«ولدي حبيبي».. قصة الأغنية الأيطالية لفنان من أصل مصري التي أغضبت الإيطاليين

في أغنية Money للفنان الإيطالي من أصل مصري أليساندرو محمود، يلفت استماعك كلمات "رمضان" و "ولدي حبيبي" و "أركيلة" ضمن كلماتها الإيطالية السريعة.

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/06 الساعة 07:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/06 الساعة 14:41 بتوقيت غرينتش
كلمات الأغنية العربية هي التي استفزتهم/ istock

في أغنية Money للفنان الإيطالي من أصل مصري أليساندرو محمود، يلفت استماعك كلمات "رمضان" و "ولدي حبيبي" و "أركيلة" ضمن كلماتها الإيطالية السريعة. هذه الأغنية المُعبّأة بنكهة الشرق الأوسط أدّت لفوز لمحمود بمُسابقة غناء إيطالية عريقة عن أغنية راب بكلمات إيطالية.

وتستحضر كلمات الأغنية ذكرى كيف كان أبوه المصري الجنسية، يناديه للعودة إلى المنزل من ساحة اللعب بعبارة "ولدي حبيبي، تعال إلى هنا".

يتطرَّق محمود لوالده في أغنياته، انطلاقاً من علاقته المنقطعة به، إذ تركه عندما كان عمره 6 سنوات لتربّيه والدته.

وهذه الكلمات العربية التي وردت بالأغنية هي ما يتذكره محمود من ذكرى والده الأليمة، وفق ما قال لموقع Wiwibloggs الإيطالي.

لكن مأساة محمود ليست فقط هجران والده له، فالمغنّي الشاب الطموح، وإثر فوز أغنيته بالمسابقة أثار حفيظة بعض الإيطاليين.

وزير إيطالي يعترض على فوز الفنان المهاجر

وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني، لم يكن من مُحبّي هذه الأغنية.

فقد كتب على حسابه بموقع تويتر، عقب إعلان النتيجة، في فبراير/شباط الماضي، تغريدة قال فيها مستنكراً: "محمود… ممم… أجمل أغنية إيطالية؟!".

وبعدها بفترة وجيزة، اقترح أحد أعضاء حزب الرابطة المُناهض للهجرة، الذي يتزعمّه سالفيني، قانوناً يحدّ من تشغيل الأغاني الأجنبية على الراديو.

وحسب صحيفة The New York Times، منذ ذلك الحين، اقتحم المُغنّي الذي يعرفه جمهوره باسم "محمود" قلب النقاش الوطني حول معنى أن يكون المرء إيطالياً.

إذ يعتبر مراقبون أن أقوى سياسي في البلاد يبدو عازماً على تأجيج العنصرية وكراهية الأجانب، ليس ضدّ المهاجرين الجدد فحسب، بل ضد المُهاجرين الشرعيين الذين عاشوا في إيطاليا لسنوات أيضاً.

أليساندرو محمود يرد: أنا إيطالي 100%

وحتّى ذلك الحين، لدى محمود، البالغ من العمر 26 عاماً وترجع أصوله إلى مصر وجزيرة سردينيا الواقعة بالبحر المتوسّط، إجابة سهلة.

إذ يقول: "أنا إيطالي من الدرجة الأولى، بنسبة 100%"، مُقدّماً دليلاً إضافياً على جنسيته بأنه لا يزال يعيش مع أمّه في منزلهم.

تبدو أغاني موسيقى البوب الإيطالية المُبجّلة خالدة لعشّاقها، وحبيسة الزمن بالنسبة لمنتقديها، إلا أن خبراء الموسيقى يقولون إن الأمر دائم التغيّر، ودائماً ما يتأثّر بالأساليب الموسيقية الأجنبية.

يقول محمود، الذي كان يرتدي سترة كودري حمراء وقميصاً منقوشاً بالزهور وسروالاً واسعاً، بينما كان جالساً في أحد المقاهي مُؤخراً: "الآن علينا أن نفهم ما هي الموسيقى الإيطالية، فهي لا يمكن أن تظل دوماً على ما هي عليه، الحياة تتحرّك، والموسيقى الإيطالية في حاجة إلى وجهات نظر جديدة".

وليس منزعجاً من انتقاد فوزه

وبدا أن محمود ليس مُنزعجاً من الانتقادات التي أحاطت بفوزه، وأطلعنا على رسالة نصّية كتبها له سالفيني، السياسي المُخضرم منذ قديم الأزل، في أعقاب احتدام الجدل.

يقول نص الرسالة: "أهلاً، معك ماتيو سالفيني، على الرغم من الأذواق الموسيقية -إذ إنني أفضّل الرجل الآخر (المنافس في المسابقة)- استمتع بالنجاح، هذا هو رقمي".

وردّ عليه محمود قائلاً إنه "مُتأكّد أنه لم يكن هناك شيء يؤخذ على محملٍ شخصي".

ولكن، بإلقاء نظرة على الماضي، يقول محمود إن تغريدة سالفيني "بشكل واضح، وراءها شيء ما".

وقال محمود إن الوزير "أثار تعليقات جاهلة"، مثل تشكك الناس في إمكانية أن يفوز مصريٌّ بجائزة مسابقة سان ريمو الإيطالية الغنائية، وهي مؤسسة وطنية عريقة.

الموسيقى العربية التي كان يسمعها في المقهى ألهمته

وُلِد محمود ونشأ في أحد الأحياء خارج مدينة ميلان، لأمٍّ من جزيرة ساردينيا كانت قد التقت بأبيه في مقهى عَمِلت به.

وفي صِباه، يقول إنه كان يستمع إلى الموسيقى العربية بصحبة والده، إلى أن تركهم حين كان محمود في السادسة من عمره.

ويقول محمود: "بإمكانك قول إن تلك الألحان ظلَّت عالقة في رأسي".

التحق محمود بالمدرسة الابتدائية في ميلانو مع أطفال روس، وصينيين، وآخرين من جنسيات عديدة.

ويؤكد: لست جزءاً من إيطاليا التي تحكم على الآخرين

كما نال حظَّه من طقوس التثبيت والتناول الكاثوليكية، وحضر دروس عزفٍ على البيانو، واستمع إلى المُطربين وكاتبي الأغاني الإيطاليين لوسيو دالا، وباولو كونتي، وكان غارقاً في بدايات معزوفات البيانو الناعمة، والأصوات المُعاصرة الصاخبة للألحان الإيطالية التقليدية.

صار محمود مُتأثّراً بنجوم موسيقى الراب الإيطاليين، ونجوم موسيقى الريذم أند بلوز الأمريكيين؛ مثل فرانك أوشن.

ويقول محمود إنه يكره أن يجري تصنيفه، عندما يتعلّق الأمر بجنسيته أو ميوله الجنسية.

وأضاف: "أنا لا أشعر بأنني جزء من إيطاليا التي تصدر أحكاماً".

فنانو الراب يدعمون محمود

سار محمود إلى أحد الاستوديوهات القريبة لإجراء بروفة لأغنيته الفائزة مع بعض فناني الراب الإيطاليين، الذين كانوا أقل تسامحاً مع تغريدة سالفيني.

قال فابيو ريتسو، مُغنّي الراب الصقلّي (39 عاماً)، ويُعرف باسم "ماراكاش"، الذي أشار إلى أن البعض يظنّونه مغربياً بسبب ركوب الجمال في أغانيه المُصوّرة: "إنه أمر عُنصري للغاية بوضوح، أمرٌ لا يُصدّق، أليس كذلك؟ ولا حتّى النفاق يمكنه إخفاء الأمر".

في حين قال مغنّي الراب من ميلانو، كوزيمو فيني، (38 عاماً)، ويعرفه محبوه باسم "غوي بيكوينو"، إن سالفيني "للأسف، بالنسبة لي يُعبّر عن آراء العديد من الإيطاليين. كراهية الأجانب والعنصرية".

حزبي معارض لمحمود دي جاي سابق

أمّا سالفيني، فيقول إن خصومه السياسيين يشوّهون أنفسهم بوصمه بالعنصرية أو الفاشية بسبب كل شيء يقوله أو يفعله، بما في ذلك تفضيله لمُغنٍّ على الآخر.

ولكن بعد أن عبّر عن إحباطه بشأن نتيجة المسابقة الغنائية، التي ألغت فيها لجنة تحكيم خاصّة تصويت الجمهور المُحلّي، اقترح أليساندرو موريلي أحد المُشرّعين من حزب سالفيني أن تكون على الأقل ثُلث الأغاني التي تذاع على الراديو إيطالية.

وموريلّي هو الرئيس السابق لمحطّة Radio Padania الإذاعية، التي تُعتبر إذاعة حزب الرابطة، وقد بدأ فيها سالفيني مسيرته كعازف دي جي.

يقول موريلي بنبرة بها حنين إلى الماضي: "إذا استثنينا الموسيقى الأمريكية، فإن الموسيقى الإيطالية هي التي غزت القارّات الخمس".

وحظي مُقترح حزب الرابطة المتعلق بالأغاني المذاعة على الراديو الإيطالي بدعم بعض الركائز الأساسية للساحة الموسيقية الإيطالية التي يبدو أنها عالقة في زمنٍ آخر.

مغنٍّ مشهور ينتقد أغنية محمود أيضاً

يقول ألبانو كاريسي، المعروف أكثر باسم آل بانو، الذي كانت قصّة حب حياته وزواجه في وقت من الأوقات من ابنة تايرون باور من المواد الأساسية لعروض المُنوعات الإيطالية لقرابة نصف القرن: "في إيطاليا، حوالي 80% من الموسيقى أجنبية، وربما 20% منها إيطالية". (تُظهِر إحصائيات أن قرابة نصف الأغاني على الراديو هي أغان إيطالية).

وينسب كاريسي طول مدّة بقاء المغنّين الإيطاليين مثله على شاشة التلفزيون إلى الأعمار المُتقدّمة لجمهور التلفزيون.

وهو يضع محمود بشكل مُباشر ضمن تصنيفه للمُطربين الإيطاليين، إلا أن أغنية الراب الناجحة التي أطلقها محمود كانت أمراً آخر.

إذ يقول: "لقدّ جرى غناؤها باللغة الإيطالية، ولكن الموسيقى الإيطالية شيء آخر، وهي ليست هذا الشيء".

وأضاف كاريسي، الذي غنّى مؤخّراً أغنيته الناجحة من عام 1967 مع سالفيني في مقرّ وزارة الداخلية التي كان يُروّج المُغنّي فيها لشركة النبيذ خاصّته، أن "الموسيقى الإيطالية الأسهل في استماعها هي ذات اللحن الأكثر تناغماً".

وقال إن النموذج المثالي لذلك هو المقطع المتكرر في أغنية "Volare" الفائزة في مسابقة سان ريمو في عام 1958، الذي لم يفسد بتأثير موسيقى الراب الأمريكية.

وتتبع كاريسي، الذي أدرجته أوكرانيا هذا الشهر على القوائم السوداء على ما يبدو بسبب غنائه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، خلال إحياء الذكرى المائة لتأسيس جهاز المخابرات السوفيتية (KGB)، تتبع جذورَ الموسيقى الإيطالية سهلة الاستماع، ليُرجعها إلى الترتيل الغريغوري ومؤلف الموسيقى الإيطالي جوزبي فيردي.

ولكن بعض خبراء الموسيقى الإيطالية قد عارضوا ذلك.

والنقاد: الموسيقى الإيطالية تجانست دائماً مع الموسيقى الأجنبية

إذ قال جاكوبو توماتيس، مؤلّف كتاب "The Cultural History of the Italian Song" أي  "التاريخ الثقافي للأغنية الإيطالية" الذي صدر حديثاً، إن هناك تواصلاً واضحاً بين الأغاني التي شاعت خلال فترات الفاشية وأغاني فترة بعد الحرب، التي بنى الإيطاليون حولها هويّتهم الموسيقية.

وأشار إلى نشرة بثتها الإذاعة الإيطالية الحكومية، في عام 1951، أوضحت كيف بدأت مسابقة سان ريمو كجهدٍ يستهدف حماية الأغنية الإيطالية في مواجهة "تأثير الموسيقى الإفريقية-الأمريكية، والموسيقى اللاتينية-الأمريكية".

وقال إن التركيز على فكرة أن موسيقى البلد ينبغي أن تكون "إيطالية" يُعتبر أمراً مثيراً للسخرية، لأن "الموسيقى الإيطالية الشعبية كانت دائماً بمثابة صياغة للأساليب الموسيقية الأجنبية".

عمدوني مغني راب من أصل تونسي يدعم محمود

ويحتفي بعض الإيطاليين مثل محمود، وغالي عمدوني، وهو نجم إيطالي صاعد من أصول تونسية، وهو أيضاً من خارج ميلان، بذلك الطابع "الأجنبي" بشكل أكثر وضوحاً.

وفي أغنيته التي حققت نجاحاً كبيراً "Dear Italy" يغني محمود بطريقة الراب قائلاً: "When they tell me to go home, I answer I'm already here" أي "عندما يقولون لي عُد إلى وطنك، أُجيب أنني بالفعل هنا".

وأطلق عمدوني ألبومه الجديد، ولكن في الوقت الحالي، كان بطل اللحظة هو محمود، الذي سيمثّل إيطاليا الشهر المقبل في مسابقة الأغنية الأوروبية.

وعمدة المدينة يؤكد على أن محمود نموذج إيجابي

وفي الليلة نفسها، غنّت مجموعة من الفتيات في السابعة من العمر أغنية محمود الشهيرة بينما كن ينتظرن في طابور بأحد الأندية المحلّية.

وكان محمود هناك للحديث مع عمدة ميلان بشأن التواصل مع شباب المدينة.

وقال العُمدة جيوسيبّي سالا، خلف الكواليس: "في مواجهة كلمات سالفيني، أعربت عن استهجِاني، واسمحوا لي أن أغتنم الفرصة لإظهار نموذج إيجابي".

وعلى المنصّة، عرض العُمدة أمام الحضور الكُثر صورة فصل المدرسة الابتدائية الذي درس به محمود.

وهتف ثلاثة أطفال لآباء مصريين، من الحي نفسه، الذي ترجع أصول محمود إليه، في بهجة حين غنّي محمود مقطعين من أغنيته.

وحينها قالت إحداهم وتُدعى حبيبة إبراهيم (13 عاماً): "إنه مُغنٍّ جيدّ.. ولطيف للغاية".

تحميل المزيد