عشراتٌ من آلات البيانو الملوَّنة ستكون متاحةً للجمهور كي يعزف عليها ويستمتع بها هذا الشهر في عدَّة حدائق في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية، أثناء المهرجان السنوي الثاني لمهرجان "البيانو من أجل السلام"، الجاري حتى 22 سبتمبر/أيلول.
مؤسِّس هذا المهرجان هو المُلحِّن وعازف البيانو السوري الأميركي مالك جندلي، ويهدف المهرجان إلى الاحتفاء بتعددية الأعراق والمساعدة على إجراء حوارٍ مُتحضِّر بين الناس.
وقال جندلي، في تصريحٍ لشبكة Voice of America الإذاعية: "إنَّها سيمفونية سلامٍ حقيقية تحتفي بتعدُّديَّتنا. فحين نتعرَّف على جيراننا، نُدرك أنَّ بيننا الكثير من الصفات المشتركة، ومن ثمَّ تتحقَّق القوة والسلام والوحدة في مجتمعاتنا".
المهرجان هو جزءٌ من أنشطة منظمة "بيانو من أجل السلام" الخيرية، التي أسَّسها جندلي عام 2015 بهدف تحقيق السلام والتناغم من خلال الموسيقى والتعليم.

تطوَّع في المهرجان أكثر من ألف فنانٍ ومعلِّمٍ وموسيقارٍ وصانع أفلام وفنيِّ بيانو. ووفقاً لتصريحاتهم، فقد كانت استجابة المجتمع إيجابيةً ناحية مبادرتهم. ويأمل المُنظِّمون أن تكون ردود الفعل هذا العام مماثلةً لردود الفعل السابقة.
تتعاون منظمة "بيانو من أجل السلام" الخيرية مع مركز مقاطعة فولتون للفنون والثقافة، وبلدية أتلانتا، والنظام المدرسيِّ الحكوميِّ في أتلانتا، وجهاتٍ أخرى، وتعتمد على التبرعات المجتمعية.
وتنوي المنظَّمة التوسُّع في أنشطتها لتحقيق السلام لتشمل مشاريع فنية، وتدعم عديداً من برامج الفنون بالمدينة.
وعلَّق جندلي على هذا قائلاً: "نسعى نحو الجمال والحقيقة، والحفاظ على قيمنا الأميركية والإنسانية المشتركة".
اللون والصوت
يُمثِّل تلوين آلات البيانو تعدُّدية المجتمعات الصغيرة في أتلانتا. وشارك فنانون وأفرادٌ آخرون من المجتمع في تلوين الآلات.
وتابع جندلي في تصريحاته لـVoice of America: "لا تصبح الآلة نفسها تحفةً فنيةً جميلةً وفريدةً من نوعها فحسب، بل إنَّها تفتح أبواب الحوار، الأمر الذي يُوحِّد بين الناس ويحثُّهم على الجلوس على مقاعد الحدائق والاستماع إلى بعضهم البعض أثناء الغناء معاً".
وأصدرت الحملة كذلك تطبيقاً خاصاً بها لمساعدة سكَّان المنطقة والزوَّار على رؤية صورٍ للآلات الملوَّنة والتعرُّف على الفنانين.

وفور انتهاء المهرجان، ستتبرع المنظمة بجميع آلات البيانو للمدارس، والمراكز المجتمعية، ودور المسنين، ومراكز إعادة التأهيل، والمنظَّمات الأخرى التي تخدم المجتمعات المحرومة.
ويطمح المُنظِّمون إلى توزيع قرابة 100 بيانو قبل نهاية العام.
وجاء ضمن تعليقات جندلي لـVoice of America: "استطاع آلافٌ من سكان أتلانتا وزوارها الاستمتاع بآلات البيانو العام الماضي، ونسمع الكثيرين يقولون إنَّ العثور على بيانو ملوَّنٍ بصورةٍ جميلةٍ في حديقةٍ أو محطة قطارٍ أو مركزٍ مجتمعيٍّ قد أحيا شغفهم نحو الموسيقى، وشجَّعهم كذلك على زيادة نشاطهم في مجتمعاتهم المحلية".
الأطفال السوريون
قال جندلي إنَّه يدعو إلى بناء مستقبلٍ أفضل للأطفال، ويسعى إلى تبنِّي المواهب الشابة. ولديه أسبابٌ خاصةٌ تدفعه إلى مساعدة الأطفال.
إذ ورد على لسانه: "حين كنتُ طفلاً بمسقط رأسي (في سوريا)، لم أجد بيانو متاحاً لأجل دروسي، واضطررتُ للسفر عدة ساعاتٍ كل أسبوع لمجرَّد التدرُّب على العزف تحت إشراف أستاذي. لذلك انفطر فؤادي عندما رأيتُ التلاميذ في أنحاء المدينة الكبرى بأتلانتا وهم محرومون من الموسيقى".
يُذكَر أنَّ جندلي قد كتب عدداً من السيمفونيات لدعم حلم الأطفال السوريين بحياةٍ ومستقبلٍ أفضل على مدار السنوات السبع الماضية التي شهدت عنفاً ومآسي في سوريا. إذ لقيَ مئات الآلاف من المدنيين حتفهم من جراء الحرب الأهلية السورية، ومن ضمنهم أطفال، وتسبَّبت الحرب في إجبار ملايين آخرين على الفرار من وطنهم.
وعلَّق جندلي على هذا قائلاً: "كل إنسانٍ يستحق أن يعيش في سلام، وأنا أنعم بالقدرة على استغلال موسيقاي كمنصَّةٍ لنشر هذه الرسالة في جميع أنحاء العالم. يستحقُّ الأطفال السوريون أن يعيشوا في سلامٍ لا أن يرقدوا في سلام، ومن واجبي أن أخدم ذلك المجتمع وأردَّ الجميل له كذلك".
مالك جندلي هو موسيقار معروفٌ في أتلانتا وفي مسقط رأسه حمص. وكتب عدَّة سيمفونياتٍ لأجل حفظ الثقافة والتاريخ السوريَّين وتأييد تعددية الأعراق في الولايات المتحدة.
ومن أعماله الفنية سيمفونية "أصداء من أوغاريت" التي لحَّنها عام 2009، وهو أول توزيعٍ للتدوين الموسيقي الأقدم في العالم. إذ كان التدوين منقوشاً على ألواحٍ من الصلصال عُثِر عليها في مملكة أوغاريت، وهي موقعٌ تاريخي في غرب سوريا.