في زمن يطل علينا فيه القبح من كل مكان، يحلو لي الحديث عن قامة فنية كبيرة أثرت الحياة الفنية بالعديد من الأعمال المحترمة، وتميزت بحبها وعشقها للغة العربية التي نحتفل بها هذه الأيام .
لا يعرف الكثيرون أن الأستاذ عبدالوارث عسر كان فقيهاً لغوياً، يتقن اللغة العربية، ومن قبلها حفظ القرآن الكريم وتعلم التجويد فيما يعرف بالكُتاب، فكان لسانه طليقاً، مفوهاً، فتحت له هذه الملكات لاحقاً أبواباً واسعة نحو التألق على المسرح المصري في بداياته.
تربَّى الرجل في بيت وطني عريق، إذ كان والده محامياً مرموقاً، يقال إنه هو الذي درب المحامي والزعيم المصري سعد زغلول، وصديقاً مقرباً من الإمام محمد عبده.
ومع إتقانه للغة العربية، رأى في الزعيم المصري مصطفى كامل الملهم له، والقدوة، فتعلم منه فن الإلقاء، فراح يعزز موهبته بالتعلم الذاتي، فألف الأشعار وله ديوان شعر مشهور نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكتب العديد من المسرحيات الوطنية التي كانت تساند ثورة 19، ثم توجه لاحقاً لتدريب الوجوه الجديدة في التمثيل المسرحي على فن الإلقاء بمعاهد التمثيل، إلى جانب أنه كان محاضراً بكلية الإعلام، وله كتب أكاديمية كانت تدرس على طلبة علم التمثيل تتعلق بطريقة النطق، ولغة الجسد، رغم أن آخر شهادة حصل عليها (البكالوريا) أو الثانوية العامة!
كان من أبرز ملامح شخصية هذا الرجل، حبه الشديد لزوجته التي كانت في الأصل ابنة خالته، إذ كان يفتقدها وهي بجواره، ويبحث عنها وهي أمامه، ولهذا لما توفيت دخل في نوبة حزن شديد أردته ميتاً موتاً إكلينيكياً لمدة (3) سنوات حتى توفي في 1982م.
أحاط نفسه بثلة من الأصدقاء المثقفين الأدباء، فكان أقرب الأصدقاء إليه الفنان سليمان نجيب ابن الأديب المعروف مصطفى نجيب، وسليمان هو الذي ألف (مذكرات عربجي) التي انتقد فيها متسلقي ثورة 1919 م.
أتذكر هذا الفنان وأترحم عليه وأنا بالكاد ألحظ فناناً عربياً يتكلم العربية، فضلاً عن أن يتقنها، أو يمتلك الحد الأدنى من الثقافة التي تؤهله لطرح الرسائل القيمية التي يحلو لهم الحديث عنها!
أرفق لكم في المقال أحد إبداعاته وكتابه القيم الذي كان بعنوان "فن الإلقاء".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.