«ناقص الرجولة، أحاديثه عن الطبخ والبشرة».. شريف مدكور الرجل الذي أخجلنا من أنفسنا!

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/12 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/12 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
الإعلامي المصري شريف مدكور

مع سطوع شُهرته خلال السنين الماضية، بدأت الحيرة والشائعات والأسئلة المريبة تحاصر سيرة المذيع ذي النجاح المتصاعد شريف مدكور.. بدا الرجل غير مفهوم تماماً بالنسبة للكثيرين؛ كيف يخرج رجل ببرنامج عن وصفات الطبخ وتعليم فنون العناية بالبشرة؟ ويقدم فقرات يستضيف فيها مدربي رقص، وأحياناً خبراء في تربية الطفل! خلطة غريبة، جذبت الملايين من المشاهدين، وكان جمهوره الأعظم ومحبيه من النساء.. وكلما زاد نجاحه، زادت الحيرة.

زرع الله حب الرجل في قلوب الملايين، لكنه ظل محيراً لملايين آخرين، محبة! هذا هو سر نجاحه وانتشاره الوحيد؟ بالطبع لا!

وبدأتْ حرب السخرية ضد الإعلامي الشهير، الذي ابتعد ببرنامجه بقدر ما يستطيع عن كل مناطق الصدام التي تتطاحن فيها فئات المجتمع المصري خلال السنين الماضية.. وتصاعدتْ حملات السخرية، لتصل إلى حد التشهير، واتهامه بنقص الرجولة، والخنوثة في بعض الأحيان.. وتجاوز النقد حدوده إلى السفالة التي تتستر بالسخرية والموضوعية.

وعندما سُئل حينها عن تعقيبه، كان رد فعله مشابهاً لشخصيته، هادئاً متسامحاً، خرج ليؤكد أنه لا يلتفت لمثل هذه الحملات، وأنه يكفيه محبة الكثيرين.

رجلٌ هادئ، مختلف في ملابسه وطريقة حديثه، في مجتمع لا يقبل الاختلاف، ويتعامل مع أي شخص يشذ عن اللحن المُتفق عليه أن عِرضه صار مُستباحاً.. لم أكن يوماً من جمهوره، ربما شاهدت عدة دقائق من برنامجه مرة أو مرتين، ولم أجد نفسي مُهتماً بالمحتوى الذي يقدمه.. بعد حملات التنمُّر شديدة الشراسة ضده بدأت أشاهد مقاطع طويلة له عبر يوتيوب، لم أجد إلا رجلاً يحب ما يفعل بصدق، صدق لا يمكن التعبير عنه بالكلمات، بقدر ما يمكن التقاط موجاته في كل ما يُقدمه ويقوله.. هذا رجل بسيط ناجح، يحب ما يفعل، ولا يهتم بشيء آخر.

فكيف يسمح له بهذا مجتمعنا الذي لا يقبل إلا بالنسخة الواحدة المثالية المرسومة على حسب الكتالوج الموضوع؟

منذ عدة أشهر، أعلن شريف إصابته بسرطان القولون.. أعلن الخبر في ثبات مُبتسماً، مُعلناً أنه سيستأصل الورم، سيقاوم، مستعيناً بالله، ولن ينقطع عن عمله طالما ما زال قادراً على أدائه، وأنه سيعتبر تجربته دافعاً للمرضى الذين سيعانون مثله.

هنا بدأتْ ألسنة التجريح تخفت، وبدأت المحبة التي زرعها الله له في قلوب الملايين تطفو للسطح.. الآلاف يدعون له، ربما ملايين.. فجأة صار الرجل الذي كان هدفاً لتنمُّر الجميع، أشهر رجل في مصر تقريباً.. وبدأت الاعتذارات عن السفالات تُكتَب من هذا وذاك.. وشريف الجميل يؤكد للمحبين أنه بخير طالما يدعون له، ولن يستسلم.

شريف مدكور إنسان جميل في زمن لا يشبهه، بسيط في سياق لا يمنح عطاياه غالباً إلا للدجّالين من كل صنف.. رجل يحب ما يفعله، بغض النظر عن الحسابات والاعتبارات الكثيرة.. عندما أعلن إصابته بالسرطان، بدأت الحكايات من هنا وهناك تخرج للنور، أكثر من شخص لا تربطهم أي صلة، كل منهم يحكي عما يفعله شريف سراً وعلناً دعماً للخير، لدعم كل محتاج يستحق دعمه، حتى لو بالكلمة إن لم يملك غيرها.. بدأت الصورة تتشكل تدريجياً، تروي حكاية رجل لطيف في زمن رديء، لا يقدِّر اللُّطف ويعتبره مادة للسخرية، ولا يعرف قيمة الطيبين إلا إذا ما ابتلاهم الله على قدر جمال أرواحهم.

قبل أيام أعلن شريف إصابته بمرض جديد، فيروس في الدم، لعدم التزامه بالتعليمات الطبية خلال تلقيه علاجه، فلقد كان يسمح -مخالفاً للتعليمات الطبية- لكل مَن يرغب بأن يصافحه ويعانقه ويُقبِّله، وهذا يهدد جهازه المناعي؛ الذي بحكم ظروف المرض أصبح في أضعف حالاته، فأصابه هذا الفيروس الذي لا يتحمله جسده المنهك.. ببعض التأمل، يبدو سبب إصابته بمرضه الجديد مناسباً تماماً لشخصية ودودة مثله، لرجل لا يرغب في صد مَن يريد أن يصافحه ويعانقه.

شريف ليس نبياً، ليس مثالياً ولا قديساً، لكنه إنسان نادر الطراز، في زمن تتشابه فيه نسخ البشر حتى تكاد تتطابق.

أدعو الله له بشفائه كلما جاء على بالي، ولا يمكنني أن تتخيل قصته بأن يهزمه المرض، شخصياً لا أتحمل مجرد التفكير في هذه الاحتمالية المقيتة.. أدعو لرجل لم أقابله، ولم أحدثه، لكني أحبه.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مدحت
كاتب ومدوّن مصري
أحمد مدحت خريج كلية التجارة جامعة الإسكندرية، عمل كاتباً حراً في عدة صحف ومنصّات عربية مختلفة.. مُهتم بالكتابة في المجالات الأدبية المختلفة، خاصة مساحات العلاقات الإنسانية على تنوعها.
تحميل المزيد