تختلف السينما عن الكتب في كونها ترصُد الحَدَث في وقته، تتناوله من زوايا مُختلفة جداً رُبما حَد التناقض، لكنها أيضاً تفتح أعين المشاهدين على أشياء لم نكن نعرفها قط. نجحت أفلام عن اللاجئين في عرض جانب -ولو بسيط- من المعاناة التي مروا بها، وحوّلتهم من مجرد خبر أو ملف انتخابي يقسم اليمين واليسار السياسي إلى أشخاص بأسماء ووجوه وآلام وأحلام.
في هذا التقرير، نستعرض مجموعة أفلام صوَّرت معاناة اللاجئين الذين اضطرتهم ظروف الحرب ورائحة الموت إلى الخروج من أوطانهم بحثاً عن ملاذٍ آمن يبدأون فيه من الصفر.
"مسافر: حلب-إسطنبول".. أفلام عن اللاجئين بدور العرض الأردنية
فيلم أردني-تُركي درامي، إنتاج 2017، ويُعرض حالياً بالسينمات الأردنية. لعبت بطولته الفنانة صبا مبارك، التي تحمست للعمل للدرجة التي جعلتها تُشارك في إنتاجه حين تعثَّر إنتاجياً، عُرض العمل في أكثر من مهرجان عالمي، منها: مهرجان البوسفور، ومهرجان أنطاليا، ومهرجان سينما المرأة العربية بالسويد، ومهرجان LET'S CEE في فيينا.
كما عُرض في مهرجان برلين، ليفوز الفيلم بـ5 جوائز حتى الآن، أهمها جائزة أفضل فيلم روائي طويل، وأفضل مونتاج بالمسابقة القومية للأفلام الروائية الطويلة في مهرجان البوسفور، وجائزة الجمهور بمهرجان أنطاليا.
تدور أحداث الفيلم حول لينا، الفتاة ذات السنوات العشر، التي فقدت كل عائلتها في الحرب باستثناء أختها الرضيعة، وجارتها مريم.
ولأن كلتيهما راغبة في النجاة والهرب من هول الحرب، يُقرران شق طريقهما والقيام بعبور الحدود السورية نازحتين تجاه تركيا، بصحبة مجموعة من اللاجئين الآخرين.
وخلال مشوارهما، نتعرَّف على معاناة اللاجئين السوريين سواء بأوطانهم أو البلدان التي يرحلون إليها.
جدير بالذكر أنه باستثناء صبا مبارك وروان سكاف (التي لعبت دور الطفلة)، فإن بقية طاقم التمثيل لاجئون حقيقيون.
"طعم الأسمنت".. طعم المرارة والخذلان
أن تترك وطنك خلفك، مُبتعداً عن الدمار والقُبح ونهر الدم غير المتوقف، وأن تُوَفَّق في إيجاد فرصة للبداية مرة أخرى بالعالم الذي اخترته، لا يعني بالضرورة أنك هكذا أفضل.
ذلك لأن فيضاً من الشعور بالمرارة لا يزول أبداً، وخصوصاً حين تظل الروح تتقلَّب تارةً بين جنبات الخوف من الغَد المجهول، وأخرى بين الشعور بالظلم والانكسار.
"طعم الأسمنت" فيلم وثائقي يستعرض مفارقة شديدة البؤس تعكس أحوال اللاجئين السوريين في لبنان، وتحديداً عُمَّال البناء الذين يعملون ضمن فريق تشييد ناطحة سحاب عملاقة ببيروت.
وكأن تلك المُفارقة وحدها لا تكفي، فنشهد قوانين الحكومة اللبنانية الموضوعة فيما يخص اللاجئين؛ إذ إن هؤلاء العمال لا يمكنهم مغادرة موقع البناء حتى غروب الشمس، بعدها عليهم العودة لمناطقهم السكنية الفقيرة جداً والبائسة جداً جداً، والتي لا يُمكنهم مُغادرتها حتى الصباح.
فيلم The Taste of cement من إخراج المخرج السوري زياد كلثوم، الذي بدأ في تصويره بعد انشقاقه عن الجيش السوري وسفره إلى بيروت في عام 2013.
صدر الفيلم عام 2017، ليلقى وقتها حفاوةً وترحيباً وتقييماً فنياً وجماهيرياً إيجابياً للغاية، ليس فقط لطبيعة موضوعه الشائك، ولكن لاعتبارات فنية أيضاً.
الفيلم من إخراج وتصوير سينمائي وموسيقى تصويرية شديدة الحساسية والتَمَيُّز، وهو ما يُبرر مشاركة العمل في الكثير من المهرجانات وفوزه بالفعل بأكثر من جائزة، على رأسها جائزة المهـر الطويل بمهرجان دبي السينمائي لأفضل فيلم غيـر روائي.
"سلام يا جار".. اللاجئون السوريون بعيون أميركية
"علينا أن نتحد ونرحب بهؤلاء الناس بدلاً من اعتبارهم عبئاً ثقيلاً، هم بمثابة الجيران لنا. علينا أن نراهم كبشر مثلي ومثلك، وأن نفتح لهم أبوابنا باعتبارهم يعيشون أكبر أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية". هذا ما يقوله المخرج زاك انغراشي.
فيلم وثائقي آخر عن اللاجئين السوريين، لكن ترصده أعين مُختلفة هذه المرة، أعين المخرجَين الأميركيَّين كريس تمبل وزاك انغراشي، اللذين قررا العيش مدة تراوحت بين 4 و5 أسابيع، وسط ما يقرب من 85000 لاجئ سوري بمخيم الزعتري في الأردن. الهدف هو مُعايشة الحدث على أرض الواقع ونقل قصص اللاجئين بشفافية وحياد.
يستعرض الفيلم كيف خرج اللاجئون من وطنهم سالمين، وكيف استطاعوا الانتصار على الجوع والإرهاق، وكيف هزموا الموت وأصروا على الحياة. والأهم كيف عاودوا ممارسة الحياة، وهل هم يُمارسونها فعلاً أم تملَّك منهم اليأس والعَجز؟
أُنتج Salam Neighbor في 2015، وجاء عرضه الأول في واشنطن بمناسبة اليوم العالمي للاجئين. كما شارك في العديد من المهرجانات الدولية؛ منها: مهرجان "أميركان فيلم انستيتيوت"، ومهرجان "كوبنهاغن"، ومهرجان "واشنطن ويست"، ومهرجان "واتش دوكس" بوارسو، ومهرجان "أوروبا"، ومهرجان "هيومان رايتس واتش" في لوس أنجلوس، ومهرجان "كروس رودس بالنمسا.
أما عن الجوائز التي فاز بها فمتعددة، أشهرها جائزة "الإعلام للضمير والشجاعة" عن أفضل فيلم وثائقي من مجلس الشؤون الإسلامية في الولايات المتحدة الأميركية.
"لما شفتك".. عن حلم العودة الذي لا يموت
فيلم درامي فلسطيني-أردني مشترك، صدر عام 2012 وفاز بعدة جوائز، وهو يتناول قصة اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا إلى الأردن في عام 1967 إثر الحرب.
يستعرض الفيلم قصة طارق، الفتى ذي الحادية عشرة من عمره، الذي اضطرته الظروف إلى الانفصال عن والده، والرحيل بصحبة والدته من وطنه إلى معسكر اللاجئين بمدينة جرش.
وهناك نشهد موقف اللاجئين المُختلف، بين من يحلمون بالرجوع ومن يستسلمون لترتيبات القَدر.
وعلى الرغم من صعوبة الحياة على اللاجئين عموماً، والبطلة وابنها خصوصاً، فإن الأم تبذل قصارى جهدها لتزرع بطفلها بذرة الأمل في العودة يوماً.
توفر له إجابات -قدر استطاعتها- عن أسئلته الكثيرة، وتدفعه للتفكير خارج الصندوق، لعله ينجح في تغيير قَدَره، وهو ما يحث الطفل على الانضمام إلى معسكر الفدائيين من أجل العودة وتتوالى الأحداث.
لعبة الحياة/الموت/الحياة.."In This World"
فيلم بريطاني درامي، أُنتج عام 2002، عُرض بالكثير من المهرجانات الدولية، وحقق نجاحاً مميزاً تُوِّج بفوزه بجائزة البافتا البريطانية.
يحكي عن اللاجئين الأفغان الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية بمُخيم شامشاتو في المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية بباكستان، والذين بلغ عددهم 53000 لاجئ.
منهم من تركوا بلدانهم عام 1979 مع غزو الاتحاد السوفييتي، وآخرون وفدوا في 2001 بعد غزو الولايات المتحدة الأميركية وقصفها أفغانستان.
ولأن الوضع غير آدمي ويبدو مُستقبله مُبهماً، تُقرر إحدى العائلات الأفغانية تهريب ابنها بصحبة ابن عمه إلى لندن بطريقة غير قانونية. يختبآن بحاويات داخل شاحنات تنقلهم في رحلة عبر باكستان، إيران، تركيا، إيطاليا، وصولاً إلى لندن، لنشهد على مدار الفيلم الرحلة الطويلة التي يقطعها اللاجئون بينما نتعرف على حاويات أخرى تضم عائلات مختلفة، العامل المشترك بينهم جميعاً هو الأمل في حياة أفضل والقلق من المجهول.