في مذكراته التي نُشرت قبل عقد من الزمان في كتاب "فرصتنا الأخيرة: السعي نحو السلام في زمن الخطر" يذكر الملك أنه عندما التقى أرئيل شارون لأول مرة كانت ثلاث سنوات قد انقضت على وجود شارون رئيساً للحكومة في إسرائيل، يقول الملك إن سياسة شارون رفعت منسوب التوتر في المنطقة وبالتالي فلم يكن ممكناً أن يلتقيا قبل ذلك، خاصة وأن شارون رجل ذو سمعة مرعبة اكتسبها منذ عمله مع الهاغاناه، وقاد وحدة خاصة نفذت مجزرة قبيا عام ١٩٥٣، وفي عام ١٩٨٢ تلطخ جبين شارون بالعار بعد المذابح التي حصلت في صبرا وشاتيلا وحصدت ثمانمائة فلسطيني.
حاولت في الفقرة السابقة أن ألتزم بألفاظ الملك فعندما يتحدث عن شارون فإنه يقول إنه ذو سمعة مرعبة وإن جبينه قد تلطخ بالعار، وإن الشعوب دانته، وإنه قلما وجد عربي لا يعتبره قاتلاً جماعياً ومجرم حرب، وكل ذلك ليتحاشى أن ينسب إليه أنه هو من يطلق هذه الألفاظ على شارون، وأما وصف الإرهاب فيخص الملك به ابن لادن والزرقاوي وداعش والمجموعات الشيعية التي مارست إرهاباً للسنة في العراق.
اللقاء
الأول مع شارون كان بدعوة من الملك لفتح ثغرة في جدار العملية السلمية المسدود
وهكذا فقد جاء شارون إلى عمان في طائرة مروحية هبطت به في باحة مبنى المخابرات
العامة في الأردن. يقول الملك إنه حاول الاستفادة من الاحترام الذي يكنه شارون
للملك حسين الأب وللأردن. قال الملك لضيفه إن والده الملك حسين أخبره أن شارون رجل
يحترم التزامه ويفي بوعده، وأنه (الملك عبدالله) يريد أن يبدأ العلاقة مع شارون
على هذا الأساس. وبعد نقاش طويل يعلق الملك بأنه خرج من الاجتماع متأكداً من أن
شارون لم يكن يشاركه وجهة نظره عن السلام. فوجهة نظر الملك أن المصلحة الوطنية
العليا للأردن وإسرائيل لن يحميها ويخدمها شيء أفضل من تحقيق السلام بين إسرائيل
والفلسطينيين. وشارون لا يرى ذلك.
اللقاء الثاني تم في مزرعة شارون في
النقب، وكان لقاءً سرياً وبدعوة من شارون، بين اللقاءين انتهت العملية السلمية
وقطعت إسرائيل شوطاً في بناء الجدار العازل وتمكنت من زيادة عدد المستوطنين اليهود
في الضفة من ربع مليون عام أوسلو ١٩٩٣ إلى أكثر من أربعمئة ألف عام ٢٠٠٣، كما كانت
إدارة الرئيس بوش ليست معنية بالسلام بقدر ما كانت معنية بتغيير النظام في السلطة
الفلسطينية. في ذلك اللقاء حاول الملك إقناع شارون بأن يرتب خطته في الانسحاب من
غزة من جانب واحد بالتنسيق مع الفلسطينيين والمصريين وكان رأي الملك أنه بغير ذلك
سيبدو الانسحاب الإسرائيلي وكأنه إعادة لتوزيع المستوطنين الصهاينة على الضفة.
يبدو أن الملك كان في ختام اللقاء أقرب إلى التفاؤل، ولكن..
تسربت أخبار اللقاء المفترض أن يكون سرياً إلى الصحافة الإسرائيلية، وهذا يحدث عادة في دولة إسرائيل. والأسوأ أن إسرائيل عمدت بعدها بفترة قصيرة إلى اغتيال الشيخ المقعد أحمد ياسين في عملية أزهقت فيها أرواح تسعة آخرين من الفلسطينيين الأبرياء، والأسوأ أن إسرائيل وبعد شهر واحد فقط اغتالت القيادي الحمساوي عبدالعزيز الرنتيسي، يبدي الملك أسفاً لأن هذه الأعمال تجعل السبيل إلى السلام مليئاً بعوامل التفجير.
يقول الملك إن المتطرفين يوجهون إليه النقد بسبب لقاءاته مع قادة إسرائيليين يحملون على كواهلهم تاريخاً حافلاً بأعمال العنف مثل شارون. ويرد بأن القادة مثله لا يتمتعون بميزة اختيار نظرائهم، فهو لا يملك أن يختار رئيس الوزراء الإسرائيلي، فالشعب الإسرائيلي هو الذي يختاره، لكنه يتصرف بناء على إرث السلام الذي تركه له والده، في رأي الملك الذي كتبه أن رفض الإجتماع إلى شارون قد يولد بعض الرضا العاطفي، لكنه رضا مؤقت ولا يحقق النتائج التي نريدها.
لو سمحت لي الفرصة لكنت سألت الملك بعد قراءة مذكراته، لماذا لا يجتمع بإسماعيل هنية، لقد اختار الناخب الفلسطيني هنية بنفس الأسلوب الذي اختار به الناخب الإسرائيلي شارون، وإذا كانت كل جرائم شارون لم تمنع الملك من مقابلته، فهنية لم يفعل شيئاً يشبه فعل شارون وعدم التزام هنية بشروط الرباعية أقل إضراراً بسبيل السلام من الأضرار التي ارتكبها شارون بحق السلام. ألا يحق لنا أن نتصور عدالة ملكية تجعلنا نرى الملك عبدالله بن الحسين يجتمع إلى هنية مرة في عمان وأخرى في بيت هنية في معسكر الشاطئ!
صالح الشحري هو طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.