“قيامة أرطغرل”.. بين الثعلب الماشي والأسد النائم (الحلقة 112)

لم يكتسب مسلسل "قيامة أرطغرل" شهرته الواسعة من فراغ، فقد تابعه الملايين -ولا يزالون- في كافة ربوع العالم؛ نظراً لما تحمله مشاهده من أحداث شيقة وقيم تربوية، بالإضافة إلى عبقرية السيناريو واحترافية الأداء وتميز الإخراج.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/24 الساعة 03:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/24 الساعة 03:56 بتوقيت غرينتش

لم يكتسب مسلسل "قيامة أرطغرل" شهرته الواسعة من فراغ، فقد تابعه الملايين -ولا يزالون- في كافة ربوع العالم؛ نظراً لما تحمله مشاهده من أحداث شيقة وقيم تربوية، بالإضافة إلى عبقرية السيناريو واحترافية الأداء وتميز الإخراج.

وفيما يلي بعض الخواطر حول الحلقة 112 من المسلسل:

1- نِعمَ الناصح الأمين والمستشار المؤتمن آرتوك، الذي لم يدخر وسعاً في نصح قائده ومراجعته في قراراته بأسلوب ملؤُه الأدب الجم والخلق الرفيع، فلا خير في قومٍ لا ينصحون لأمرائهم، ولا أفلح قومٌ أضاعوا خلق التناصح فيما بينهم.

2- "الإخلاص الأعمى أكبر عدوٍ للحقيقة" قالها أرطغرل، وقد صدق والله، فإن الكثير من المؤسسات قد تؤتَى من تلك الثغرة، فيتحول بعض أبنائها بفعل ضعف بصيرتهم وقلة وعيهم إلى أن يكونوا عبئاً عليها لا سنداً لها، رغم حسن النية وصدق الطوية.

3- الوقت الذي يحرص فيه أرطغرل كل الحرص على الدولة وحمايتها من المؤامرات والنصح لسلطانها، هو الوقت ذاته الذي يضع فيه الخطة البديلة (أو plan B كما يسمونها في علوم الاستراتيجيات الحديثة)، فقد خاطب محاوره قائلاً: "إما أن يتحقق العدل في تلك الدولة (يقصد الدولة السلجوقية) أو نقيم نحن دولة العدل"، ثم أكمل قائلاً: "ننبعث أو نندثر"، إذن فالغاية واضحة رغم قلة الإمكانات، والدرب مرسوم الخطوات رغم بُعد المسافات، وما أقرب الغايات البعيدة على أصحاب الهمم العالية والعزائم الفتية.

4- ضرب أرطغرل ومستشاروه (تورغوت – بامسي – أصليهان – حليمة – هايماه) مثلاً راقياً في أدب الاختلاف، فقد اتبعوا أسلوب الحوار الراقي والواعي فيما بينهم حتى يُقربوا وجهات النظر، فسمعنا حيثيات دفاع الأم هايماه عن قرار الهجرة إلى سوغوت حين قالت: "إن الثعلب الماشي خيرٌ من الأسد النائم" (الحركة بركة)؛ ليكمل بعدها أرطغرل قائلاً:
– قد تركت إخوتي ورائي لأجل غايتي، ولن يوقفني عن غايتي انقسام سادة قبيلة تشافيدار ولن يدفعوني للرجوع من منتصف الطريق.
– إن كثرة العقبات دليلٌ على صحة الطريق.
– نحتاج في تلك المرحلة إلى أصحاب الأفق الواسع والعزائم التي لا تفتر.

فكان أن اقتنعت أصليهان بذلك، ثم بادرت لإبلاغ سادة القبيلة بما انتهى إليه الرأي؛ لتضرب مثلاً هي الأخرى في المعارضة المتجردة من المطامع والجندية التي لا تشوبها الأهواء.

5- اضُطر السلطان غياث الدين للتعامل مع قتلة أبيه رغم أنفه، كما اضطر كذلك لإصدار فرمانه بتنحية أرطغرل عن إمارة القبائل رغم قناعته بإخلاصه وبأنه أنفع له وللدولة، ومن قبل فقد أباه ومن بعده شقيقه، ولعله يدفع في مقبل الأيام مزيداً من الأثمان، وتلك ضريبة السلطنة التي تأسست على غير تقوى، فإن فيها ناراً تصيب -أول ما تصيب- مَن سارع فيها ولهث في سبيلها، وفي التاريخ معتبَر.

6- لا يزال سعد الدين مستمراً في إيهام من حوله بأنه يعمل لصالح وحدة الدولة وسلامة أراضيها واتساع نفوذها، في الوقت الذي يخطط فيه لانقلابٍ على السلطان الشرعي، وتلك عادة الطغاة، إلا أن الغرور الذي أصابه والثقة المفرطة التي تملّكته قد يُشكّلان الثغرة التي يؤتَى من خلالها، فلطالما أوتِيَ الحذِرُ من مأمنه.

7- فِراسة أرطغرل وذكاؤه يظهران بوضوح في تعامله مع غون ألب، فقد أحسن في تحليله لشخصية الأخير واعتباره أن التعامل معه يقتضي إيقاظه من غفلته؛ ليتحول بعدها إلى جندي في سبيل الحق بعد أن كان عوناً للباطل، فبعض المواقف تحسمها القلوب لا السيوف.

8- ما زالت الأحداث تبرز أهمية دور الاستخبارات في حسم المعارك وتأسيس الدول، وقد ظهر ذلك في شخصية آتسيز من قبل، كما يظهر حالياً من خلال دور أحمد (آريس سابقاً) الذي مارس لعبة الخداع الاستراتيجي من خلال الحيلة التي اتفق بخصوصها مع أرطغرل والمحاربين ما أكسبه ثقةً غالية عند حاكم قلعة بيلاجيك لدرجة أن يكون مبعوثه الخاص إلى الأمير سعد الدين.

9- قد اختصر ابن العربي ماهية الإسلام في عبارته الخالدة؛ حيث قال لأحمد (آريس سابقاً): الإسلام هو الاستسلام لله عز وجل، وأن تعيش له وحده لا لنفسك (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الآية.

إن حرص أحمد على تلقي تعاليم الإسلام على يد شيخه، وذلك بالتوازي مع حركته الدؤوبة في سبيل الحق، إنما يؤكدان أنه لا خير في علم لا يتبعه عمل، ولا خير في عمل لا تصحبه بصيرة نافذة وإيمان لا يتزعزع.

10- التزام أحمد بعدم إيذاء سعد الدين رغم قدرته على ذلك يبرز فقهاً وفهماً رغم حداثة عهده بالإسلام، فقد نفّذَ وصية قائده المحنك أرطغرل والذي رفض إنهاء أمر سعد الدين في الوقت الحالي؛ لأن المصلحة تقتضي إبقاءه حياً -ولو بشكل مؤقت- وذلك لمعرفة ألاعيب الإمبراطور ومكائده.

وإن ذلك لَيُذكِّرُنا بموقف الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) في غزوة الأحزاب حين كلّف حذيفة بن اليمان باستطلاع خبر القوم، فقال له اذهب فأْتِني بخبر القوم، يقول حذيفة: "فلما وليت من عنده أتيتهم (يقصد المشركين)فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهماً في كبد القوس، فأردت أن أرميه، فذكرتُ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو رميته لأصبته".

وقد كان الخير كل الخير في التزامه، فقد ارتد القوم على أدبارهم بفعل الرياح التي دمرت كل متاعهم، كما أن أبا سفيان نفسه قد دخل في الإسلام بعد ذلك وأصبح والد مؤسس الدولة الأموية التي أعز الله بها الإسلام والمسلمين.

ملاحظة:
أليس من الخطر أن يرى غون ألب بعينه تواصل أرطغرل مع أحمد (آريس سابقاً)؟!
أليس هناك احتمال (ولو بنسبة قليلة) أن يبادر بإبلاغ سعد الدين الذي سيبادر بدوره بإبلاغ حاكم قلعة بيلاجيك بالأمر، فتفسد الخطة كلها!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد