بعد مشاهدة فيلم The King Speech، يعي المتفرج تماماً أن المخرج توم هوبر تعمّد الخلط بين الحقيقة والخيال من خلال نقل قصة جورج السادس ملك الإمبراطورية البريطانية.
بعد مشاهدة فيلم The King Speech ستدرك الحقيقة
خلال العام 1925 كان ملك الإمبراطورية البريطانية جورج الخامس يحكم ثلث سكان العالم.
وقد طلب الملك من ابنه الثاني دوق يورك، أن يتحدث من خلال الميكروفون والإذاعة البريطانية لمدة دقيقتين، إلى الحشود الهائلة في حفل اختتام المعرض الإمبراطوري في استاد ويمبلي.
وهي مهمة كانت بالغة الصعوبة، بسبب إصابة دوق يورك الأمير ألبرت فريدريك آرثر جورج (جورج السادس) بصعوبات في النطق والتحدث.
ولكن تلك المهمة لم تكن سوى اختبار صغير، مقارنة بالتحدي الأكبر الذي كان ينتظر دوق يورك، والذي أضحى فيما بعد الملك جورج السادس، والد الملكة إليزابيث الحالية.
في العام 2010 أخرج توم هوبر فيلم الدراما التاريخي The King Speech، الذي تناول تلك الصعوبات التي واجهت الملك جورج السادس في النطق والثأثأة.
وقد ارتكزت أحداث الفيلم على كتاب يحمل الاسم نفسه، وهو عبارة عن مذكرات خبير النطق لايونيل لوغ وعلاقته بالملك جورج السادس.
فما هو الفارق بين قصة الملك في الفيلم وبين ما جرى في حقيقة الأمر؟
تنويه: السطور القادمة تتضمن حرقاً لأحداث الفيلم.
دوق يورك يتسلم عرش المملكة البريطانية عام 1936
تبدأ أحداث فيلم the king speech من بداية العام 1925 حينما طلب الملك جورج الخامس من الأمير ألبرت أن يلقي خطاباً في المعرض الإمبراطوري في استاد ويمبلي.
مؤكداً له أن العائلة المالكة يجب أن تركز على وسائل الاتصال الجماهيري، مثل الإذاعة الذي ظهرت حديثاً لأنها تستطيع اختراق منازل الشعب.
وبسبب إخفاق الأمير في إلقاء الخطاب لجأت زوجته إلى مساعدته، وذلك عبر استعانتها بخبير مشاكل النطق ليونيل لوغ.
وفي نقلة تاريخية مبررة كان هدفها التركيز على مشكلات الملك جورج السادس في النطق والثأثأة انتقلت أحداث الفيلم سريعاً من عام 1925 إلى عام 1934.
قبل أن تنتقل مرة أخرى إلى عام 1936، حينما توفي الملك جورج الخامس، وتولى الأمير ديفيد الذي حمل لقب الملك إدوارد الثامن مقاليد العرش.
ولكنه سرعان ما تنازل عنه للزواج من حبيبته الأميركية واليس سمبسون، التي سبق لها الزواج مرتين من قبل.
ليتولى أمير يورك مقاليد الحكم مُلقباً بجورج السادس، ليكون امتداداً لمسيرة والده في حكم البلاد.
الفيلم لم يركز كثيراً على أداء جورج السادس الكارثي في خطابه
في الحقيقة، إن الفيلم لم يركز بشكل كبير على أداء أمير يورك في خطابه أثناء المعرض الإمبراطوري.
وربما يكون سبب ذلك عائداً إلى عدم رغبة الأسرة المالكة في تجسيد ذلك المشهد.
والحقيقة أن الخطاب كان مروعاً جداً، وتلعثم الأمير حينها كثيراً في الكلام.
فخلافاً لما جاء في أحداث الفيلم لم يخاطب لوغ الأمير باسمه الأول أبداً، فلم يكن يدعوه بيرتي كما ذكرت أحداث الفيلم، ولكن سمو الأمير، وفيما بعد كان يناديه بصاحب الجلالة.
هذا بالإضافة إلى أن الأمير لم يكن يتلقى جلسات العلاج في شارع هارلي بعيادة لوغ، ولم يكن يركب المصعد ويتصرف كعامة الشعب، ولكن لوغ كان هو من يذهب لمقابلة الأمير.
ووفقاً للأحداث التاريخية الصحيحة فقد عاش الملك جورج السادس طفولة صعبة كانت السبب المباشر في إصابته بصعوبات النطق.
إذ كان والده الملك جورج الخامس يعامله بقسوة، كما أجبره مدرسوه على الكتابة باليد اليمنى، على الرغم من أنه كان أعسر.
هذا بالإضافة إلى أنه أُجبر كذلك على ارتداء أقواس الساق الحديدة، من أجل تعديل مسار ركبتيه، وكانت والدته تحب أخاه الملك إدوارد الثامن أكثر منه.
وبسبب القسوة التي تلقاها جورج السادس من عائلته كان دائم التعرض لنوبات الغضب والبكاء.
العلاقة المميزة التي جمعت بين الملك وليونيل لوغ كانت حقيقية.
وفقاً لما جاء في أحداث الفيلم فإن الملك جورج السادس أُصيب بالثأثأة الشديدة وهو في الــ 5 من العمر.
ومن وقتها لم تفارقه تلك الثأثأة أبداً إذ كان يجد صعوبة كبيرة في ذكر جملتين متصلتين.
وقد تسببت له تلك الثأثأة في صعوبات اجتماعية، تجسدت في ثقل عبء مهمات العائلة الملكية عليه.
هذا بالإضافة إلى مشكلات عائلية تجسدت في صعوبة تواصله مع بناته بشكل جيد، وعدم قدرته على رواية القصص عليهن.
وفور تسلمه مقاليد الحكم انهار الملك، لأنه شعر بأن جميع شعبه سيسخر منه.
وعلى غرار الملك جورج الثالث المجنون سيصبح هو جورج المتأتئ، الذي خذل شعبه بشكل كبير في وقت الشدة.
خاصة أن بريطانيا كانت تعاني وقتها من ويلات الكساد الكبير، ومشارف الدخول في الحرب العالمية الثانية.
والحقيقة أن ليونيل لوغ، الذي لم يكن حاصلاً على أي شهادات دراسية في مجاله -وفق أحداث الفيلم والحقيقة- ساعد الملك جورج السادس كثيراً.
كما كان معه في جميع خطاباته، واكتشف من خلال حديثه مع الملك أن مشكلة الثأثأة لها جذور نفسية بداخل الملك.
ومع تطور حديثهما انعقدت صداقة استمرت طوال العمر بين الرجلين؛ إذ كان لوغ يؤكد للملك مراراً أنه لم يعد مضطراً إلى الخوف من الأمور التي كانت تخيفه، حين كان في الـ5 من عمره.
قام الملك جورج السادس بتعيين ليونيل لوغ قائداً للحرس الفيكتوري الملكي خلال عام 1944، كما عُين لوغ عضواً في فرقة الفرسان، وظل لوغ بجانب الملك في جميع خطابات الحرب العالمية الثانية.
شخصية رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل غير دقيقة تاريخياً.
في أحداث الفيلم، وفقاً لأحداث الفيلم فإن رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل كان يدعم بشدة الملك إدوارد الثامن وزوجته واليس سمبسون في الوصول للعرش.
ولم يكن موافقاً على تسلم الملك جورج السادس لمقاليد البلاد.
وأثناء خطاب الحرب ضد ألمانيا الذي ألقاه الملك جورج السادس ذكر تشرشل للملك أنه كان يعاني من صعوبات في النطق حينما كان صغيراً.
ولكنه أجرى عملية جراحية خطيرة أدت إلى شفائه من الثأثأة.
وبعد انتهاء الخطاب، أثنى تشرشل كثيراً على أداء الملك هو ومطران الكنيسة الكاثوليكية.
والحقيقة أن جميع مشاهد تشرشل في الفيلم لم تكن دقيقة تاريخياً قط؛ فتشرشل لم يدعم الملك إدوارد الثامن في الوصول للعرش.
وذلك ليس فقط بسبب زواجه بمطلقة، لكن بسبب تعاطف إدوارد الثامن وزوجته مع هتلر.
إذ كانت السيدة سمبسون تتلقى يومياً 17 زهرة من سفير هتلر، الكونت فون ريبنتروب.
والحقيقة أن تولي إدوارد الثامن مقاليد الحكم واستناداً إلى دعمه هتلر، كان سيؤدي إلى انهيار الإمبراطورية البريطانية، خاصة أن هتلر حينها كان يهدد نصف أوروبا، في حين كان جوزيف ستالين يهدد النصف الآخر.
تشرشل كان يعاني أيضاً صعوبة في النطق
تاريخياً، كان تشرشل بالفعل يعاني صعوبات بالنطق في أثناء طفولته، ولكنه لم يتحدث قط في هذا الشأن مع الملك جورج السادس.
ومن الواضح أن كاتب السيناريو استغل بذكاء، تطابق مشكلة النطق عند الطرفين وأدخلها في سياق الحبكة الدرامية.
كما أن تشرشل لم يثنِ على خطاب الحرب الذي ألقاه جورج السادس، لأنه لم يكن موجوداً معه حينها من الأساس.
جورج السادس لم يغادر لندن في أثناء القصف الجوي الألماني
بعد أن أعلن الملك جورج السادس الحرب على ألمانيا، قامت الأخيرة بقصف لندن جوياً، في محاولة من أجل تدمير سلاح الجو الملكي البريطاني خلال عام 1940.
وخلال تلك الغارات الجوية الألمانية، لم يترك الملك جورج السادس لندن، واعتبر موقفه حينها رمزاً للصمود البريطاني.
ووفقاً للوقائع التاريخية، فقد زار الملك والملكة المناطق التي تعرضت للتفجير، لمعرفة الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية للعدو.
وفي أثناء تلك الزيارات، اهتم الملك بمساعدة الأشخاص الذين فقدوا منازلهم في أثناء القصف، كما أنه زار مصانع المدينة لرفع الروح المعنوية للعمال.
على الرغم من قيادته الرمزية والشرفية للإمبراطورية البريطانية، فإن وقائع التاريخ تذكر أن الملك جورج السادس زار جيوش الحلفاء على جبهات القتال، في الحرب العالمية الثانية.
كما قام بجولة موسعة على الجبهة الداخلية للجيش البريطاني.
وكان جورج السادس أول ملك بريطاني يزور الولايات المتحدة الأميركية، وذلك خلال عام 1939؛ إذ كان على وفاق مع سياسة الاسترضاء التي انتهجها رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، نيفيل تشامبرلين، تجاه الولايات المتحدة.
الخطاب الأخير
الأمر الآخر الذي توقف عنده الكثير من النقاد هو مشهد الخطبة في نهاية الفيلم.
ففي الواقع، لم يكن حاضراً أي فرد من أعضاء الحكومة ولا رئيس الوزراء في القصر، حين كان الملك يُلقي الخطاب.
ولم يتلق التهاني منهم بعد أن أنهى خطابه، ولم يقف مع عائلته في الشرفة ليحيي الشعب.
لكن كما ذكرنا، كانت تلك لمسة هوبر في إضفاء زخم للأحداث وإعطائها بعداً درامياً تشويقياً ليس واقعياً.
وما فعله لم يُخل بحقيقة ما حدث في تلك الفترة الحرجة بتاريخ المملكة المتحدة وتاريخ العالم بأَسره، الذي كان على أهبة الاستعداد لخوض أكثر الحروب دموية وعنفاً في التاريخ الإنساني الحديث.
The king speech والجوائز
حصد فيلم The king speech العديد من الجوائز، منها 4 أوسكار خلال عام 2011.
وهي: أوسكار أفضل فيلم، وفاز بها إميل شيرمان وايان كانينج وغاريث أنوين.
وأوسكار أفضل ممثل لدور رئيسي، ونالها الممثل البريطاني كولين فيرث، الذي أبدع في تجسيد دور الملك جورج السادس.
وأوسكار أفضل مخرج للعبقري توم هوبر، وأفضل سيناريو أصلي، وحصل على الجائزة الكاتب ديفيد سيدلر.