على الرغم من أنَّ أحداث فيلم Greyhound مستوحاة من تاريخ الحرب العالمية الثانية، إلا أن قصة الفيلم الملحمي، الذي يلعب فيه توم هانكس دور البطولة، لا تستند إلى أحداث حقيقية.
إذ يستند الفيلم على رواية للمؤلف سيسيل سكوت فورستر بعنوان "The Good Shepherd – الراعي الصالح" التي تعود لعام 1955.
وبالرغم من أنَّ الرواية من نسج خيال المؤلف، إلا أن أحداثها تدور في منتصف الحرب العالمية الثانية خلال معركة المحيط الأطلسي في شتاء عام 1942.
ويجسد توم هانكس شخصية قائد البحرية إرنست كراوس (المسمى جورج كراوس في الكتاب)، الذي بعد سنوات من كونه ضابطاً مهنياً يتولى قيادة المدمرة "USS Keeling"، وكان يُرمز لها في الإذاعة باسم Greyhound (غراي هاوند).
ويُفوَض كراوس مجموعة متعددة الجنسيات من 4 سفن مرافقة مهمتها حماية قافلة من السفن التجارية تطاردها غواصات ألمانية من طراز "يو بوت".
وتدور قصة الفيلم على مدى 5 أيام في المحيط الأطلسي حين تكون القافلة المكونة من 37 سفينة بدون غطاء جوي. وبمساعدة مدمرة بريطانية ومدمرة بولندية وطائرة كندية، يتعين على هانكس "كراوس" أن يراوغ ويقاتل ليس فقط غواصات العدو بل عدم ثقته في نفسه.
أحداث فيلم GREYHOUND
من هذا المنطلق تطرح أسئلة عديدة نفسها عن مصداقية أحداث فيلم GREYHOUND أو الرواية مقابل الأحداث التاريخية الحقيقية. نستعرضها في ما يلي، كما عددها موقع History VS Hollywood الأمريكي:
كم دامت معركة الأطلسي؟
على الرغم من أنَّ الفيلم يصور القائد إرنست كراوس والقافلة في غمار معركة المحيط الأطلسي على مدى خمسة أيام في أواخر عام 1942، امتدت المعركة الفعلية طوال سنين الحرب العالمية الثانية تقريباً، بدايةً من 3 سبتمبر/أيلول 1939 وحتى 8 مايو/أيار 1945.
هل كانت مدمرة USS Keeling البحرية حقيقية؟
الإجابة لا. بعد تقصي الحقائق تبين أنَّ المدمرة USS Keeling -التي تحمل اسم رمزي Greyhound- هي من وحي الخيال وهي ليست مدمرة بحرية حقيقية.
وصُوِّر جزءٌ كبير من الفيلم على متن (USS Kidd (DD-661، وهي مدمرة بحرية من فئة فليتشر سُمِيَت تيمناً بالأدميرال البحري أيزالك كيد، الذي فقد حياته على السفينة البحرية USS Arizona خلال الهجوم الياباني على ميناء بيرل في عام 1941.
وظلت المدمرة USS Kidd راسية في مدينة باتون روج بولاية لويزيانا لمدة سنوات، حيث كانت معلماً سياحياً. وأحد الأسباب الرئيسية التي دفعت صانعو الفيلم لتصوير مشاهده على متن هذه السفينة التاريخية هو أنَّ USS Kidd هي المدمرة الوحيدة التي نجت في الحرب العالمية الثانية، ولا تزال محتفظة بالهيئة التي كانت عليها في زمن الحرب.
ما أهمية معركة الأطلسي؟
أحداث فيلم GREYHOUNDالتي تستند إلى قصة حقيقية هي معركة الأطلسي، التي تشارك فيها المدمرة USS Keeling الخيالية.
ركزت المعركة على جهود ألمانيا لقطع خطوط الإمداد عبر المحيط الأطلسي من خلال السيطرة على مياه المحيط. وكانت الولايات المتحدة وكندا بحاجة إلى الحفاظ على التدفق الحيوي للإمدادات والجنود إلى أوروبا من أجل مواصلة القتال.
وعلمت ألمانيا أنَّ قطع خط الإمداد سيمنحها النصر في بريطانيا وبقية أوروبا، وكذلك الاتحاد السوفيتي، وبالتالي إنهاء الحرب.
إذا يعني قطع هذه الخطوط، أنه لن يعود هناك ما يكفي من الرجال أو الطعام أو الأسلحة أو الموارد لصنع الأسلحة.
ولن يكون هناك جنود أمريكيون للمشاركة في عملية الإنزال في نورماندي -التي تمثل ساعة الصفر أو يوم النصر- وبالتالي لن يكون هناك يوم النصر ولا انتصار.
استخدمت ألمانيا أساطيل من قوارب "يو بوت"، المعروفة باسم قطعان الذئاب، بالإضافة إلى العديد من السفن الحربية، للطواف خلسة في المحيط الأطلنطي واصطياد ومهاجمة قوافل الحلفاء، مثلما فعلوا مع القافلة التي كانت تحميها سفن القائد كراوس في فيلم Greyhound.
وكانت الاستراتيجية التي استخدمها الحلفاء هي إرسال مجموعة من السفن التجارية عبر المحيط الأطلسي في قافلةٍ مصحوبةٍ بمجموعةٍ من السفن الحربية، والطائرات أيضاً إذا أمكن.
ومن الناحية اللوجيستية، لم يكن تحريك ما يقرب من 40 سفينة، كوحدةٍ متماسكة، سهلاً على الإطلاق. وكان من الأصعب أن تظل هذه السفن خفية عن أعين الألمان.
كانت معركة الأطلسي أطول معركة متواصلة في الحرب العالمية الثانية. وكان فقدان خطوط الإمداد مصدر قلقٍ مستمر للحلفاء.
وللتأكيد على أهمية المعركة، أطلق ونستون تشرشل اسم "معركة الأطلسي" على إحدى النقود المعدنية، مشيراً عن قصدٍ إلى معركة بريطانيا.
إلى أي مدى اقتربت قوارب "يو بوت" من ساحل أمريكا؟
بحلول أوائل العام 1942، بدأت قوارب "يو بوت" في إحداث دمارٍ مباشرٍ قبالة الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية والجنوبية، إذ ضربت بسهولةٍ السفن التجارية التي كان الدفاع عنها ضعيفاً.
لم يكن الحلفاء قد أقاموا بعد نظاماً للقوافل، ووفقاً لمرصد محمية البحرية الوطنية، فقد غرقت 86 سفينة بين يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز 1942 قبالة ساحل كارولينا الشمالية، ما أودى بحياة أكثر من 1100 بحَّار تجاري.
يتردَّد صدى المخاطر في اجتياز المحيط الأطلسي في تريلر فيلم Greyhound: "الأمر الوحيد الأخطر من خطوط الجبهة هو أن حصول القتال هنا".
غير أنه، بحلول شتاء 1942، بدأت قوارب "يو بوت" تصبح هي الفريسة لا الصياد. أصبحت القوافل التي شملت السفن المرافِقة شائعةً، وبدلاً من الهجوم على سفنٍ منفردة، كان على قوارب "يو بوت" اعتراض القوافل، الأمر الذي تطلَّب منهم العمل في مجموعاتٍ معروفةٍ باسم قطعان الذئاب.
تلا ذلك معارك قاتلة، لكن الألمان لم يكن لديهم الأعداد الكافية لتغطية المساحات الشاسعة للمحيط الأطلسي. وبدأوا يتكبَّدون خسائر فادحة.
غرق ما يقرب من 41 من قوارب "يو بوت" فقط في مايو/أيَّار 1943، ونتيجةً لذلك، قرَّرَت ألمانيا سحب هذه القوارب.
هل شخصية هانكس مبنية على قائد حقيقي؟
لا، فالقائد إرنست كراوس يمثِّل شخصيةً خيالية مبنية على قصة القائد جورج كراوس من كتاب الروائي البريطاني سي إس فورستر بعنوان "The Good Shepherd – الراعي الصالح".
وتغيَّر الاسم الأول للشخصية في الفيلم.
هل اقتربت سفن الحلفاء من قوارب "يو بوت" لدرجة التلامس؟
نعم. وبينما نادراً ما كان هذا يحدث، مثلما في القتال بين مُدمِّرةٍ وغوَّاصة.
تستند الواقعة الخيالية في أحداث فيلم GREYHOUNDإلى حدثٍ يتكشَّف في كتاب "The Good Shepherd" الذي تم تكييف الفيلم معه.
إن الصدام الذي حدث في الواقع، والذي ربما ألهم ذلك القتال الوارد في الكتاب، حدث في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1943، بين مدمِّرة USS Borie الأمريكية و"يو بوت" ألمانية من طراز U-405.
كانت المدمِّرة الأمريكية تحاول دفع القارب الألماني حين تسبَّبت موجةٌ في صعود مقدمتها على سطح القارب الألماني، وقد علق كلاهما في رقصةٍ قاتلة. كان الـ"يو بوت" قريباً للغاية من بنادق المدمِّرة، لذا فتح أفراد الطاقم النار من بنادقهم ورشاشاتهم وبنادقهم الآلية.
وابتُلِعَ القارب الألماني من طراز U-405 في المحيط تلك الليلة، منضماً إلى مقبرة الحرب العالمية الثانية في قاع الأطلسي.
تضرَّرَت المُدمِّرة USS Borie ضرراً بالغة، وسقطت في اليوم التالي.
كم عدد ضحايا معركة الأطلسي التي استمرَّت 6 سنوات؟
أثناء التحقُّق من أحداث فيلم GREYHOUND، تبين أن ما يصل إلى 80 ألف بحار وطيار وبحار تجاري من الحلفاء قُتِلوا في معركة الأطلنطي التي امتدَّت لست سنوات، أي تقريباً طوال فترة الحرب العالمية الثانية.
أما ألمانيا، فقد خسرت من 28 ألفاً إلى 30 ألفاً من أطقم قوارب "يو بوت"، أي حوالي 70% من البحَّارة الألمان الذين شاركوا في المعركة الطويلة.
ومن حيث النسبة المئوية، كانت تلك أفدح خسارة لأيٍّ من القوات المُسلَّحة لألمانيا.
كم عدد السفن التي فُقِدَت خلال معركة الأطلسي؟
من 1939 إلى 1945، فَقَدَ الحلفاء ما يزيد عن 2700 سفينة تجارية. لكن مع ذلك، تمكَّنَت 80% من قوافل الحلفاء من استكمال رحلاتها بسلام.
وخلال الفترة نفسها، خسرت ألمانيا 800 من أصل 1100 "يو بوت".
هل تُصوِّر أيُّ أفلامٍ حال البحار الألماني على متن "يو بوت"؟
نعم. هناك العديد من الأفلام التي صوَّرَت من منظور أطقم العمل في قوارب "يو بوت" الألمانية.
لعل أفضلها هو فيلم Das Boot للمخرج الألماني ولفغانغ بيترسن عام 1981، الذي أبدع في تصوير الظروف البائسة والملل والتوتُّر المُدمِّر للأعصاب الذي عاشه أفراد أطقم القوارب.