عزيزتي Greta Gerwig بعد التحية..
شاهدت مؤخراً فيلمك Lady Bird، تحمست لرؤيته عندما رأيت العالم يحتفي بك، فإخراجك وكتابتك بالتأكيد كانا رائعين، للحد الذي جعلك تدخلين التاريخ، بكونك خامس امرأة تحصل على ترشيح للأوسكار كأفضل مخرجة على مدى سنواته التسعين، لقد رفعت رأس السيدات عالياً، وأنا منهن، شعرت بأنك تمثلينني في الحفل، نعم النساء يستطعن الإخراج والتكريم.
تحمست لرؤية الفيلم أيضاً، لأنك ذكرت أنه مقتبس عن قصة حياتك في ولاية ساكرمنتو، وأنه يدور حول قصة علاقة مضطربة بين الأم وابنتها، فهما تحبان بعضهما بشدة، ولكن تتشاجران على كل شيء، من منّا لم يعش هذه التجربة مع والدته؟ ولكن ما شاهدته في الفيلم كان مختلفاً تماماً عن كلماتك البراقة، ووصفك المبالغ فيه له.
بدأت مشكلتي مع الفيلم منذ الثواني الأولى، فقد رأيت بطلته Saoirse Ronan وهي تجسد دور فتاة في المدرسة الثانوية، Saoirse التي تبلغ من العمر 23 عاماً، عندما بلغت أنا هذا العمر، كنت قد تخرجت في الجامعة، وفي أميركا يحدث نفس الشيء، فمن المفترض أن Saoirse في نهاية الفيلم تحتفل بعيد ميلادها الثامن عشر، والمطلوب مني كمشاهدة، التصديق بأن هذه الممثلة التي أعلم عمرها جيداً، وكبرت أمام عيني على الشاشة – وأنت تعلمين أن الممثلين الذين يكبرون أمام الشاشة يعطيهم الجمهور عمراً أكبر من عمرهم – تدخن أول سيجارة لها، تشرب أول مشروب كحولي لها، وتعيش أول علاقة جنسية ولا تعلم ماذا تفعل.. نعم؟
هل تعلمين أن في جميع اللقاءات الصحفية كانت Saoirse تتحدث عن أنها كانت تعطي لزميلها الذي يقيم معها علاقة جنسية في الفيلم timothée chalamet بطاقات مزيفة، حتى يستطيع دخول البار معها؛ لأنه لم يبلغ السن القانونية؟ هل تعلمين أنها كانت تتحدث عن زملائها في الفيلم على أنهم أطفال، وأنها تنقل خبرتها لهم؟ كيف سأشاهد هذه اللقاءات، ثم أعود لأشاهد Saoirse طفلة تلهو وتتشاجر مع والدتها على أسخف الأسباب، وتقبّل timothée chalamet الذي من المفترض أنه أكثر نضجاً منها في الفيلم؟ أرى أنه كان من المفترض أن تختاري ممثلة في نفس عمر الشخصية، أو وجهاً جديداً، كان ذلك سيكون أكثر مصداقية، ولكن مع عدم وجود Saoirse، كانت هناك نسبة 80% أن الفيلم لن يلفت الأنظار، ولن يترشح لأي جائزة، فوهج Saoirse ومحبة النقاد لها، هما من نقلا الفيلم من فيلم عادي، إلى فيلم يحتفى به في المهرجانات.
لقد حاولت جاهدة أن أغض النظر عن العمر الحقيقي لبطلة الفيلم، وعشت أجواء صراع الابنة مع والدتها، وقلت لنفسي: نعم، هذا أنا، أحب والدتي كثيراً، وهي تحبني، ولكن نشعر بالإحراج من قول كلمة أحبك، ربما كتابتها في هذا المقال ليقرأها مئات الأشخاص، أسهل كثيراً من قولي كلمة أحبك لوالدتي مباشرة، وهذا ينطبق عليها أيضاً.
عندما كان يتطور الصراع بين الأم وابنتها، سرعان ما كان يهدأ، بالقيام بأي أنشطة مشتركة، توضح لنا مدى حبهما لبعضهما لبعض، ولكن دون قول كلمة أحبك، دون أي اتصال جسدي، فلم تحتضن الأم ابنتها، وهذا شيء جيد؛ لأنه واقعي.
قدمت شخصيتك في الفيلم على أنك شخصية أنانية، تريد الوصول لكل شيء، حتى ولو على حساب عائلتها، وقد اعترفت بطلة الفيلم بذلك أكثر من مرة، ولهذا كانت والدتها تتشاجر معها دائماً، ولكن في إحدى المرات اشتدت المشاجرة، بعدما علمت الأم بتقديم الابنة في جامعة في ولاية أخرى غير ساكرامنتو؛ لأنها ناقمة على حياتها في ساكرامنتو التي تعتبر ريفية، فشعرت أنها مدينة تصيبها بالاكتئاب، وأرادت أن تبتعد عن كل شيء، والهروب لحياة أكثر بريقاً، حتى لو ستضطر العائلة لرهن منزلهم من أجل هروبها من الحياة معهم.
عندما علمت الأم بأن الابنة قدمت للجامعة وقبلت بها، أعلنت الخصام، لم تتحدث مع الابنة، ومر حوالي ربع ساعة من الفيلم، والابنة تحاول مصالحة الأم، وترفض الأم محادثتها، ولكننا نراها وهي تحاول تدبير المال لجامعة ابنتها، في إشارة إلى أن الأم تحب ابنتها، الشيء الذي نعرفه وقمت بتوضيحه لنا أكثر من مرة خلال الفيلم.
في النهاية، كبرياء الأم منعها من احتضان ابنتها وتوديعها في المطار، وسافرت الابنة في كل الأحوال، ولم تكترث لغضب الأم، وعندما حاولت الأم أن تعود إلى المطار وهي تبكي، تريد أن تصرّح بحبها لابنتها، وضمها، وجدتها قد سافرت، وعندما وصلت الابنة ووجدت خطاباً من والدتها في حقيبة السفر وعلمت مدى حب والدتها لها، وحاولت محادثتها هاتفياً لم تجدها على الهاتف، وانتهى الفيلم.. نعم؟
لقد وعدتينا برؤية صراع ومشكلة حقيقية بين الأم وابنتها، أين هي المشكلة؟ أين هو الصراع؟ لم أجد شيئاً مما وعدتينا به، لقد أظهرت لنا منذ اللحظة الأولى أن الأم والابنة تحبان بعضهما البعض كثيراً، لا يخلو مشهد عندما يكونان مع بعضهما البعض من مشاجرة، ولكن أيضاً توجد مصالحة، بالفعل لا توجد مشكلة.
سأفترض معك أن الفيلم الذي بنيتيه على قصة حياتك، يتناول صراعاً حقيقياً بين الأم والابنة، لماذا أنهيته بأن الاثنتين متفقتان على هذا الوضع؟ لماذا لا توجد مشاعر؟ لماذا لم تحتضن الأم ابنتها؟ لماذا لم تعد الابنة إلى والدتها، أي محادثة هاتفية تنهي كل شيء؟ ما هذا البرود العاطفي الذي تعيشين فيه؟ إذا كنت تريدين أن أرى نفسي في الفيلم، فأريد رؤية الأمل، أريد رؤية نهاية تقول لي إنني سأستطيع مصارحة والدتي بمشاعري في يوم من الأيام، إنها ستحتضنني في يوم من الأيام دون أي سبب، وليس أن هذه العلاقة ستظل كما هي، كل ما سيحدث أنني سأتأقلم معها.
لماذا لم تعطيني أي مشاعر دافئة أعيش خلالها مع الفيلم؟ لقد شعرت بالبرود طوال الوقت، لم أشعر بشيء، لماذا أشاهد فيلماً لا يعطيني أي شيء، حتى متعة المشاهدة؟
نأتي الآن لترشيحك للأوسكار، لقد خذلتيني مرة أخرى، فالفيلم بسيط جداً، لا يوجد في إخراجه أي تكنيك جديد أو حتى قديم، أو أي صعوبة، إنه فيلم سهل التصوير، يستطيع أي شخص إخراجه، لقد شاهدت من الأفلام الكثير والكثير، هذا الفيلم فيلم سهل لا تستحقين أن تترشحي للأوسكار عنه، مقابل وجود مخرجين كبار، كان إخراجهم للأفلام متميزاً، على رأس القائمة المخرج Martin McDonagh الذي أخرج فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri، المخرج Steven Spielberg، عن فيلم The post، والمخرج Joe Wright عن فيلم Darkest Hour.
لقد حصلت على ترشيح الأوسكار مجاملة للسيدات، نتيجة ضغط حملة Me too على الأوسكار لترشيح السيدات في جوائز الإخراج عنوة، وأنت تعلمين ذلك، وكل من يهتم بصناعة السينما يعلم ذلك، فلا تتفاخري كثيراً في اللقاءات الصحفية، وتقولي إن عملك الشاق أوصلك لهذه المكانة؛ لأن الفيلم بلا فكرة، بلا قصة، بلا إخراج، بلا موسيقى، وبلا أي شيء، كنت أتمنى أن تشيري إلى أن ترشيحك للأوسكار هو مبادرة من الأكاديمية لتكريم المرأة، تعترفين بالحقيقة، ولا تقبلي بالحصول على ترشيح مجاملة؛ لأنك بهذا تكونين قد قللت من عمل السيدات، أريد أن أنال ما أستحقه، السيدات يقدرن على الوصول للقمة بمجهودهن، وليس بالمجاملة، أو بضغط ما، ولكن ما حدث هو أنك أثبت أن المرأة لا تستطيع الحصول على شيء إلا بالمجاملة.
في النهاية، أريد أن أعلمك سبب هذه الرسالة، لقد قرأت في الجرائد أنك تنوين عمل مسلسل تليفزيوني أو سلسلة أفلام قائمة على فيلم Lady Bird، أرجوك لا تفعلي ذلك، لقد كان الفيلم سيئاً بما فيه الكفاية، لا تصنعي منه نسخاً أخرى، كفانا ما رأيناه، حياتك في ساكرامنتو بلا مشكلات، وليست ثرية درامياً، فأبقيها لنفسك، وإذا كنت تكرهين ساكرامنتو لهذا الحد، فلا تذهبي إلى هناك، ولكن لا تصنعي أفلاماً نشاهدها لتعبري عن كرهك لها، ثم تحصلين على جوائز نتيجة ضغط ما آخر، فتشعرين بالنجاح والغرور دون أن تحققي شيئاً فعلياً.
هناك جملة تقال في الأفلام لن أستطيع أن أقولها لك، ولكن سأترجمها كما يفعل المترجمون: تباً لك يا Greta Gerwig، اذهبي إلى الجحيم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.