يروي اللاجئ السوري محمد جوخدار قصته وهو يجلس خارج خيمة قماشية متداعية في مخيم الزعتري بالأردن. يحتسي قهوته من كوبٍ ملطّخ، وهو غارق وسط الخيام القماشية والمباني المؤقتة والآمال الضائعة. كان العاملون لديه منهمكين في حلاقة شعر الزبائن. بينما هو مشغول بأمر مختلف تماماً، وسرعان ما ترك الزبائن أماكنهم وأخذوا يتابعون ما كان يقوم به في ركن قصِي من المحل.
جوخدار لاجئ سوري، كغيره من الكثير من اللاجئين، يُقاسي الأمرَّين من جحيم الحياة التي عاش تحت وطأتها لفترةٍ جراء الحرب الأهلية.
كان عليه أن يواجه حقيقة واقع حياته في مخيم اللاجئين. يقول: "أدركتُ أنَّني هنا، وأنَّني لن أغادر قريباً".
يروي محمد جوخدار قصته وهو يجلس خارج خيمة قماشية متداعية في مخيم الزعتري بالأردن، يحتسي قهوته من كوبٍ ملطّخ، وهو غارق وسط الخيام القماشية والمباني المؤقتة والآمال الضائعة.
اختار محمد جوخدار أن يتقبَّل حياته الجديدة في الزعتري
منذ اليوم الأول قرر أن يستغل الفرص المتاحة أمامه في المخيم، حسب تقرير لشبكة CNN الأميركية.
واليوم، لا يقتصر ما حقَّقه من إنجازات على امتلاك محل حلاقة، بل يعمل أيضاً فناناً ، يروي الأهوال المتكشفة في وطنه.
افتُتِحَ مخيم الزعتري للاجئين في محافظة المفرق الأردنية عام 2012 لاستضافة اللاجئين من أمثال جوخدار، الهاربين من النزاع العسكري في بلادهم.
واليوم يضم المخيم ما يقرب من 8 آلاف لاجئ سوري، حسب إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويوجد 68.5 مليون شخص نزحوا قسراً عن بيوتهم وأوطانهم وفقاً للمفوضية.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فإن نحو 6.1 مليون سوري نازحون داخل الأراضي السورية، في حين يحتاج 13 مليون سوري إلى مساعدات غذائية وإنسانية، وفقاً لما أعلن في نهاية 2017.
ويقدر إجمالي عدد اللاجئين في الأردن بـ751,265 لاجئاً، مسجلين رسمياً بسجلات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يشكل السوريون 88.7% منهم، بينما تقول الحكومة الأردنية إن أعداد اللاجئين إلى المملكة، خاصة من السوريين، تفوق بكثير الأعداد المسجلة في المفوضية السامية، حيث تقدر الحكومة أعدادهم بنحو مليون و350 ألف سوري.
ويُعزَى العدد المتزايد للاجئين والنازحين الداخليين وطالبي اللجوء السياسي بصورةٍ أساسية إلى الحرب الدائرة في سوريا، وفقاً لما صدر عن المفوضية السامية عام 2014.
لكن لحسن الحظ فإن مخيم الزعتري لم يعد ذاك المكان المنعزل القابض للصدور كما كان من قبل. ففي غضون 6 سنوات فقط، تحوَّل المخيم من قطعة أرض قاحلة إلى مدينة تضجّ بالحياة، بفضل مواهب قاطنيه وحماسهم، وإصرارهم على بناء مجتمعٍ حقيقي.
خرج من حمص ووصل إلى المخيم في 2013 سيرا على الأقدام
أُجبر جوخدار (32 عاماً) هو وأسرته على مغادرة منزلهم في مدينة حمص عام 2012، بعد قصفٍ عنيف استهدف المدينة.
في البدء انتقلت العائلة إلى مكانٍ آخر داخل سوريا. يقول جوخدار: "ظننا أنَّنا سنمكث في منطقة قريبة من الحدود حتى يهدأ الوضع في سوريا". لكنَّ هذا لم يحدث أبداً.
وفي يناير/كانون الثاني من عام 2013، دخل جوخدار مخيم الزعتري سيراً على الأقدام، وبصحبته زوجته وطفلته التي كان عمرها آنذاك تسعة أشهر. صحبه أيضاً أبواه المسنان، وأخوه وزوجته وأطفالهما الثلاثة. بعد عامين وضعت زوجة جوخدار ولداً آخر داخل المخيم.
يقول جوخدار: "كنتُ أعرف أنَّ الحياة في مخيم للاجئين ستكون صعبة، لكن أحياناً يصل المرء إلى مرحلة يكون عليه فيها أن يختار إما حياةً صعبة أو -لا سمح الله- فقدان فردٍ من أفراد عائلته".
ومن البداية رجع إلى هوايته القديمة: الرسم
حين كان جوخدار في سوريا، عمل في شركة الإنشاءات المملوكة لعائلته، غير أنَّ شغفه دائماً كان موجهاً إلى الفن. حين كان في الصف الخامس شجعته مُدرِّسة الفنون في مدرسته على تنمية الجانب الإبداعي لديه. ويقول عن ذلك: "أخبرتني أنَّني وُلدت لأكون فناناً".
بدأ جوخدار يرسم في منزله في حمص لساعاتٍ كل يوم، امتدت أحياناً من الشفق حتى الغروب. امتلأت لوحاته بألوانٍ ثرية، وتخصَّص في رسم الوجوه الجميلة المفعمة بالأمل.
الآن بعد أن أصبح لاجئاً، سعى إلى الاحتماء بفنه وتحقيق التعبير عن الذات من خلاله.
الحرب أثرت في أسلوب جوخدار، وفي درجات الألوان التي يستخدمها.
يقول: "بدأت تعتريني رغبة في قول شيءٍ ما من خلال فني، وفي إرسال رسالةٍ باستخدامه. كنتُ أحيا حياةً صعبة، وأريد أن أبينها للناس من خلال لوحاتي".
تطوَّع جوخدار للعمل مدرساً للرسم داخل إحدى مدارس المخيم، ومع ذلك ليكتسب قوت يومه، اشترى متجر حلاقة في اليوم الذي تلى دخوله إلى مخيم الزعتري، يعمل في المتجر ظهيرة كل يوم، غير أنَّه يجد سعادته القصوى وهو يمسك بالفرشاة ويرسم.
وفي الوقت الذي يتولى فيه موظفو جوخدار الاهتمام بعملاء المتجر، يرسم هو في أحد أركانه، وغالباً ما يثير نشاطه فضول العملاء، ويطلب منه العديد منهم أن ينضموا إليه في ركن الفن الخاص به.
والآن، يقضي وقته إما بين تهذيب لحى الزبائن، أو تعليم لاجئٍ آخر أساسيات الرسم.
صديقه صفوان يعرض مسرحيات ويدريب الأطفال على التمثيل
ليس جوخدار اللاجئ الوحيد الذي يجلب الجانب الإبداعي إلى مخيم الزعتري. فصفوان حرب، على سبيل المثال، هو لاجئ يبلغ من العمر 28 عاماً من درعا، جنوب غربي سوريا، حطّت قدمه في مخيم الزعتري عام 2013.
أُصيبَ حرب وهو صغير بشلل الأطفال، وفقد القدرة على التحكم في أطرافه السفلية، غير أنَّ هذا لم يثنه عن الاستفادة من الفرص المتاحة أمامه في المخيم.
وفي عام 2014، أسس مع شقيقه مجموعة الفن السورية، التي تتكون الآن من 30 عضواً، وتنظم مسرحيات وتدرب الآخرين على فن التمثيل والإنتاج وكتابة السيناريو. وأدت المجموعة مسرحياتٍ في مناسباتٍ مختلفة في المخيم.
يقول حرب: "مجموعة الفن السورية تنزل من نفسي منزل العائلة. لقد سمحت لنا جميعاً باستكشاف شغفنا وبناء شبكة دعم طويل الأجل".
ويشاهد أبناء المخيمات يبتكرون الحلول لكل مشكلة
بول فين هو المسؤول بالإنابة عن ملف الشباب في المجلس النرويجي للاجئين في الأردن، ويعمل على مساعدة اللاجئين الشباب على اكتساب المهارات وبناء العلاقات.
يقول فين إنَّ حرب وجوخدار يمثلان الروح الريادية الخلاقة الموجودة في مخيمات اللجوء.
ويضيف: "من خلال خبرتي في العمل مع اللاجئين، وجدتُ لديهما حافزاً واهتماماً ورغبة قوية في صنع مستقبلٍ أفضل لأنفسهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم".
يقول إنَّ أحد المخيمات التي عمل معها أصبحت لديها كهرباء بفضل تعليم اللاجئين أنفسهم كيفية اللحام. وتمكنت مجتمعات أخرى داخل مخيماتٍ أخرى من إعادة تأهيل دراجاتٍ قديمة وتوزيعها على أبناء المخيم.
وأضاف فين: "اللاجئون يملكون الكثير من المهارات والإمكانات التي يمكنهم البناء عليها والاستفادة منها. كل ما يحتاجونه هو توفير الفرص والدعم لهم من جانبنا".