للمرة الأولى منذ 6 سنوات، تعود السينما المصرية مرة أخرى إلى مهرجان "كان" السينمائي العالمي، بالفيلم المصري "يوم الدين"، وتشير آراء مبدئية عن كون الفيلم لافتاً من الناحية الفنية حيث يجسد رحلة للأمل ولدت من رحم المعاناة.
فوجئ الجميع بتصدر اسم المخرج أبو بكر شوقي، مخرجاً لفيلم يوم الدين، لحظة إعلان قوائم أفلام ترشيحات مهرجان "كان"، خاصة أن الفيلم لم يحظَ بالدعاية المطلوبة والكافية، ليصبح الفيلم المصري المستقل الأول الذي يعبر بوابة مسابقة المهرجان الرئيسة، ليشارك في المسابقة الرسمية على جائزة السعفة الذهبية.
مستعمرة من المجذومين!
الفيلم لأبو بكر شوقي وتتناول قصته معاناة مرضى الجذام، التي مثل بطلها "شيكا"، رحلة طويلة خاضها البطل للخروج من المستعمرة الموجودة في منطقة أبو زعبل بمصر، برفقة صديقه "بشاي"، بعد أن تركه أبواه منذ كان صغيراً أمام المستعمرة، ليخوضا رحلة البحث عن أهل بشاي.
للوهلة الأولى قد يبدو "يوم الدين" من تلك الأفلام التي تنتمي للتراجيديا الحزينة لكن اللافت والجديد هو تناول المحنة بشكل لطيف وجذاب أشاد به عدد من النقاد والمخرجين، من بينهم المخرج المصري محمد دياب الذي صرح أن الفيلم برأيه يستحق الترشيح لجائزة الأوسكار.
تناول المأساة التي يعيشها مرضى الجذام ومعاناتهم في مستعمرة أبو زعبل، لم تكن المحاولة الأولى لأبو بكر في هذا السياق، بعد أن قام بتنفيذ الفيلم الوثائقي "المستعمرة" الذي تعرف فيه على البطل الحقيقي لقصة فيلم يوم الدين.
لماذا الجذام تحديداً؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما المثير في مرض الجذام لإفراد فيلمين عنه، سواء "يوم الدين" أو "المستعمرة".
الجذام مرض عدوى بكتيرية تصيب الجهاز العصبي والجلد، نتيجة الإصابة بأحد أنواع البكتيريا الضارة Mycobacterium leprae (M. leprae)، عرف مرضاً منذ آلاف السنين، وتم اكتشاف البكتريا المسببة له وعزلها عام ١٨٧٣.
ينتج من هذه العدوى فقدان الإحساس في أعصاب الأطراف، يعقبه ظهور تقرح وضمور بالأطراف ما يؤدي في بعض الأحيان إلى فقدان المريض لبعض أطرافه أو عينيه. ويتعرض المرضى لتشوهات قاسية، تجبرهم على التعرض لعديد من الصعوبات على المستوى الاجتماعي والصحي.
ولكون المسبب الرئيسي لمرض الجذام عدوى بكتيرية دعت الحاجة إلى تنفيذ توصيات منظمة الصحة العالمية، في عزل مرضى الجذام وعلاجهم في مصحات خاصة بذلك.
مجهود كبير من طاقم العمل
يطل علينا فيلم "يوم الدين" الذي أعاد مصر إلى خريطة السينما العالمية مرة أخرى بطاقم عمل يستحق الإشادة به، خاصة مع كون الفيلم مقتبساً عن قصة حقيقية، الأمر الذي استدعى أبطالاً من نوع خاص.
ومن المميز أيضاً في الفيلم، مساعدة المخرج أبو بكر، وزوجته دينا إمام، إذ أعرب أبو بكر في كلمة له عن جزيل شكره واعتزازه بمرافقتها طريق إخراج هذه التحفة الفنية المصرية، موضحاً أن دينا أدت للسينما المصرية خدمة لا يستهان بها بإخراجها الفيلم.
فيما لم يكن الطريق ممهداً بالكامل أمام الفيلم، إذ عانى المخرج والممثلون صعوبات كونه فيلماً مستقلاً لا يحظى بدعم مادي كافٍ في بعض الأحيان، فلجأ صناع الفيلم إلى جمع التبرعات عبر الموقع الإلكتروني kickstarter لتمويل الفيلم، علاوة على أماكن التصوير غير المعتادة والبعيدة لتناول الفيلم رحلة على الطريق، جعلت من إخراجه وتمثيله تحدياً كبيراً لصناعه.
المخرج الشاب
أبو بكر شوقي كاتب ومخرج أفلام مستقلة ووثائقية مصري أسترالي، أنشأ شركة إنتاج خاصة تحت اسم Desert Highway Pictures، وهي الشركة المنتجة لفيلم يوم الدين، ولا تعد مشاركته في مهرجان كان المشاركة الأولى العالمية له، بعد أن شاركت أفلامه القصيرة في عدد من المهرجانات العالمية السابقة.
أخرج أبو بكر أفلاماً تناولت مشاكلات يعاني منها المواطن المصري، مثل فيلم "الطريق إلى إيطاليا" في عام 2010 من بطولة عمرو واكد الذي ألقى فيه الضوء على مشاكل الهجرة غير الشرعية في مصر.
ولتكتمل تلك الصورة الواقعية للفيلم، أسند أبو بكر دور البطولة إلى البطل الأصلي للقصة الحقيقية "راضي جمال" في دور بشاي ليكلل الفيلم بأداء واقعي متميز، علاوة على مشاركته البطولة الفنانة شهيرة فهمي دور إحدى ممرضات المستعمرة، ما أعطى للفيلم بعداً واقعياً جعله أحد أهم الأفلام المنتظر عرضها بمهرجان "كان".