجن فتيات التيك توك بسبب قلة الحياء ثم عاد ليغني "في أماكن السهر أنا قمري طلع واتشهر" كيف انتقلت المعاني التي حرص عليها المؤلفون من عناية وحرص وحماية للحبيبة إلى عرضها في أماكن السهر والتي يعلمها الجميع بالتأكيد!

لماذا أحببناه أصلاً؟

لماذا حققت ألبوماته مبيعات هائلة فيما سبق؟ ولماذا ترجمت أغانيه للغات كالإنجليزية والروسية والكرواتية والبلغارية وغيرها؟ كان عمرو حريصاً طوال الوقت على التجديد والمزج بين ما هو شرقي وما هو غربي خالقاً حالة مختلفة ومميزة عبر آلات موسيقية جديدة تدخلنا في أجواء خاصة وتصنع لنا ذكريات مميزة، لطالما اعتمد على ذكائه وليس على قوة صوته.

الشخص "العادي" الذي عاش حياة تشبه بقية المصريين من بورسعيد إلى منيا القمح إلى القاهرة لم يعد "عادياً" ولا يشبه "العاديين" لا في نمط الحياة ولا الشكل العام ولا حتى في كلمات أغانيه، يشهد على ذلك الأخبار التي نخص عائلته مثل ما سبق وأثير حول ملابس كل من كنزي وجانا وكذلك بعض التصرفات التي لم يعلق عليها الوالد قط.

الغريب أن نجاحاته مازالت تشفع له في الكثير من الأمور ففي حالات أخرى لم تكن حالة الميوعة التي تشمل علاقته مع الفنانة دينا الشربيني لتمر مرور الكرام، حيث لم تظهر أية وثائق ولم يتم عقد أية حفلات أو مناسبات تدلل على عقد قرانهما فقط تأكيدات من أشخاص آخرين على أنها زوجته مثل تغريدة الفنانة هند البلوشي، وغيرها من التأكيدات التي لم تأت على لسان أي من الطرفين دينا وعمرو، ربما لهذا حظيت أماكن السهر بهذا القدر من المشاهدات، ليس لجودة الأغنية ولكن للتعرف أكثر على الثنائي الغامض الذي يحرص على الظهور معاً أكثر من الحرص على تأكيد العلاقة أو نفيها.

كانت المرة الأولى الي بدأت فيها التحفظ على حبي لمطرب طفولتي المفضل حين علمت أنه طلق زوجته الأولى وتزوج من أخرى، عادة ما أكره ذلك بشدة في مطربيّ المفضلين، لكن هذا كان أمراً بسيطاً مقارنة بما حدث منه لاحقاً، ففي ظروف عادية كان الناس ليرجموا ذلك الشخص الذي ارتبط بأخرى عقب عشرة 20 عاماً مع زوجته دينا عاشور، كانوا ليطاردوه بصور بناته مطالبين بحسن التربية والعناية، كانوا لينكروا عليه علاقة بلا تأكيدات رسمية، أتخيل مشاعر بناته وزوجته السابقة حين يشاهدون أغنيته الجديدة يتغزل في امرأة دون أمهم، ويصفق له الجمهور لأن نجاحات سابقة لا تزال تشفع له ولأنه لا يزال يملك ما يكفي من الثقة في نفسه ليواصل مشاريعه الفنية حيث ظهرت معلومات بشأن تعاون بينه وبين شبكة نتفلكس التي تنتج مسلسلاً من بطولته لا أتوقع له نجاحاً فما أخفق فيه قبل 27 عاماً بينما كان شاباً بعد لا يمكن أن يتمكن منه وهو على أبواب عقده السابع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد