في بداياتي المهنية وحينما كنت صحفية تحت التمرين بإحدى المؤسسات المصرية القومية المرموقة، وفي أحد الأيام تواصلت مع الفنانة نادية لطفي، حيث كنت أحتاج مشاركتها كمصدر في تحقيق صحفي أقوم به في ذكرى وفاة الفنان عبدالحليم حافظ، أرسلت إليها رسالة وقتها، لكنها فاجأتني بعد أول رسالة، بردِّها عليَّ مباشرة، وكانت طريقتها في الرد بغاية الذوق واللطف، رغم أني مجرد صحفية صغيرة لم يُكتب اسمها بعدُ على تقاريرها الصحفية.
وبالفعل حصلت على تصريحاتها، وتم نشر التحقيق بعد اكتماله، ووقتها أعجب به رئيس التحرير جداً، لكن كانت هناك زميلة لي، عمرها يكبرني بعشرين عاماً كاملة، فتحت النار عليَّ واتهمتني بفبركة تصريحات نادية لطفي، وقالت لي بالحرف: "بقى نادية لطفي ردّت عليكي انتي، دي مبتردش عليا أنا!".
وقتها وحينما كنتُ صحفية تحت التدريب، أتذكر انهياري من الحزن الشديد والبكاء؛ اعتبرت كلامها لي إهانة وجبَّ الرد عليه، فتواصلت مباشرة وللمرة الثانية مع الفنانة نادية لطفي، وطلبت منها قراءة التحقيق الذي قمت بكتابته ونشره، وطلبت منها -إن أعجبها التحقيق- أن أجري معها حواراً صحفياً كاملاً.
حينها استغربت الفنانةُ كثيراً من طلبي وسألتني بتعجب: "لماذا أُدلي بتصريحاتي وبعدها مباشرة أقوم بعمل حوار صحفي كامل؟ على الأقل اجعلي بينهما فاصلاً زمنياً؛ فأنا لا أحب أن يتكرر اسمي في الصحف كثيراً بهذا الشكل".
وقتها كنت خريجة جديدة، أتحدث بمباشرة شديدة دون إخفاء أي شيء، وبالفعل حكيت لها ما حدث معي واتهامات زميلتي لي بأنني قمت بتأليف تصريحاتها ونشرها باسمها.
ضحكتْ جداً وقالت لي بالنص: "بقى هي مستكترة عليكي تصريحين قلتهم ليكي فانتي عايزة تعملي حوار كامل! انتي عايزة تنقطيها"، أجبتها: "لا، الأمر غير متعلق بزميلتي، لكنني أود ردَّ اعتباري الشخصي والمهني"، وطلبت منها أن تقرأ التحقيق، "ولو عرفتِ أنني أستطيع إجراء حوار صحفي كامل يليق بكِ، فأرجوك أعطيني هذه الفرصة"، لكنها فاجأتني وقالت لي: "أنا موافقة حتى من دون قراءة هذا التحقيق".
وبالفعل أجريت معها حواراً صحفياً، ولا يمكنني نسيان لُطفها وكرم أخلاقها، ولا إعجابها بأسلوب وصياغة الحوار والعناوين التي اخترتها بعد النشر، وفوجئت باتصالها بي لتشكرني، وقالت لي: "أحببت شخصيتك وصوتك من الهاتف فقط، لكن حالياً أعجبت أكثر بأسلوبك في الكتابة والحديث، ولو احتجتِ مساعدة اتصلي بي في أي وقت".
وفعلاً بعد مدة اتصلت بها لتوصلني بالفنانة ماجدة الصباحي، وأعطتني رقمها، وأجريت معها هي أيضاً حواراً صحفياً آخر بقصة وكواليس أخرى.
لكن تظل الفنانة نادية لطفي بموقفها معي شخصاً قريباً جداً إلى قلبي. حزنت كثيراً عندما سمعت بخبر موتها، وقلبي بكاها بحرقة، تذكرت مساعدتها لي في بدايات عملي وكل تفاصيل موقفها النبيل كأنه يحدث أمامي الآن.
أسأل الله أن يجعل نصرتك لي وقت ضعفي وأنت بعزِّ قوتك في ميزان حسناتك الآن وأنتِ في لحظات ضعف، وأسأل الله أن يجعل جبرك لخاطري ومساعدتك لي برداً وسلاماً عليك في قبرك، وبحق أنك أنصفتِني حينما لجئت إليك بلا حول ولا قوة، أسأل الله أن ينصفك بالجنة وأنتِ بين يديه بلا حول ولا قوة، وبحق أنك أكرمتِني حين لجأت إليك، أدعو الله أن يكرمك وأنت في جواره، وبحق ما تواضعتِ ولم تتجبري على أحد، أدعو الله أن يلطف بك ويجعل رحمته بك سابقة أي شيء.
لن أنساك من دعواتي أبداً يا لويزا الجميلة الملاك… ووادعاً يا مدام نادية.
مروة جمال خريجة آداب إعلام جامعة عين شمس، باحثة ماجستير في علوم الإعلام وعلم النفس، عملت كصحفية بعدة جرائد محلية ووكالات أنباء دولية، عضو بنقابة الصحفيين، حالياً مذيعة ومعدة برامج بقناة اقرأ الفضائية
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.