تلجأ هوليوود كثيراً إلى إنتاج أفلامٍ مستوحاة على أحداثٍ حقيقية. فمن ضمن 9 أفلامٍ رُشِّحت لجائزة الأوسكار هذا العام، 3 منها كانت قائمة على قصصٍ حقيقية، وهي: Darkest hour وDunkirk، وThe post. وبالنظر إلى تلك الأفلام، نجد أن شركات الإنتاج راهنت على شعور المشاهد بالمتعة بعد مشاهدتها، وهو ما جعلها تحقّق نجاحات كبيرة.
يمكن القول إن الأفلام القائمة على قصةٍ حقيقية تنقسم إلى نوعين.
النوع الأول: الأفلام التي تتناول السيرة الذاتية لبعض الشخصيات التاريخية، ومنها: Goodfellas وThe wolf of wall street وA beautiful mind.
النوع الثاني: الأفلام التي ترتكز على أحداثٍ حقيقية كبرى، مثل: Captain Phillips، الذي نستعرضه في هذا التقرير. ومنها أيضاً الأفلام التي تدور حول أحداث، كالأفلام التي استعرضت الحرب العالمية الثانية، مثل: Saving Private Ryan وDunkirk وInglourious Bastards.
يتناول فيلم Captain Phillips، الذي أخرجه البريطاني بول غرينغراس، القصة الحقيقية لريتشارد فيليبس؛ ذلك القبطان الذي أخذه القراصنة الصوماليون رهينةً في العام 2009، وتمّ إنقاذه بعد 5 أيام من احتجازه على متن قارب نجاة، والذي وصفه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنه شجاع ويجب أن يحتذي به جميع الأميركيين.
أُنتج الفيلم بجودة عالية، سيما وأن هوليوود تجيد إنتاج الأفلام المستوحاة من أحداثٍ حقيقية، لكنها تعمل على تغيير الكثير من تفاصيل القصة الحقيقية؛ إما لإضافة حبكةٍ درامية، أو لإيصال رسالةٍ معيّنة.. وإليكَ الفرق بين ما حدث في الحقيقة في قصة الكابتن فيليبس، وما صنعته هوليوود في الفيلم.
قبل الاختطاف
تلقَّى كابتن فيليبس العديدَ من النشرات حول عمليات الاختطاف الأخيرة، في المياه التي أبحر فيها. وكما هو الحال في الفيلم، فإنه اختار الحفاظ على مساره، إذ أبحرت السفينة من نوع "ميرسك ألاباما"/Maersk Alabama من ميناء صلالة في سلطنة عُمان تجاه مومباسا في كينيا. وكانت على بعد 300 إلى 400 ميل من الساحل الصومالي، في محاولةٍ من ريتشارد فيليبس للوصول بشكلٍ أسرع، رغم التحذيرات التي وُجِّهت إلى السفن الموجودة في هذه المنطقة، والتحذير المباشر الذي تلقاه فيليبس. لكن على عكس ما حدث في الفيلم، لم يُخفِ فيليبس علمه بوجود عمليات اختطاف في المنطقة التي يقصدها، بحسب ما ورد في مذكراته.
الهجوم الأول للقراصنة
بمجرّد أن أدرك الكابتن فيليبس مطاردة القراصنة له، خاطب غرفة بريطانيا للنقل البحري (UKMTO) حول عملية قرصنة محتملة. ووفقاً لفيليبس، كان ردُّهم: "من المحتمل أن يكونوا مجرَّد صيادين"، لكنه طالبهم بالاستعداد. أما خط الطوارئ الأميركي، فإنه لم يلتقط الاتصال، كما ذكر الفيلم!
التفاصيل التي ذكرها الفيلم، والمتعلّقة بتمثيله وجود اتصال بينه وبين البحرية الأميركية من أجل تخويف القراصنة صحيحة؛ فوفقاً لمذكّرات فيليبس، فإنه أخفض صوته من أجل إقناع القراصنة – الذين كانوا يستمعون له عبر اللاسلكي – أن هناك طائرة هليكوبتر في الطريق إليهم. وعلى كلّ حالٍ، لم تنجح هذه المحاولة في تخويفهم.
احتلال السفينة
كما ظهر في الفيلم، فقد نجح الخاطفون في محاولتهم الثانية، رغم الجهود المبذولة لصدِّ القراصنة باستخدام خراطيم المياه ومناورات السباق بالتأرجح يميناً ويساراً، والمشاعل التي أطلقها فيليبس. لكن في نهاية المطاف، ألقى القراصنة سلّماً، وصعدوا إلى السفينة.
الفيلم اقتبس، من مذكرات فيليبس، الكلمات التي نطق بها القراصنة، حين قالوا له: "استرخِ يا كابتن، استرخِ. لسنا من تنظيم القاعدة. نريد مالاً.. مجرّد مال".
حاول فيليبس إبطاء تقدّمهم بأيّ طريقةٍ ممكنة، متظاهراً بأنه لم يفهمهم – على عكس الفيلم – وأوهمهم أن السفينة محطّمة، وأدار اللاسلكي الخاص به خلسةً لإيصال الأخبار إلى طاقمه. وقد عرض بالفعل على القراصنة مبلغ 30 ألف دولار، لكنهم أرادوا أكثر من ذلك بكثير.
الإمساك بـِ موسى
عند المقارنة مع الأحداث الحقيقية، فما سُرِد حول جهود طاقم السفينة لاستعادتها كان صحيحاً إلى حدٍّ كبير، رغم أن بعض التفاصيل اختُرِعت. فلم يحدث مثلاً أن نَصَبَ الطاقم فخاً، من الزجاج المكسور، لإصابة القراصنة. لم يذكر فيليبس هذا التفصيل أبداً في كتابه. بالعكس، فقد ذكر في كتابه أن القراصنة جميعهم كانوا يرتدون الصنادل، ما يعني أن إصابتهم بشظايا الزجاج هي شبه معدومة.
وكما هو الحال في الفيلم، فقد اشتبك كبير المهندسين مايك بيري مع موسى في غرفة المحرّك وأصابه في يده، واستخدم بعد ذلك السكين لأخذه رهينة؛ ممّا أدى إلى تغيُّر موازين القوى، وتمكّن الطاقم من التفاوض على تبادل موسى بفيليبس. لكن بعد نزول الكابتن إلى قارب النجاة، لمساعدة القراصنة على الانطلاق، احتفظ القراصنة بفيليبس ولم ينفّذوا الاتفاق.
يوجّه الكابتن في الفيلم حديثه إلى أحد القراصنة، قائلاً: "إذا كنتَ تريد أن تطلق النار على شخصٍ ما، فأطلِق النار علي"، وقد تأثر الجميع بهذا المشهد؛ إلا أن فيليبس علّق على ذلك قائلاً "إنه لم يقصد أبداً التضحية بنفسه من أجل طاقم السفينة".
الحياة على قارب الإنقاذ
استمرّ كابتن فيليبس في قارب الإنقاذ لمدة 5 أيام تقريباً، في حين يبدو في الفيلم أنه ظلَّ في القارب لمدة 36 ساعة أو أكثر. وخلال تلك الأيام، أدَّت درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة التوتّر، وكسر القراصنة لنوافذ القارب، بهدف السماح لبعض الهواء بالدخول.
وكما جاء في أحداث الفيلم، فقد زعم القراصنة أنهم كانوا صيادين اضطرّوا إلى اقتحام السفينة، عندما انعدمت مصادر رزقهم. لكن الخاطفين الحقيقيين لم يكونوا معزولين، بل على تواصلٍ دائم مع قوارب قراصنة أخرى.
ازداد الوضع في الفيلم سوءاً، بعد محاولة فيليبس الهروب خلال قيام أحد القراصنة بالتبوّل قبالة القارب، على الرغم من أن فيليبس يقول إنه دفعه فقط بدلاً من التظاهر بالذهاب إلى الحمام. وبعد ذلك، اعتدى القراصنة بالضرب على الكابتن، ولعبوا ألعاباً عقلية معه. فأصبح مصاباً بجنون الشكّ، بعدما نفَّذوا بعض عمليات الإعدام الوهمية.
المواجهة القاضية
بعد مفاوضات تمهيدية، صعد موسى إلى بينبريدج لمناقشة الفدية والشروط مع البحرية الأميركية. وسرعان ما وافق الخاطفون على السماح للأميركيين بسحب قارب النجاة، وأرسلوا أيضاً إلى فيليبس قميصاً أصفر لامعاً لارتدائه، حتى يتمكنوا من رؤيته عن بعد. وكما هو الحال في الفيلم، أصبحت الأمور أكثر فوضوية من دون وجود موسى على قارب النجاة، ولا يذكر فيليبس في كتابه شيئاً عن كتابته رسالة إلى عائلته، بل يذكر فقط صلاته من أجلهم.
تمكن القناصة التابعون لقوات البحرية الأميركية – الفرقة نفسها التي قتلت أسامة بن لادن – من إصابة القراصنة الثلاثة فيما بعد، في التوقيت نفسه، بطلقةٍ واحدة في الرأس.
النهاية
حُكِم على عبد الوالي أبو خضر موسى – باعتباره بالغاً – بالسجن لمدة 33 عاماً، رغم أن سنّه كان موضع شكّ؛ إلا أنه أقرّ لاحقاً بأنه كان في الـ 18 من عمره، وأنه حاول الانتحار عدّة مرّات منذ اعتقاله، ورفض العديد من محاولات سوني لمقابلته، إذ رأى أنهم كانوا يريدون تصويره على أنه رجل سيّئ.
المشهد الأخير في الفيلم كان مرتجلاً نتيجة صدمة فيليبس. فلم يصف الكابتن تفاصيل كثيرة عمّا حدث، فور إحضاره إلى السفينة. وإلى جانب فحصه من قبل الطبيب، ذكر أنه – عندما سُئل للمرة الأولى، عمّا إذا كان بحاجةٍ إلى أي شيء – أجاب: "أنا أحبُّ البيرة".