رسالة إلى مؤلف «ممالك النار»: لا تزوِّر التاريخ في زمن الإنترنت مرة أخرى

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/16 الساعة 18:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/16 الساعة 18:17 بتوقيت غرينتش
مسلسل ممالك النار

يصبح من الغباء في عصر الإنترنت أن يتصور أحدهم أن باستطاعته تزوير معلومة ونشرها وإقناع الناس بها.  الأطفال دون العاشرة يجيدون استخدام الإنترنت بكفاءة تسمح لهم اكتشاف التزوير والكذب بضغطة زر واحدة.
هذه المقدمة موجهة إلى مؤلف مسلسل ممالك النار، محمد سليمان عبدالمالك. 

فرغم إبداع المخرج بيتر ويبر في إخراج مشاهد الحرب في الحلقتين 11 و12 إلّا أن مؤلف العمل محمد سليمان ذا الموهبة المحدودة، ما لم تكن معدومة، أضاع مجهود المخرج وأصر على السقوط به فى قاع الفشل في الحلقة الأخيرة، صانعاً عدة مشاهد حولت العمل من عمل تراجيدي إلى كوميدي.

على سبيل المثال، تبدو المشاهد الأخيرة لمقاومة المصريين ساذجة وسطحية، كما أن مشهد إعدام طومان باي يعكس مدى ضحالة موهبة المؤلف وقلة خبرته ومعلوماته. وإذا أردت أن تعرف كيف يضع المؤلف والسيناريست لمساته وإضافاته على العمل فقارن بين فشل محمد سليمان في ممالك النار وروعة وإتقان المؤلف جمال الغيطاني في مسلسل "الزيني بركات". وكلاهما يتحدث عن ذات الحقبة الزمنية. 

مؤلف مسلسل ممالك النار محمد سليمان

وفي قادم السطور سأصحح لسليمان والقائمين على العمل بعض المعلومات والمفاهيم والنقاط التي تقع في صلب عملهم.

  • بعد أن هزم طومان باي بخيانة من جان بردي الغزالي في الريدانية قاد مقاومة شرسة ضد العثمانيين، وكان أشهر معارك المقاومة معركة "بولاق أبو العلا" التي غطت مساحة تبدأ من عند "وكالة البلح" وصولاً إلى "قهوة الصعايدة" حالياً في القاهرة. وفي خضم المعركة كاد سليم الأول أن يقتل. ومعركة كهذه لا يمكن تصويرها في حارة ضيقة مع ساتر خشبي مهلهل لم يستطع الجنود اقتحامه. 
  • عندما عجز سليم الأول عن مجاراة حرب الشوارع في بولاق، قام بوضع المدافع على جبل المقطم وهدد بضرب القاهرة وكانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها المصريون المدافع والسلاح الناري وأصابتهم بفزع شديد. ولم يكن لدى المماليك مدافع كما صور العمل والقائمون عليه كما لم ينزل سليم الأول بالمدافع في الحارة كالتصوير الساذج الذي عرض في ممالك النار.
  • لم يتم أسر طومان باي في المعركة كما صور المؤلف، ولكنه لما اندحرت المقاومة اختبأ ببيت أحد العربان وهو "حسن بن مرعي" والذي قام بتسليمه للأمن الوطني. والظريف أن شخصية حسن بن مرعي ظهرت في الحلقة الثالثة لكن يبدو أن المؤلف نسي لماذا أوجدها فأخرج مشهداً ساذجاً للقبض على طومان باي.
  • كان سليم الأول معجباً بشجاعة طومان باي كمحارب ورغب في ضمه إليه وحاول بالفعل أن ينضم إليه مقابل حكم مصر لكن طومان باي رفض. وكان خاير بك هو من أقنع سليم بإعدام طومان باي لأن في استمراره استمراراً للمقاومة. 
  • يدل مشهد إعدام طومان على سذاجة تصل حد الكوميديا. فمشهد قراءته للفاتحة وترديد الناس خلفه لا يصلح لإعدام طومان باي، ولكنه أكثر شبهاً بمشهد معلمة في مدرسة رياض أطفال تعلم التلاميذ قراءة القرآن. أضف إلى ذلك ابتسامة خالد النبوي غير مناسبة للمشهد إطلاقاً.
  •  عند إعدام طومان باي لم يقل: "أنا سأموت ومصر باقية" وإنما صعد إلى منصة الإعدام ثم قال للجمع "يا أهل مصر اقرأوا لي الفاتحة" ثم نظر للجندي الموكل بإعدامه وقال له ما يعني أن ينجز عمله.
  • المصحف الذي ظهر به طومان باي في مشهد الإعدام مصحف صغير حديث ومغلف ومجلد، رغم أن الطباعة لم تدخل مصر إلّا في عهد محمد علي باشا والمثير للتعجب أن القائمين على العمل أنفسهم صوروا الرسائل في المسلسل مكتوبة على الأوراق الكبيرة الملفوفة فمن أين أتى طومان باي بمصحف صغير مجلد.. هل هذه معلومة تخفى على كاتب وسيناريست ومخرج ومعدين؟ 
  • مشهد الإعدام وتزامنه مع انطلاق زغاريد النساء والمصحف الذي يقع من يد خالد النبوي (طومان باي) والطفل الذي يجري ليلتقط المصحف هو مشهد مسروق، نقل نقلاً من فيلم "عمر المختار". مع إضافة شكل ومكياج لخالد النبوي ليصبح شبيهاً بالسيد المسيح فى فيلم آلام المسيح. وهكذا أخرج المؤلف مشهد الإعدام مسروقاً ومخلوطاً من فيلمي عمر المختار وآلام المسيح.
مشهد إعدام عمر المختار

 الخلاصة هي أن أداء مخرج العمل يمكن وصفه بالجيد، أما أداء مؤلف العمل والسيناريست فلا يمكن وصفه سوى بالمزري. وفيم يخص الممثل خالد النبوي فيمكنني القول إنه أجاد في مشاهد وهبط بمشاهد أخرى أهمها مشهد الإعدام. أما منتج العمل فلن أستطيع التعليق عليه بسبب سوء وفضاحة ما قام به. 

 وفي النهاية شكراً لمسلسل ممالك النار فقد كان فرصة رائعة لتصحيح التاريخ الذي تحاول بعض الدول حديثة العهد والنشأة تزويره.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد حلمي
كاتب ومدون مصري
كاتب ومدون مصري
تحميل المزيد