استمتعت ومعي الكثيرون بمشاهدة الحلقة 109 من حلقات المسلسل الرائع "قيامة أرطغرل" التي تميزت بكونها مزيجاً بديعاً بين ساعات الشدة والمعاناة وبين ساعات الفرح والنصر، وفيما يلي بعض الخواطر حول الحلقة:
1- "من الآن فصاعداً نحن الدولة" قالها سعد الدين لأحد مساعديه، كي يعطي المشاهد فرصة أكبر في سبر أغوار نفسية الطاغية الذي يعتقد ويشيع دوماً أنه الدولة، وأن الدولة هو، فإذا تواطأ معه أولياؤه (ولو على الخيانة) فهم رجال الدولة المخلصون، ولو انتقده معارضوه فهم الخونة الذين يجب أن تتطهر البلاد من شرورهم!
2- يمثل غون ألب (الحاكم الجديد للقلعة)نموذج الجندي "الغشيم" الذي يطيع سادته طاعة عمياء، فولاؤه لهم يمثل الوفاء للدولة حسب اعتقاده، وبالتالي فهو ولاء بلا سقف، يذهب فيه إلى أبعد مدى في البطش والقتل والتنكيل وبلا أدنى تردد.
ومثل هؤلاء هم أعمدة بنيان الطغاة، عليهم يرتكزون وإليهم يستندون، قد باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، فضلوا وأضلوا ثم خابوا وخسروا.
3- مثّلَ الشيخ ابن العربي نموذج العالِم العامل، الذي يعي جيداً التحديات التي تواجهها أمته وينصح لأئمتها (قوله للسلطان: الدولة لا تعمر بالكذب) ثم ينافح بكل ما استطاع من قوة عن المصلحين من أبنائها، وقد سمعناه يردد: الساكت عن الحق شيطان أخرس، ثم يكمل قائلاً: لا خير في عالمٍ لا يعملُ بعِلمه، فكان أن انقلبت البراءة التي تحملها قسمات وجهه حين يلقى إخوانه إلى غضب شديد وعنفوان كبير في تعامله مع الخونة قتلة السلطان، وتلك حال المؤمنين الصادقين (أذلةٍ على المؤمنين أعِزةٍ على الكافرين).
4- استطاع الأمير الجديد للقلعة شراء ذمم سادة القبائل بالمال (وتلك نفسية بعض النخبة)، كما استخدم قوته وبطشه في إرهاب العامة الذين رضخوا في النهاية لحكمه ولم يقاوموا أحكام الإعدام التي صدرت في حق سادتهم وأصحاب الفضل عليهم (تورغوت – بامسي – آرتوك) وتلك عقلية العامة في كل زمان ومكان!
5- "ليس كل فخ يمكن التعامل معه بالسيف" قالها آرتوك لبامسي في معرض حديثه عن مؤامرة سعد الدين التي استهدفت أرطغرل كما استهدفتهم، وهنا دلالة واضحة على أن السيف رغم ما له من قوة وحسم إلا أن قوة العقل والتدبير تظل لها القول الفصل في كثير من الأمور.
6- افتُتحت الحلقة بنوعين من حديث النفس؛ الأول كان حديث الأمير سعد الدين لنفسه حول طمعه في الحكم وتطلعه للسلطنة، أما الثاني فكان حديث أرطغرل لنفسه عن الابتلاء الذي يرفع الدرجات ويرسم طريق النصر وعن الغاية التي يسعى إليها والمتمثلة في إقامة العدل في كافة أرجاء المعمورة.
وذلك بالضبط هو الفارق بين نفس الطاغية ونفس المؤمن.
7- سلوك أرطغرل أثناء محنة السجن وموقف المحاكمة إنما يبرز قوته القلبية والأخلاقية إلى حد كبير، فقد كان صابراً محتسباً ثابتاً، بل كان عاملاً مساعداً على تثبيت رفيقه في السجن حين ردد قوله تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، بالإضافة إلى تدبره لقصة نبي الله يوسف حين سُجِنَ ظلماً وزوراً، واعتباره أن مرحلة السجن هي مرحلة التفكر الذي يحيل ظلام السجن نوراً (سننير هذا السجن بالتفكر).
أما في مشهد المحاكمة فقد كان قوياً صلباً في مواجهة خصومه الذين قال لهم: إن يمت أرطغرل واحد فسوف يولَد عشرة، وهنا دلالة كذلك على تجرده، فلا يهم الأشخاص إذا قورنوا بالدعوات والأفكار.
8- "لم تعد لنا دولة تحمينا" قالها أرطغرل لزوجته، في استشراف مرير للمستقبل الذي ينتظرهم والتحديات المتوقع أن تواجههم، ورغم ذلك لم يزده قتامة الموقف إلا إصراراً على استكمال الطريق ومواصلة السير إلى الغاية التي يريد، وذلك شأن المؤمنين وديدن المصلحين.
ملاحظة:
لم أجد أثراً صحيحاً للموقف الذي ذكر فيه ابن العربي إصابة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في إحدى الغزوات بسهمٍ وصل إلى عظامه، واستخرجه الأطباء من جسده بينما هو في الصلاة، فلم يشعر بالألم لشدة خشوعه.
والأرجح أن قريباً من ذلك قد حدث مع الصحابي الجليل عروة بن الزبير، الذي بُترت ساقه وهو في الصلاة، في دلالةٍ على منتهى الخشوع بين يدَي الله عز وجل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.