بعد رحيل الفنانة الفلسطينية ريم بنا عن عالمنا، في 24 مارس/آذار 2018، خلَّفت وراءَها حزناً كبيراً بين أوساط متذوقي الموسيقى والمثقفين، وكل من يقاوم عدواً وألماً، فقد كانت رمزاً للصمود والأمل بغدٍ أفضل، ولا تزال، إذ إن ألبومها الـ13 يصدر اليوم، رغم كل المعوقات التي واجهتها لإتمامه، ورغم غيابها المؤلم.
غنَّت ريم في حياتها للمقاومة والحرية ولإحياء التراث الفلسطيني، كما ساندت كل من يبحث عن صوت للحياة والتفاؤل، وألبومها الجديد والأخير "صوت المقاومة"، يصدر بعد قرابة شهر على وفاتها؛ ليستمر في بثِّ رسالتها الخالدة.
لا شيء يقف في وجه الصوت الحر
تعرَّضت ريم في مايو/أيار 2015، لشلل أصاب الوتر الأيسر من صوتها، مما جعل غناءها مستحيلاً، لكن تثق ريم في قدرة جسدها وصوتها على ترميم ذاته، ما يبدو واضحاً حتى في اسم الألبوم "صوت المقاومة"، لذلك تحايلت على فقدانها لصوتها بفكرة أخرى، جعلت ألبومها الجديد ممكناً.
تعد فكرة صنع هذا الألبوم حديثة وشاعرية وغير تقليدية في نفس الوقت، فالملفات الطبية لحنجرتها؛ ستتحول إلى نوتات موسيقية، لم تتمكن ريم من الاستسلام ببساطة، فالأمر بالنسبة لها ليس عادياً، إذ يتعلَّق الألبوم بالمقاومة والصوت الذي لا يسكت أبداً، على حد قولها في أحد اللقاءات التلفزيونية.
لم تتوقف ريم عن العمل حتى النهاية، تشير والدتها الشاعرة زهيرة الصباغ، في حوار تلفزيوني، أن ريم قبل وفاتها بشهر سجَّلت ما تبقَّى من الألبوم، وهي على كرسي متحرك، وكانت تتابع تطورات العمل عليه مع الفريق، حتى لحظة دخولها الأخير للمستشفى.
وعلى عكس ما يتوقع الجمهور؛ مشكلة ريم الصوتية لا علاقة لها بحربها مع سرطان الثدي، فهي كما تقول مشكلة أخرى مستقلة بذاتها، قاومت ريم المرض لعشر سنوات، وشاركت جمهورها حالتها الصحية دون يأس أو ملل.
الجسد المتألم يصدح بالغناء
ظهر الألبوم إلى النور من خلال تقنية "صوتنة البيانات"، وهي تقنية حديثة تحول الصور ثنائية الأبعاد، مثل فحوصات ريم الطبية؛ المقطعية، والـx-ray، إلى ملفات صوتية، فعملياً صور حنجرة، وقلب، ودماغ، وصدر، وصورتان لوجه ريم، أصبحت نغمات موسيقية.
يتكون الألبوم من 15 أغنية، وجميعها قصائد كتبتها ريم عدا قصيدة واحدة لزاهي وهبي، ألقت ريم بعض القصائد، واستطاعت في المرحلة الأخيرة من التسجيلات في العاصمة النرويجية أوسلو أن تغني البعض الآخر، وكلا الطريقين أظهرا مشاعرها الصامدة، والنابعة من كلماتها القوية المتناغمة مع عزف البيانو الارتجالي، ودقات الموسيقى لصور جسدها الشجاع.
تشير السيدة زهيرة لقناة الجزيرة أن الألبوم "صوت المقاومة"، يحكي أوجاع ريم ومشاعرها عندما علمت بفقدانها لصوتها؛ لشعورها أن صوتها وهو وسيلة مقاومتها الوحيدة يسلب منها.
عمل مهندس الصوت SC MoCha التونسي، من فريق Checkpoint 303، على تقنيتي التحويل والدمج، في مونتريال وتونس، والموسيقى لبوجي ويسيلتوفت، عازف الجاز والبيانو الذي شاركها العمل من قبل، وسجل عزفه مارتن أبراهامسين في أوسلو، أما إريك هيليستاد، فبالإضافة لمشاركته الإنتاج – بشركة KKV – فسجل أغنيات ريم في مدينتي رام الله وأوسلو، وساهم في الإنتاج فريق Checkpoint 303، كذلك، دُعم العمل من قبل وزارة الشؤون الخارجية النرويجية.
رغم غيابها يحتفي محبوها بالألبوم
أطلقت شركة KKV النرويجية؛ الألبوم أولاً في 20 أبريل/نيسان، عبر المنصات الرقمية، ثم احتفل بإطلاقه، في 24 من الشهر ذاته، من مركز يبوس الثقافي بمدينة القدس، بحضور محبي ريم ووالدتها زهيرة الصباغ، ورغم صعوبة الموقف؛ يرى الحاضرون أن مشاعر الألم والحزن، تتخللها الفرحة والفخر لبقاء صوتها وحضورها المقاوم بينهم، حتى بعد رحيلها، بحسب تغطية رويترز للحدث.
تتوالى بعدها حفلات إطلاق الألبوم في المدن العربية؛ فاليوم في عمان، في مقر دارة الفنون بمشاركة مسرح البلد، ورواد معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، الذي سجلت به ريم أغنياتها في رام الله يُطلق الألبوم في الأردن، كما يعرض فيلم قصير شاركت فيه ريم، وفي بيروت بمشاركة ناد لكل الناس، في 4 مايو/أيار، وقريباً في القاهرة.
أثير الغزالة البيضاء ريم بنا يستمر في هدهدة محبيها، فأغنية الألبوم الأخيرة، تحتوي على صوت النظام الإشعاعي، الذي سجل بالفيديو عام 2016 في إحدى جلسات العلاج الإشعاعي، الذي تلقته ريم في العاصمة الألمانية برلين، وكأن ريم تودع الحياة بالقوة والصمود، وكأن فراقها الحزين لمحبيها كطرق الشفاء من الألم، موجعة، ومُخَلصة، وإجبارية، لكنها تحول أرواحنا لموسيقى وربما أجسادنا أيضاً.