رحلة غريبة شبيهة بعوالم حكايات الأطفال، بطلتها شابة أرمينية سورية تقيم حالياً بأميركا، قرَّرت العودة إلى حلب بعد غياب لثماني سنوات، للبحث عن صندوق مفقود، سمعت أن فيه كنزاً للعائلة، لتتبين أن به دمى ستغير تاريخ الفنون في المنطقة.
السطور السابقة ليست جزءاً من حكاية أو قصة خيالية، بل هي واقع حدث بالفعل مؤخراً، ولكن الأغرب كان طبيعة الكنز الذي يخفيه الصندوق.
محتويات الصندوق تضم كنوزاً لواحد من أشهر الفنون العثمانية
إذ إن محتويات هذا الصندوق هي عبارة عن دمى عمرها أكثر من قرن، ترجع لجد العائلة الذي عشق مسرح كركوز وعواظ، (شخصيتان في مسارح خيال الظل التركي يعود أصلهما إلى العصر العثماني وانتشرت إلى مُعظم مناطق الإمبراطورية العثمانية وخاصة في تركيا واليونان).
وتفنَّن جدها في صنع شخصيات وأبطال، بعضها موجود بكتب الحكايا، وبعضها الآخر لم يسمع به أحد، وهو ما ستعمل عليه هذه الشابة لاكتشاف بقية الكنز.
سونا تاتويان، كانت تعرف أن الصندوق بمثابة الكنز والإرث العائلي، تناقله أقاربها عبر عقود، وخافت عليه من الضياع، خاصة أن غالبية أفراد العائلة هاجروا وتفرقوا في بلاد العالم.
وكانت في حاجة لمن يساعدها في اكتشاف إرث جدها
وقبل المجيء لحلب رغبت سونا في التعرف على شخص يزيد معرفتها بمسرح الظل، وتاريخ كركوز وعوظ، خاصة أنها مهتمة بهذا المجال، وأسست جمعية لها في برلين بعنوان حكواتي مهمتها حماية هذا الإرث.
بواسطة صديق مشترك تعرَّفت على المحامي علاء السيد، وعلمت أنه يملك شغفاً كبيراً بالمجال الذي تقصده، كما أنه يحتفظ بتسجيلات نادرة وأصلية لمسرحيات كركوز وعواظ، تعود لبداية القرن الماضي.
وبعد تواصل السيد علاء مع سونا قرَّرت الأخيرة المجيء لحلب والبحث عن كنز العائلة، وبدأت عملية البحث بين بيوت الأقارب وفي منزل الجد الكبير، حيث وجدت ضالتها أخيراً، لتكون المفاجأة احتواء الصندوق على 150 قطعة.
لقد كان هذا الرجل الأرميني حريصاً على الصندوق كأنه جزء من عائلته
يسرد علاء قصة العائلة الأرمينية وحكاية الصندوق، موضحاً أن جدها أبكر كناجيان، وهو من مواليد 1895، حمل معه عندما جاء إلى سوريا عام 1915 صندوقاً خشبياً يضم هذه الدمى.
ويقول: "لقد كان حريصاً على وصولها بالسلامة كحرصه على سلامة عائلته، فهي ثروته الوحيدة".
حافظت أسرة أبكر على الصندوق وتوارثته أباً عن جد، فبعد وفاة عميد الأسرة عام 1940 أصبح الصندوق أمانة في عنق ابنه أرتين، وعندما أنجب أرتين أكبر أبنائه بيدروس انتقلت الأمانة له، واشتهر الأخير بفندق ومطعم بمنطقة أريحا حملا اسم أبو أرتين، قبل أن يلحقهما التدمير والخراب بسبب الحرب.
الحرب تسببت في تشرد العائلة ونزوحها من جديد، وبقي الصندوق وحيداً في حلب بانتظار عودة أصحابه، وهو ما تحقق برجوع سونا إلى حلب.
إذ كان من أقدم صناع دمى مسرح "كراكوز وعيواظ" في المنطقة
ويقول علاء إن الجد "أبكر" كان من أهم صانعي دمى مسرح "كراكوز وعيواظ" في المنطقة.
وهذه الدمى تصنع من جلد الجمل الذي يعالج حتى يصل لمرحلة الشفافية للضوء، ثم يقص على شكل رجال ونساء وحيوانات ويلون بألوان طبيعية يدوياً.
ويتابع بأن هذه الدمى تتميز بوجود مفاصل حركة لها، تجعلها تتحرك بسهولة بعد تعليقها بعصي خشبية لتقدم عروضاً مسرحية شعبية.
إنها دمى ستغير تاريخ الفنون في المنطقة
يبدي السيد علاء إعجابه بمحتويات الصندوق، فهي تحمل سراً جديداً سيعمل هو وسونا على كشفه.
إذ إنهما يحاولان البحث عن دفاتر أو أوراق تعود للجد، علّها تكشف لهم بعض المسرحيات.
ويقول علاء لـ "عربي بوست" إن الصندوق يحوي 150 شخصية، كل منها مختلفة عن الأخرى.
إذ يوجد به على سبيل المثال دمية لسيدة تحمل باقة ورود وأخرى تحمل خنجراً، كما يوجد دمى ترجع لحيوانات حقيقية وبعضها أسطورية.
فنصف الدمى بالصندوق لحيوانات، ونصفها الآخر لشخصيات بشرية، كما يضم دمى لتنين، وهذا دليل على غنى القصص والمسرحيات التي عمل عليها الجد في ذاك الزمن، حسب المحامي المعني بهذا المجال.
ويقول علاء إن الفكرة السابقة عن هذا المسرح، التي يعتقدها الكثيرون هي أن مسرحيات كركوز وعواظ مؤلفة من أربع أو خمس شخصيات فقط، وأن عدد مسرحياته محدود باثني عشر نصاً مسرحياً شعبياً فقط، لكن الصندوق غيّر هذه النظرة.
ويختم علاء حديثه لـ "عربي بوست"، بالتوضيح بأن سونا قررت ترك هذه الدمى في حلب كي تبقى في وطنها، وهي تخطط لإقامة مبادرة تُعنى بهذا النوع من الفن وتوثقه.