"العاصوف لا يمثل أي فترة زمنية من حياة الشعب السعودي"، بعبارات تحمل هذا المعنى عبّر سعوديون عبر تويتر عن غضبهم من المسلسل المثير للجدل، الذي اعتبروه لا يلتقي مع عاداتهم وسمات المجتمع في حقبة السبعينيات، فيما دافع عنه آخرون باعتباره عملاً يمثّل الواقع الذي عاشه المجتمع السعودي قبل الصحوة.
وتدور أحداث المسلسل الذي يلعب دور البطولة فيه الممثل ناصر القصبي وحبيب الحبيب وريم عبدالله والبحرينية دانة آل سالم، حول طبيعة الحياة في المجتمع السعودي من عام 1970 وحتى 1975، وما ظهر بعد ذلك من نشاط لتيار ديني عرف بالـ"صحوة"، وما رافقه من تغيرات اجتماعية صدّرت رجال الدين للواجهة في مختلف جوانب الحياة، خاصة الاجتماعية، وهو مقتبس عن رواية الراحل عبدالرحمن الوابلي "بيوت من تراب"، ومن إخراج السوري المثنى صبح، ومن إنتاج شركة "نوافذ" التابعة لناصر القصبي.
ويأتي "العاصوف" في فترة تشهد فيها السعودية تحوّلات تاريخية على الصعيدين الديني والسياسي والاجتماعي، يقوده ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، الذي تعهَّد في أحد لقاءاته الصحفية بتدمير التطرف في المجتمع السعودي، إذ قال إن السعودية لم تكن متشددة قبل عام 1979 -فترة الثورة الخمينية في إيران- وانتشار الصحوة فيها، متعهداً بإعادة الحياة إلى طبيعتها، وللإسلام الوسطي الذي كان سائداً قبل تلك الحقبة.
لقطات مثيرة للجدل
طفل لقيط يُرمى أمام مسجد بعد علاقة غير شرعية بين رجل وجارته، كانت هذه أولى اللقطات التي بُثت في الحلقة الأولى من المسلسل، ما أثار انتقادات لاذعة اعتبرت أن المسلسل يسيء للمرأة السعودية.
لقيط #العاصوف وين بيوصلنا؟
وليه الأحداث بدأت من هذا المشهد؟ pic.twitter.com/Nj6poRfEU7— بدر بن أحمد (@bader_BAM) May 21, 2018
إضافة إلى ما تضمَّنته الحلقة الثانية من إشارة إلى العلاقات المُحرّمة بعد دخول "خالد"، الذي يجسده الفنان ناصر القصبي إلى منزل جارته المتزوجة في الليل سراً، بعد أن تغازلا في وقت سابق.
كذلك يقوم "خالد" بالتلاعب بالفتيات، ويعيش قصّة حب مع ابنة خالته التي يغازلها أمام والدتها، بكلمات اعتبرها سعوديون لا تمثل المجتمع لا سابقاً ولا الآن.
#العاصوف بدأ بطفل لقيط وكأن الزنا عادة اجتماعية في ذلك الوقت تستحق التطرق لها وأنتهى بغزل امرأة والمبادرة بالتودد لرجل بوسط الشارع وأمام الناس ،،،
حتى الآن سقطة كبيرة لتشويه تاريخنا pic.twitter.com/Xq2Laqpi1i— السعودية قديماً (@KsaPast88) May 18, 2018
العاصوف لا يمثل نجد
الكابتن طيار عبدالله بن صالح الغامدي، أكد أن المشاهد التي يتضمَّنها المسلسل لا تُعبِّر عن الواقع الذي عاشه أهل نجد (مساحات واسعة من مناطق الرياض والقصيم وحائل حالياً)، مؤكداً أنهم كانوا يعتلون المنابر للدعوة الإصلاح، ونساؤهم يستقبلون الضيوف ويكرمونهم إلى أن يأتي رجالهم، معتبراً العاصوف يريد تشويه الصورة الجميلة التي رُسمت في عقول السعوديين عن نجد.
لم نعرف عن نجد واهلها الا الطيب والدين والكرم رجالها كانو يعتلون المنابر للدعوة والاصلاح شمال المملكه وجنوبها شرقها وغربها ونسائها تقلط الضيف وتكرمه حتى يجي رجالها واليوم العاصوف يريد ان يشوه هذه الصوره الجميله التي عرفناهم بها مايحزن الشجره عندما تُقطع ان يد الفاس من احد فروعها pic.twitter.com/sdgTN9929C
— الكابتن عبدالله بن صالح الغامدي (@Abduallh88) May 26, 2018
أما الأمين العام لاتحاد جامعات العالم الإسلامي عبدالعزيز التويجري، فقد اعتبر ما يقدم في المسلسل "شذوذات" لا تمثل الرياض، التي ولد وعاش فيها قبل وخلال الصحوة.
ولِدتُ في #الرياض عام 69 هجري وعشت فيها شطراً من شبابي وما عرفت في مجتمعها المحافظ ما يقدّمه #العاصوف من شذوذات قد تكون ما عاشه أصحاب المسلسل.
— عبدالعزيز التويجري A. Altwaijri (@AOAltwaijri) May 25, 2018
في المقابل، دافعت الكاتبة السعودية حليمة مظفر عن المسلسل، باعتباره "بداية لتدشين حقبة جديدة للدراما السعودية الجادة، داعية للفصل بين العمل الوثائقي (الحقيقة) والعمل الدرامي (الخيال).
كما انتقدت مظفر أصحاب النوايا الموجهة ضد العمل، حيث لم ينتبهوا للشخصيات الجميلة في العمل، مثل الأم الحكيمة والخالة الطيبة وبناتهن المؤدبات واحترام الصغار للكبار، بل ركزوا على رؤية الابن اللقيط وأمه المتاجرة بشرفها، والجارة الخائنة لزوجها المسن.
#الدراما ليست عمل وثائقي بل #فن يصور #قصة خيالية ومن ينظر لـ #العاصوف بأنه توثيقي فقد أخطأ لأن الدراما إعادة انتاج الواقع من وحي الخيال تصور صراع الخير مع الشر في حبكة ممتعة هادفة ومجتمع أجدادنا ليس ملائكيا بل بشري والخطيئة موجودة منذ وجود الإنسان ع الأرض #العاصوف_تاريخ_ام_تشويه pic.twitter.com/PrCEF4pdMf
— حليمة مظفر (@halimamuthffar) May 26, 2018
سيناريو العاصوف سطحي.. ولا يراعي الجيل الحديث
الكاتب ورئيس قسم الفن بجريدة الرياض رجا ساير المطيري، رأى أن سيناريو المسلسل غير مكتوب بشكلٍ جيد، وسطحي، وذو بعد واحد، مستشهداً على ذلك ببعض القصص التي دارت داخل المسلسل، حيث لم تكن هناك قصّة رئيسية يتحدث عنها المسلسل، وإنما اعتمد تقديم القضايا واحدة تلو الأخرى دون تشابك أو تمازج بين الأحداث التي تجري فيه.
وحرص كاتب المسلسل الراحل عبدالرحمن الوابلي، على إدخال بعض تفاصيل المجتمع السعودي، كرجل الدين السوري الذي يحض على قراءة القرآن وترتيله، في رمزية لوجود الشوام في المملكة.
كما ركز على دور الأم "هيلة"، التي تعد عمود البيت، فهي تقبلت اللقيط وأرضعته، وطوال الحلقة كانت تقنع الجميع أنه هدية من الله، وليس مصيبة، كما توجه أولادها للدوام وشراء الحليب، التي كانت عادة مألوفة تلك الحقبة.
سيناريو #العاصوف مسطّح وذا بعد واحد. في قضية اللقيط لم تتحدث الشخصيات إلا عن اللقيط، ثم انتقلت للزواج، ثم انتقلت لسجن حمود، والآن خلاف محسن ومحمد.
يتوقف العالم عند نقطة واحدة وقضية واحدة، ثم ينتقل كله للقضية التالية، وهكذا.. دون تداخل ولا تشابك ولا تمازج بين المسارات والأحداث.
— رجا ساير المطيري (@Rjasair) May 28, 2018
اقتبس الصحفي طلحة الأنصاري جزءاً من مقالة للكاتب أمجد المنيف، اعتبر فيها الأخير أن القائمين على العمل لم يراعوا الجيل الذي يتابع أعمالهم، ويتابع بالوقت نفسه الأعمال العالمية ويلاحقها، معتبراً أن المقارنات كبيرة والشروط قاسية، ومعظم الذين عوَّلوا على العمل كانوا بانتظار شيء يشبههم، لكنهم لم يجدوه في العاصوف.
غاب عن القائمين على العمل أن الجيل الذي يتابعهم هو جيل بمعايير عالية، يهتم بالأعمال العالمية ويلاحقها، ولديه شروط قاسية، ومقارناته كبيرة..وجل المعولين على العمل كانوا يحنون لزمن انتهى، يفتشون عن شيء يشبهم! @Amjad_Almunif يسأل: هل #العاصوف يمثلنا؟
https://t.co/7IkD3Dm14k pic.twitter.com/CIHhjLVVIl
— talha alansari (@tl_ansari) May 29, 2018
القصبي يستبق الأحداث
بطل المسلسل ناصر القصبي يعلم جيداً طبيعة المحتوى الذي سيتم عرضه من الحلقة الأولى وحتى النهاية، لذا كان قد استبق حملة الهجوم المتواصلة على مسلسله منذ بداية عرضه وحتى الآن، بتغريدة كتبها عبر تويتر، توقع فيها هجوماً من "المدرعمين المنفلتين".
بمناسبة عرض الحلقة الأولى من العاصوف
اللهم إني أسألك بأسمائك التي إذا دعيت بها على مغالق أبواب السماء للفتح انفتحتأكفني شر المدرعمين المنفلتين اما الناقدين المعترضين فانا كفيل بهم
اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ألْتَمِسُ مِنْ فَضْلِكَ كَما أمَرْتَني فَيَسِّرْ لي ذلِكَ
— ناصر القصبي (@algassabinasser) May 17, 2018
يذكر أن مسلسل العاصوف الذي يتكون من 150 حلقة تلفزيونية، موزعة على خمسة أجزاء، جرى تصويره في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بعد أن قامت شركة "o3 للإنتاج" بالتعاون مع twofour5، بتشييد استوديو خارجي "backlot" على مساحة تبلغ 6500 متر مربع، في أبوظبي الصناعية "كيزاد"، ليكون على شكل حي من أحياء مدينة الرياض، يحاكي فترة السبعينيات من القرن الماضي. بحسب صحيفة "الاتحاد" الإماراتية.
والعاصوف من إخراج المثنى صبح، وبطولة ناصر القصبي، وعبدالله المزيني وسناء بكر يونس، وحبيب الحبيب، وأفنان فؤاد، وريم عبدالله، وليلى السمان، إضافة إلى زارا البلوشي، ومحمد الطويان، وشمعة محمد ونواف الركابي وعبدالإله السناني وعبدالعزيز السكيرين وريماس منصور.
والكاتب هو عبدالرحمن الوابلي، سعودي من مواليد بريدة عام 1958، حصل على شهادة الدكتوراه، تخصص التاريخ، من جامعة شمال تكساس، وكان يحاضر في كلية الملك خالد العسكرية بالرياض.
وله كتابات في صحيفة "الوطن" السعودية، وأعمال عدة، منها مسلسل "طاش ما طاش" و"سيلفي" و"حارة الشيخ"، وتوفي قبل عامين.