تكفير الغناء

لم يكن متوقَّعاً أن تأتي ردود فعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي على تلك الدرجة من القسوة في صفحات الفيسبوك ضد شابة موصلية بمقتبل عمرها، بعد أن ظهرت في تقرير مصور لأحد المواقع الإخبارية وهي تغني إلى جانب ممارستها فن الرسم.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/12 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/12 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش

لم يكن متوقَّعاً أن تأتي ردود فعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي على تلك الدرجة من القسوة في صفحات الفيسبوك ضد شابة موصلية بمقتبل عمرها، بعد أن ظهرت في تقرير مصور لأحد المواقع الإخبارية وهي تغني إلى جانب ممارستها فن الرسم.

الهجمة التي تعرضت لها الفتاة، شاركت فيها أصوات عراقية من كل جنس ومذهب ودين دون استثناء، وعلى الأغلب تنتمي إلى معظم أطياف المجتمع العراقي، ومن ضمنها أصوات لم يكن متوقَّعاً منها أن تنخرط في هذه المهزلة اللاخلاقية ، لترفع معهم سكين التطرف، متهمة الفتاة بـ"الداعشية"؛ لأنها كانت تغني والحجاب يغطي رأسها، خصوصاً أنها قد خرجت من مكونات غير مسلمة عُرفت بأهمية دورها الحضاري في تاريخ العراق القديم والحديث وريادتها في تغيير وتحديث أنماط ومظاهر الحياة الاجتماعية العراقية.

ولم يكن متوقَّعاً أن تخرج منها أصوات نشاز؛ لأنها قد عانت كثيراً إرهاب الجماعات التكفيرية والميليشياوية قبل غيرها، ودفعت نتيجة ذلك، الثمن غالياً؛ أراوحاً ونزوحاً وتهجيراً، فجاءت مشاركة مثل هذه الأصوات بغاية السوء؛ لأنها لا تليق بالخصوصية الثقافية والدينية للجماعات التي تنتمي إليها، ولا يمكن أن تمثلها أو تعكس حضورها الجميل في الفعاليات الاجتماعية العامة.

هذه الهجمة التي نالت من الفتاة، تنطلق من المنهج الداعشي نفسه، الذي عمد إلى قمع الحريات وكتم الأنفاس والإساءة إلى كرامة الإنسان، كما تنتمي إلى المنطق التكفيري ذاته.

إنّ قراءة أولية لتلك التعليقات وردود الفعل، سنخرج من خلالها إلى أن المجتمع العراقي ما يزال محتقناً بقوى وعوامل ستأخذه في أية لحظة إلى الهاوية مرة أخرى، ليعود الصراع إلى نقطة البداية عندما بدأت الأفكار والجماعات المتشددة تعلن عن نفسها وتفرض حضورها بعد عام 2003، كما لو أنها سلطة شرعية تستمد قوتها من سلطة الدين، فأخذت تمارس أساليب التضييق والتشديد على الحياة العامة للناس، فتدخلت كثيراً في تحديد حرياتهم الشخصية في اللبس والمظهر والعادات والأعراف، وكان ذلك مقدمةً سبقت ما ارتكبته فيما بعد من انتهاكات وجرائم بحق العراقيين بعد أن سيطرت على مدن الموصل والأنبار وصلاح الدين.

وإذا ما بقيت السلطة والدولة العراقية على فهمها الضيق في النظر إلى قضية جذور وعوامل التطرف، واقتصرت رؤيتها في مواجهة هذه المعضلة على المعالجة الأمنية والعسكرية دون أن يكون الإطار الثقافي حاضراً في استراتيجيتها وبرامجها آنذاك، فسيكون المجتمع العراقي على موعد دائم مع تحديات خطيرة، سيخوض فيها صراعاً أشد عنفاً مما شهده في الأعوام الماضية مع أجيال جديدة من المتطرفين والتكفيريين.

أدناه رابط التقرير الذي تظهر فيه الفتاة وهي تغني:

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد